كيف نسمع الأصوات – نظرة عميقة في الدماغ

كيف يقوم نظامان دماغيان في الثدييّات بالتآزر لالتقاط الأصوات ومعالجة المعلومات


”عندما يسمع الناس أصوات خطى الأقدام أو حفر نقار الخشب فإن التركيب الإيقاعي للأصوات هو أمرٌ مدهش“. وذلك حسب ما يقول ميشيل وير Michael Wehr أستاذ علم النفس بجامعة أوريغون.



كما أردَفَ قائلًا: ”حتى عندما يكون التركيب الزمني للصوت غير واضح -كما في كلام البشر- يظل التوقيت موصلًا لمجموعة متنوعة من المعلومات الهامة“.

 


عندما يُسمع الصوت، فإن الخلايا العصبية في المنطقة تحت القشرة من الدماغ تطلق إشاراتها بالتزامن مع التركيب الإيقاعي للصوت، وبذلك تُرمِّز هذه المنطقةُ التركيبَ الأصلي للكلام على أنه توقيت هذه الإشارات.


ميشيل وير أستاذ علم النفس في معهد علم الأعصاب في جامعة أوريغون قام باكتشاف كيفية استخدام الدماغ لعملية "دفع وسحب" لترميز وترجمة الأصوات. حقوق النشر: جامعة أوريغون
ميشيل وير أستاذ علم النفس في معهد علم الأعصاب في جامعة أوريغون قام باكتشاف كيفية استخدام الدماغ لعملية "دفع وسحب" لترميز وترجمة الأصوات. حقوق النشر: جامعة أوريغون
يقول وير ، الباحث في معهد علم الأعصاب بجامعة أوريغون: ”عندما تتقدم هذه المعلومات باتجاه القشرة المخية السمعية فإن تمثيل الأصوات يخضع للتحويل. يوجد تحول تدريجي باتجاه الخلايا العصبية التي تستخدم نظامًا مختلفًا تمامًا في ترميز المعلومات“.



في دراسة حديثة نشرت تفاصيلها في عدد 8 أبريل/نيسان 2015 من دورية Neuron، وثّق فريق وير تحويل المعلومات ذاك في الجهاز السمعي عند الفئران. وقد كانت النتائج مشابهة لتلك التي ظهرت سابقًا عند الرئيسيات، ما دعا الفريق للاستنتاج بأن هذه العمليات منخرطة في عمل الأجهزة السمعية عند جميع الثدييات.



تستخدم الخلايا العصبية في الدماغ لغتين مختلفتين لترميز المعلومات: الترميز الزمني، والترميز الترددي.



بالنسبة للخلايا العصبية في المهاد السمعي -الجزء من الدماغ الذي ينقل المعلومات من الأذن إلى القشرة المخية السمعية- فإنها تستعمل نمط الترميز الزمني. تلك العصبونات تطلق إشاراتها بشكل متزامن مع الصوت الأصلي بحيث تقدم تكرارًا مماثلًا للتركيب الصوتي بالنسبة للتوقيت.



أما بالنسبة للقشرة المخية السمعية، فإن حوالي النصف من الخلايا العصبية فيها يستخدم الترميز الترددي بحيث تنقل التركيب الصوتي عن طريق تمثيلها له باختلافاتٍ في كثافة ونسبة الشارات المنقولة بواسطة العصبونات، وليس وفقًا للتوقيت الدقيق .



لكن كيف يتم الانتقال من أحد نظامي الترميز إلى الآخر؟


لإيجاد الإجابة عن هذا السؤال قام وير وأحد الطلبة غير المتخرجين (وهو المؤلف الرئيس شيانغ جاو Xiang Gao، وهو الآن طالب طب في جامعة أوريغون للصحة والعلوم) باستخدام تقنية "تسجيل كامل الخلية" whole-cell recording في النماذج الفأرية لديهم؛ لالتقاط آلاف التفاعلات التي تحدث ضمن الخلية العصبية الواحدة في كل مرة تستجيب فيها لصوت ما. راقب الفريق كيف تستجيب الخلايا المفردة لتدفق ثابت من النقرات الإيقاعية.

 

لاحظ وير وجاو خلال الدراسة أنّ الخلايا العصبية ذات الترميز الترددي استقبلت ما يزيد على 82% من مُجمل مدخَلاتها من خلايا عصبية ذات ترميز زمني.



يقول وير: ”هذا يعني أنّ هذه الخلايا العصبية هي أشبه بمترجمين يقومون بتحويل الصوت من لغة إلى أخرى. بالنظر المُعمّق لداخل الخلايا العصبية نستطيع أن نرى آلية حدوث هذه الترجمة“.



إحدى هذه الآليات هي تلك الطريقة التي تقوم بها الخلايا العصبية المدعوة بالعصبونات الاستثارية والعصبونات المثبطة بالتكيف للدفع والسحب معًا كما يقوم الآباء بدفع لعبة الأرجوحة في فنائهم. حيث تقوم العصبونات الاستثارية استجابةً لكل نقرة بالدفع باتجاه خلية ثم تتبعها العصبونات المثبطة بالسحب تمامًا خارج الطور (أي أنها تحدث تمامًا بدون تزامن مع العصبونات الاستثارية). يدفع هذا الاجتماع للفعلين معًا الخلايا لإطلاق حسكات صوتية بتردد عالٍ (الحسكات هي موجات كهربية تشاهَد في مخطط كهربية الدماغ، وتمثل وجود نشاط كهربائي في تلك المنطقة – المترجمان) محولةً الترميز الزمني إلى ترميز ترددي.



تقول وير أن هذه الملاحظة تقدم نظرةً حول الكيفية التي ندرك العالم بها من خلال دارات عصبية عميقة في الدماغ. خمن علماء الأعصاب سابقًا أن التحول من الترميز الزمني إلى الترميز الترددي قد يفسر حدود الإدراك الحسي ما بين إيقاع الصوت ونغمته. فقد تبدو سلسلةٌ بطيئةٌ من النقرات إيقاعيةً، لكن سلسلة سريعة منها ستبدو أشبه بنغمةٍ طنانة لا أكثر.



وقد تكون تانك التجربتان المختلفتان للصوت ناتجتين عن النوعين المختلفين من العصبونات وفق قول وير.



قامت العصبونات المتزامنة، في تجربة جامعة أوريغون، مستخدمةً الترميز الزمني بتعقب سلسلة نقرات وصلت لحوالي 20 نقرة في الثانية، تولت بعد تلك النقطةِ العصبوناتُ غير المتزامنة ذات الترميز الترددي العملَ. حيث تستطيع تلك العصبونات غير المتزامنةِ الاستجابةَ لسرعات أعلى – قد ترتفع لتصل إلى 500 نقرة في الثانية- لكن بمعدل ترميز تطلق فيه العصبونات إشاراتها بصورة عشوائية وغير متصلة.



لماذا يقوم الجهاز السمعي بتغيير التمثيل؟ قد يكمن السبب حسبما يقول وير في القشرة البصرية والتي تستخدم أيضًا الترميز الترددي.



يقول وير: ”إن هذا التحويل في الجهاز السمعي شبيه بما لوحظ في الجهاز البصري، باستثناء أن العصبونات في الجهاز السمعي تقوم بترميز معلومات حول الزمان بدلًا من المكان“.



يؤمن علماء الأعصاب أن رموز التردد قد تدعم التكامل متعدد الحواس في مناطق القشرة المخية العليا بحسب ويل. كما يقول إن الترميز الترددي قد يكون لغة عالمية تساعدنا لجمع ما يراه الناس وما يسمعونه.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات