علماء يكتشفون رنين ثقب أسود حديث الولادة للمرة الأولى

 حقوق الصورة CC0 Public Domain



إذا كانت النظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين صحيحة، فإن أي ثقب أسود وُلِد نتيجة تصادمات كونية اهتزازية لثقبين أسودين هائلين، يجب أن يُحدث رنيناً عقب ولادته من هذه التصادمات، الأمر الذي ينتج عنه موجات ثقالية تشبه إلى حد بعيد صدى الأمواج الصوتية التي تصدر عن جرس معلق. لقد تنبأ آينشتاين بأن ميل وانحدار نغمة هذه الموجات الثقالية بمثابة علامة مباشرة على بداية تكوّن ثقب أسود جديد ودورانه.


أما الآن، فقد رصد علماء من معهد ماساتشوستس للتكونولوجيا (MIT) ومكان آخر رنين ثقب أسود حديث التكون للمرة الأولى، ووجدوا أن نمط هذا الرنين يتنبأ في الحقيقة بكتلة الثقب الأسود ودورانه (دليل آخر أن آينشتاين كان محقًا طول الوقت).

الاكتشافات (التي نشرت في مجلة Physical Review Letters) تؤيد أيضًا فكرة أن الثقوب السوداء تفتقر لأي نوع من الشَعْر - في استعارة تشير إلى فكرة أن الثقوب السوداء وفقًا لنظرية أينشتاين يجب أن تُظهر فقط ثلاث خصائص يمكن ملاحظتها الكتلة، والدوران، والشحنة الكهربية. بينما جميع الخواص الأخرى، والتي أطلق عليها الفيزيائي جون ويلر John Wheeler لقب الشَعْر، من المفترض أن يبتلعها الثقب الأسود نفسه، وبالتالي ستكون غير قابلة للرصد.


تدعم الاكتشافات التي توصل إليها الفريق اليوم فكرة أن الثقوب السوداء هي في الواقع بلا شَعْر. وقد تمكن الباحثون من التعرف على نمط رنين الثقب الأسود وذلك باستخدام معادلات آينشتاين، حيث قاموا بحساب الكتلة والدوران الذي ينبغي أن يكون عليه الثقب الأسود ليعطي نمط الرنين هذا. وبالفعل تطابقت هذه الحسابات مع قياسات كتلة ودوران الثقب الأسود المقاسة سابقًا بواسطة آخرون.


وفي حال انحرفت حسابات الفريق بشكل كبير عن القياسات، لكان الأمر عندها يشير إلى أن رنين الثقب الأسود يعبر عن خصائص أخرى غير الكتلة والدوران والشحنة الكهربائية، مما يحتاج إلى تفسيرات فيزيائية تتجاوز تلك التي وضعتها نظرية آينشتاين.


لكن كما اتضح، فإن نمط رنين الثقب الأسود علامةٌ مباشرةٌ على كتلته ودورانه، مما يدعم نظرية أن الثقوب السوداء عبارة عن عمالقة صُلْع، وتفتقر إلى أي مظاهر خارجية كالشعر.


ويقول قائد الدراسة ماكسيمليانو إيسي Maximiliano Isi عضو برنامج NASA Einstein Fellow في معهد كالفي للفيزياء الفلكية وأبحاث الفضاء التابع لـMIT: "نتوقع جميعاً بأن النسبية العامة صحيحة، ولكن هذه هي المرة الأولى التي نتأكد فيها بهذه الطريقة. إن هذا هو أول قياس معملي ينجح بشكل مباشر في اختبار نظرية اللاشَعْر. لا يعنى هذا أن الثقوب السوداء لا تستطيع امتلاك شعر، ولكن يعني أن صورة الثقوب السوداء بلا شَعْر ستعيش لمدة يوم إضافي".


تغريدة، وفك تشفيرها


في يوم 9 أيلول/سبتمبر 2015، قام العلماء بأول اكتشاف على الإطلاق لموجات الجاذبية gravitational waves، وهي تموجات متناهية الصغر في نسيج الزمكان، ناشئة من ظواهر كونية عنيفة و بعيدة. أُطلق على الاكتشاف اسم GW150914، وقد تم بواسطة مرصد LIGO (مرصد موجات الجاذبية عن طريق تداخل موجات الليزر).


وبمجرد إزالة العلماء الضوضاء وتكبير الإشارة، لاحظوا شكل موجة سرعان ما زادت شدتها قبل أن تتلاشى؛ وعندما ترجموا الإشارة إلى صوت، سمعوا شيئًا يشبه التغريدة.


قرر العلماء أن موجات الجاذبية تشكلت نتيجة الانفجار السريع لثقبين أسودين هائلين. هذا وترتبط ذروة الإشارة - أعلى صوت في التغريدة - باللحظة نفسها التي اصطدم فيها الثقبان الأسودان واندمجا معًا لتكوين ثقبًا أسودَ واحدًا جديدًا. في حين أن هذا الثقب الأسود الناشئ من المحتمل أن يكون قد تسبب في موجات جاذبية خاصة به، إلا أن علماء الفيزياء افترضوا أن آثار هذه الموجات ستكون ضعيفة للغاية بحيث يتعذر تحليلها وسط ضجة التصادم الأولي.


 

يوضح الفيديو كيف سيبدو اندماج الثقوب السوداء لأعيننا إذا استطعنا بطريقة ما السفر في سفينة فضائية لنلقي نظرة عن كَثَب. صُنِع الفيديو عن طريق حل معادلات من معادلة النسبية العامة لألبرت آينشتاين باستخدام بينات من مرصد LIGO خلال الحدث المدعو GW150914.
حقوق الفيديو: SXS, the Simulating eXtreme Spacetimes 


ومع ذلك، وجد إيسي وزملاؤه طريقةً لاستخراج صدى الثقب الأسود من اللحظات بعد ذروة الإشارة مباشرة، في العمل السابق الذي قاده الباحث المشارك مع إيسي ماثيو جيسلر Matthew Giesler، فإن الفريق قد أظهر من خلال المحاكاة أن هذه الإشارة، وخاصةً الجزء الموجود مباشرةً بعد الذروة، تحتوي على إيحاءات - وهي عبارة عن عائلة من النغمات الصاخبة القصيرة المدة. وعندما أعادوا تحليل الإشارة مع أخذ الإيحاءات في الاعتبار، اكتشف الباحثون أنه بإمكانهم عزل نمط الرنين الخاص بالثقب الأسود المتكون حديثًا بنجاح.


وفي ورقة الفريق الجديدة طبق الباحثون هذه التقنية على البيانات الفعلية من اكتشاف GW150914، مع التركيز على آخر بضعة مللي ثواني من الإشارة، بعد الذروة مباشرة، مع أخذ نغمات الإشارة بعين الاعتبار، تمكنوا من تمييز رنين قادم من الثقب الأسود الناشئ الجديد. وعلى وجه التحديد تمكنوا من التعرف على نغمتين متمايزتين، لكلِّ منهما درجة ميل وانحدار قابلتان للقياس.


يقول إيسي: "لقد اكتشفنا إشارةً شاملة لموجة ثقالية تتكون من ترددات متعددة، تتلاشى بمعدلات مختلفة، مثل الاهتزازات المختلفة التي تشكل صوتًا. كل تردد أو نغمة يتوافق مع تردد اهتزازي من الثقب الأسود الجديد".


المعرفة بعد آينشتاين


تتنبأ النظرية النسبية العامة لآينشتاين بأن ميل وانحدار موجات الجاذبية الخاصة بالثقب الأسود يجب أن يكونا ناتجَين مباشرَين لكتلة الثقب الأسود ودورانه. وهذا يعني أن ثقبً أسودَ ذا كتلةٍ ودوران معينين يستطيع أن ينتج فقط نغمات ذات درجة معينة من الميل والانحدار. وكاختبار لنظرية آينشتاين، استخدم الفريق معادلات النسبية العامة لحساب كتلة ودوران الثقب الأسود المتكون حديثًا، والذي يعطي درجة ميل وانحدار النغمتين اللتين اكتشفوهما.


ووجدوا أن حساباتهم تتوافق مع القياسات السابقة لكتلة الثقب الأسود ودورانه المقاسة بواسطة آخرون. يقول إيسي أن النتائج تُظهر أنه يمكن للباحثين في الحقيقة استخدام الأجزاء الأعلى صوتًا والأكثر قابليةً للاكتشاف في إشارة موجة ثقالية لتمييز رنين الثقب الأسود الجديد، في حين سابقًا افترض العلماء أن هذا الرنين يمكن اكتشافه فقط في النهاية الخافتة من إشارة موجة الجاذبية، ومع أدوات أكثر حساسيةً بكثير مما هو موجود حاليًا.


وأضاف هذا مثيرٌ للمجتمع لأنه يظهر أن هذه الأنواع من الدراسات ممكنةٌ الآن، وليس خلال 20 عامًا.


ومع تحسين دقة مرصد LIGO وإتاحة أدوات أكثر حساسية في المستقبل، سيتمكن الباحثون من استخدام أساليب المجموعة لسماع رنين الثقوب السوداء الأخرى المتولدة حديثًا. وإذا حدث وأن التقطوا نغماتٍ لا تتوافق تمامًا مع توقعات آينشتاين عندها سيكون الأمر أكثر إثارة.


يقول أيسي: "في المستقبل ستكون لدينا مستقبلات أفضل على الأرض وفي الفضاء، وسوف نكون قادرين على رؤية عشرات الأنماط وليس نمطًا واحدًا فقط، وتحديد خصائصها بدقة؛ إذا لم تكن هذه ثقوبًا سوداء كما تنبأ آينشتاين، وإذا كانت أشياء أكثر غرابة مثل الثقوب الدودية (wormholes) أو نجوم بوزونية (boson stars)، فإنه قد لا يكون لها رنين بالطريقة نفسها، وسيكون لدينا فرصة لرؤيتها".


 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأمواج الثقالية (gravitational waves): عبارة عن تموجات في الزمكان، نشأت عن حركة الأجسام في الكون. أكثر المصادر التي تُنتج مثل هذه الأمواج، هي النجوم النترونية الدوارة، والثقوب السوداء الموجودة خلال عمليات الاندماج، والنجوم المنهارة. يُعتقد أيضاً بأن الأمواج الثقالية نتجت أيضاً عن الانفجار العظيم. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات