احترار الأرض يصعب دراسة المريخ

إنّ الأودية الجافة موطن لبعض التضاريس الباردة التي فكر البشر في زيارتها، هي باردة لدرجة التجمد، وجافة بشكل لا يُصدق، أما تربتها المتلونة بلون الصدأ فهي غير مأهولة فعليا. وبالرغم من كل هذه المظاهر إلا أنّ تلك الأودية لا تبعد عنا 33 مليون ميل في المريخ، بل هي هنا على كوكبنا الأرض تواجه مشكلة أرضية.

يقول جو ليفي Joe Levy وهو جيوفيزيائي بجامعة تكساس، يزور ويدرس الأودية الجافة بالقطب الجنوبي منذ عام 2004 "إنّ يوماً بارداً في الأودية الجافة يشبه يوما عاديا على سطح المريخ".

إنّ درجات الحرارة الباردة تلك (والتي عادة ما تنخفض لأقل من -55 درجة مئوية) تتحد مع بعض أكثر الترب جفافا على سطح الأرض لتكوِّن مختبرا مريخيا على الأرض.

هناك، ومع نظيرين آخرين لكوكب المريخ في القطب الشمالي سنتحدث عنهم أكثر بعد قليل، يختبر الباحثون أفكارهم حول كيفية بقاء ساكن أصلي من سكان الكوكب أو حتى مستعمر بشري حيا على المريخ، كل هذا في وجود وسائل الراحة النسبية لكوكبهم الأم.

أما الآن فهذه النوافذ التي تُطلعنا على شكل الحياة على سطح الكوكب الأحمر على وشك أن تُغلق. يقول ليفي: "بدأنا ندرك للتو أنّ الأودية الجافة على عتبة تغيير كبير". تحدث تلك النقلة في سياق ارتفاع أكبر في درجات الحرارة العالمية. فقد أكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية -بما لا يفاجئ أحدا- أنّ العام 2016 كان في طريقه لانتزاع لقب العام 2015 كأكثر الأعوام سخونة علي الإطلاق.

حتى الآن فإنّ طبقات الجليد في المناطق الداخلية عالية الارتفاع، والتي لازالت تضاريسها جافة وباردة علي نحو استثنائي، لا تزال -إلى حد كبير- غير مُتأثرة بالموجة المتصاعدة في درجات الحرارة العالمية. ولكن تعدّ الأودية الجافة موطناً لشيء مدهش آخر وهو منطقة ساحلية منخفضة تعكس كوكب المريخ الذي كان متواجدا منذ ملايين السنين، إذ كان أكثر رطوبة ودفئا.

ويقول ليفي: "هنالك آلة زمن في الأودية الجافة". يشرح ذلك: "عندما تتوجه إلى الأودية الجافة الساحلية، يبدو ذلك وكأنك تعود في الزمن وراءً على سطح المريخ".

في هذا التوأم المريخي القديم ، حيث يأمل الباحثون في إيجاد أجوبة عن الكيفية التي تدفقت بها المياه على سطح هذا الكوكب، يتعقب ليفي علامات الانهيار المتسارع. ولأنه وصل أول مرة منذ ما يزيد على العشر سنوات فقد شهد انصهار الجليد الأرضي وزيادة معدل انصهار وانكسار الجليد على طول الدلتا الساحلية. يقول ليفي: "هناك مجازفة بخسارة فوائد الأجزاء المنخفضة في الأودية الجافة".
 
ويضيف: "يبقي السؤال الجوهري بخصوص تلك المناطق الأكثر رطوبة ودفئا هو: هل سنشهد هطول أمطار أكثر أو حتى تحول تساقط الثلوج إلى سقوط أمطار مما يحول النظير الواضح للمريخ إلى فقط ما يشبه القطب الشمالي".

إنّ المنطقة العليا من القطب الشمالي موطن لمجموعة خاصة من أشباه كوكب المريخ بالرغم من أنها لا تشبه المريخ في درجة الحرارة والجفاف كما يشبهه القطب الجنوبي. تمد تلك المناطق العليا من القطب الشمالي العلماء بأمثلة واقعية عن مدى الهشاشة التي ستكون عليها البيئات التي تعكس المريخ بالقطب الجنوبي حين يبدأ الانهيار.

يزور كريس مكاي Chris McKay الباحث بوكالة ناسا البيئات المريخية الموازية بالقطبين الجنوبي والشمالي منذ عام 1980. وقد رأى تغيرا ملحوظا في نظائر كوكب المريخ على مدار أربعة عقود تقريبا، من بينها الانصهار السريع لطبقات الجليد وانصهار الجليد البحري. يقول مكاي: "خلال عشر سنوات من الآن لن يبقى الأمر هكذا فادرسوها حالا".

يعمل المركز البحثي لمحطة ماكموردو McMurdo كموقع للعلماء الذين يدرسون الأودية الجافة في القارة القطبية الجنوبية. حقوق الصورة: Getty Images
يعمل المركز البحثي لمحطة ماكموردو McMurdo كموقع للعلماء الذين يدرسون الأودية الجافة في القارة القطبية الجنوبية. حقوق الصورة: Getty Images

فيما اتخذ الذوبان في نظائر المريخ في القطب الشمالي مسارا تصاعديا مستمرا وسريعا، شهدت الأودية الجافة في القطب الجنوبي تقلبات في درجات الحرارة، حتى أنه شهد فترات من البرودة الممتدة خلال التسعينيات. يقول مكاي اليوم أنّ المناطق عالية الارتفاع في الأودية الجافة والتي قام فيها بمعظم أبحاثه لازالت باردة تماما كما كانت منذ 40 عاما. وتلك أخبار جيدة للعلماء الذين يتساءلون عن كيفية الحياة علي المريخ اليوم.
 
يقول مكاي: "إذا كنت عالم أحياء فلكية فإنّ المناطق العالية الارتفاع في الأودية الجافة هي النظير الأمثل للمريخ حتى الآن". ويضيف: "إنه المكان الذي يجب أن تذهب إليه لاختبار أفكار عن كيفية استمرار الحياة وكيفية النجاة على سطح المريخ".

ولكن بينما تبدو التغيرات محصورة في المناطق منخفضة الارتفاع في الأودية الجافة، فإنه لا توجد أية ضمانة أنها ستبقى هكذا، خاصة وأنّ درجات الحرارة العالمية مستمرة في الارتفاع، يقول ليفي: "إننا نرى علامات ذوبان عالمي متسارع بمناطق الذوبان الساحلية". ويضيف: "لم يتوغل الذوبان بعد ولكن كل ما يحتاجه الأمر هو بضع درجات حرارة إضافية أو تغير في مقدار ضوء الشمس الذي يصل للأرض حتى يبدأ في إذابتها وهذا سيجعلها مختلفة عن المريخ".

بالإضافة إلى إعطاء العلماء أرضا تجريبية محلية للبحث عن أجوبة لأسئلة تتعلق بالجيولوجيا، والمناخ، والتاريخ الخاص بكوكب المريخ، فإنّ النظائر توفر أيضا مكانا لمعدات الاختبارات والتي قد تساعد -يوما ما - المحتل الأول للنجاة على المريخ. قاد المهندسون سيارة مريخية تجريبية ليشاهدوا كيفية مواجهتها للبرودة، وأجروا اختبارات الضغط لرؤوس المثاقب التي صُممت من أجل المريخ وذلك في المناطق الجليدية في الأودية الجافة، حتى أنهم نقلوا أجزاء نموذج المسبار المريخي ليختبروا أداءها.

خسارة هذه البيئات الشبيهة بالمريخ، سيترك الباحثين أمام خيارات قليلة لإجابة أسئلتهم حول المريخ وحول كيفية أداء معداتهم هناك. يقول ليفي: "لا يوجد مكان مثلها، عند تلك النقطة سنضطر إلى الذهاب فعليا إلى المريخ".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات