لماذا نمشي على قائمتين وليس أربع؟

حقوق الصورة: freepik.



عندما بدأ أسلافنا القدامى المشي على قدمين، اتخذوا الخطوات الأولى للاقتراب من البشر الحاليين، والتقدم الحضاري.

بحسب علم الآثار والأحفوريات البيولوجية لم يكن هذا الاختيار عشوائيًا أبدًا، بل كان له أسباب أجبرت أسلافنا على هذا النوع من المشي.

غيّرت المشية الثنائية الكثير من المعالم التشريحية لدينا، واستغرق الأمر ملايين السنين، حتى أن بعض الأسلاف كانت تجمع بين المشية الثنائية والرباعية بحسب الظروف، وتدعى Orrorin tugenesis وArdipithecus ramidus.

تُعتبر التغيرات المناخية في البيئات الأفريقية الاستوائية التي عاش فيها أسلافنا منذ نحو 10-8 مليون سنة أحد الظروف التي أجبرتهم على ذلك، إذ اضطرهم الأمر للترحال والهجرة إلى مناطق يتوفر فيها الغذاء، والبيئة الأمنة، والظروف المناخية المناسبة، ولم يكن ذلك السبب الوحيد، وإنما أحد الأسباب الكثيرة لفهم هذا التغير الحاصل على أسلافنا.

لم تكن الهجرة تعتمد على الأحصنة أو أي حيوانات أخرى يمكن ترويضها، بل على الأقدام، وبسبب المشي لأيام وشهور طويلة بحثًا عن الاستقرار، وفي ظل عدم توفر الغذاء الكافي الذي يمدهم بالطاقة، كان المشي على قائمتين أسرع، ويستهلك طاقة أقل بمقدار 75% من المشي على أربع، وأول سلف عُرف عنه بداية المشي على قائمتين كان اسمه Sahelanthropus tchadensis.

كيف عرفنا ذلك؟
-كانت البداية مع التغيرات التشريحية المختلفة التي اكتشفناها بين أحفورات أسلافنا، وحساب العمر المقدر لكل أحفورة لمعرفة الفارق الزمني بينها، ومقارنة هذه الفروقات التشريحية مع الإنسان الحالي والقرود الحالية التي تمشي على أربع ومع الشمبانزي الذي يمشي تارةً على أربع وتارةً على قائمتين.

-أجريت الدراسات على البشر والقرود بالمشي ضمن طواحين دوارة وحساب كمية الطاقة الكامنة والحركية ومعدل الاستقلاب الحيوي واستهلاك الأوكسجين، وكانت النتائج أن المشي على قائمتين كان يحتاج طاقة أقل بمقدار 75%، وأحرق سعرات حرارية أقل بنسبة 75% من المشية الرباعية.

-ما التغيرات التشريحية التي تعرض لها أسلافنا حتى وصلنا لما نحن عليه؟

1-تطور عظم الفخذ:
تماثل تشريح عظم الفخذ لدى أسلافنا القدماء منذ 6 مليون سنة مع أسلاف القرود الحاليين، لكن تطور الجزء المفصلي الزاوي الذي يربط بين عظم الحوض والفخذ بطريقة أقوى لدى أسلافنا مكننا من القدرة على حمل جزئنا العلوي وتحمل ثقله بالوقوف على قائمتين.

أيضًا قصر طول الأربطة بين عظم الفخذ العلوي والمفصل الحوضي لدى قردة الشمبانزي لا يدعم الجزء العلوي من أجسادهم للوقوف على قائمتين مقارنةً مع طول هذه الأربطة لدى أسلافنا الأوائل الذين مشوا على قائمتين، وكان في استطاعتهم الركض بسرعة بفضل هذه الخاصية المميزة.

2-تطور مفصل الركبة:
حدث هذا منذ 4.1 مليون سنة، اضطر هذا المفصل لتغيير شكله بسبب طريقة المشي على قائمتين، حيث أنه في كل خطوة تأخذها فإنك تقف على ساق واحدة تحمل كامل ثقل جسمك لكي تأخذ الخطوة التالية، ما مكننا من تطوير مفصل ركبة قوي ومرن قادر على دعمنا في حمل ثقل أجسامنا، واكتشفنا ذلك من مقدار عرض الساق لدى أسلافنا المدعوين أسترالوبيثكس Australopithecus، ما يوضح مقدار الضغط الذي تعرضت له، لأنهم كانوا يمشون على قائمتين، إضافةً لكون مفصل الركبة لدينا أقوى من مفصل قردة الشمبانزي، ما يسمح لنا بالمشي لمسافات طويلة داعمًا ثقل جسمنا.

-في هذه الفترة حين عاش بعض أسلافنا في الغابات الكثيفة والبيئة المفتوحة اضطروا لتسلق الأشجار أيضًا، فكان المشي على قائمتين اختيارًا يتناسب مع احتياجاتهم.


3- تطور النخاع الشوكي المنحني:
حدث ذلك قبل 2.5 مليون سنة، هذا الانحناء الذي تراه في أسفل ظهرك قبل عظم الحوض يساعدنا على امتصاص الصدمات التي نتعرض لها أثناء المشية الثنائية، لاحظنا ذلك على سلفنا المدعو أسترالوبيثكس أفريكانوس Australopithecus africanus الذي مشى على قائمتين بطريقة تشبه مشيتنا الحالية.

4-تطور عظم الحوض:
حدث ذلك قبل 1.9 مليون سنة، إذ تغير حجم وشكل الحوض ليدعم الجزء العلوي من جسدنا على الانتصاب، وحتى السلف الذي عاش تلك الفترة كان يدعى بالإنسان المنتصب Homo erectus، ويبدو أنه تخلى عن فكرة تسلق الأشجار لقدرته على المشي على قائمتين، ما مكنه من الهجرة لمناطق أبعد بحسب التقلبات المناخية التي تعرضت لها القارة الأفريقية في تلك الحقبة.

5-تطور الجمجمة:
بمقارنة طريقة ارتباط النخاع الشوكي مع الدماغ ضمن الجمجمة لدى الشمبانزي، وأوائل أسلافنا الذين مشوا على قائمتين نلاحظ هذا الفرق التشريحي، إذ يكون ارتباطهما من الخلف بالنسبة للجمجمة لدى الشمبانزي ما يجعل رأسهم منحنيًا قليلًا، بينما يكون ارتباطهما عند البشر من أسفل الجمجمة جاعلًا رأسنا قادرًا على الانتصاب والنظر لأعلى بوضع مستقر.

ختامًا، من الجدير بالذكر الفوائد العائدة علينا كبشر قدماء وحاليين من المشية الثنائية التي سمحت لنا بقطع مسافات كبيرة بفعالية وقوة أكبر، إضافةً لتحرر يدينا من الاستناد للمشي، الأمر الذي سمح لنا بالتقاط الأشياء، وصنع أدوات تساعدنا في حياتنا اليومية وحتى حمل أطفالنا، إلا أن لذلك أيضًا بعض المضار علينا مثل أمراض العمود الفقري كالانزلاق الغضروفي، وروماتيزم مفصلي عظم الحوض والركبة، وآلام أسفل الظهر لدى العمل والجهد لساعات طويلة حاملين جسدنا على قائمتين فقط.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات