كيف يؤثر الفضاء على جسم الانسان

رائد فضاء وكالة الفضاء اليابانية أكيهيكو هوشيد (Akihiko Hoshide) يُنهي جمع الدم كجزء من بعثة إكسبيديشن 32 في عام 2012. باستخدام بيانات بيولوجية من 56 رائد فضاء، عمل العلماء معًا لإكمال مجموعة مكونة من 29 ورقة بحثية حول تأثير رحلات الفضاء على جسم الإنسان. حقوق الصورة: ناسا


29 دراسة تبحث في آثار استكشاف الفضاء

يتحمل رواد الفضاء الإشعاع وانعدام الوزن والعزلة وعددًا من الضغوط الجسدية والعقلية الأخرى الناتجة عن رحلات الفضاء؛ إذن ماذا تفعل هذه المخاطر بأجسادهم؟

عززت مجموعة من 29 بحثًا، نُشرت منها 19 في 25 تشرين الثاني/نوفمبر معرفتنا أكثر من أي وقت مضى حول تأثير رحلات الفضاء على جسم الإنسان. ينبع هذا العمل من "دراسة التوائم" التابعة لوكالة ناسا، والتي تضمنت رحلة رائد فضاء ناسا سكوت كيلي (Scott Kelly) لمدة عام في الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية بينما كان شقيقه التوءم مارك كيلي، رائد فضاء متقاعد من ناسا، بمثابة "عنصر تحكم" على الأرض.

ففي حين كون دراسة التوائم غير مسبوقة، فإنها تضمنت فقط رائدي فضاء. وبواسطة مجموعة الورقات البحثية الجديدة هذه، راقب العلماء تأثير رحلات الفضاء على 56 رائدًا زاروا محطة الفضاء الدولية.

ورد في بحث يلخص هذه المجموعة: "ساهم في هذه الأبحاث أكثر من 200 باحث من عشرات المجموعات الأكاديمية والحكومية والفضائية والصناعية، وتعد أكبر مجموعة بيانات عن رواد وبيولوجيا الفضاء قد حُصِل عليها على الإطلاق، وتتضمن التحليل الطولي المتعدد، ورسم الخرائط المناعية وحيدة الخلية والحلقة، وتدابير جديدة للحد من الإشعاع، بالإضافة إلى ملفات بيولوجية مفصلة لـ 56 رائد فضاء".

مع مثل هذا الكم الهائل من البيانات ومثل هذا التعاون الدولي الكبير، لم يتمكن العلماء فقط من التحقق من صحة ما وجدوه في دراسة التوائم، بل تمكنوا أيضًا من التوسع بشكل كبير في دراسة تأثير الفضاء على جسم الإنسان.

قالت سوزان بيلي (Susan Bailey) لموقع ProfoundSpace.org، وهي أستاذة بجامعة ولاية كولورادو، وقد كانت باحثة رئيسية في دراسة التوائم وباحثة رئيسية في العديد من هذه الأبحاث: "إنها مجموعة واسعة من الدراسات المختلفة، وهي تبني بالفعل أساسًا راسخًا عمّا نعرفه عن تأثيرات رحلات الفضاء الطويلة على جسم الإنسان، وعمّا نحتاج أن نبحث عنه ونقلق بشأنه ونحن نمضي قدمًا". وأضافت سوزان أن أهمية هذا الأمر ستتزايد مع شروع البشر بالخروج إلى القمر بعيدًا عن الأرض.

بينما يتناول كل بحث من الـ 29 عاملًا فريدًا من تأثيرات رحلات الفضاء على البشر، هناك عدد قليل منها يثبت صحة ما عثر عليه في دراسة التوائم، وكذلك يوسّع من فهم العلماء لهذه الآثار الصحية.


ستة عوامل


عندما يتعلق الأمر بدراسة الآثار الصحية لرحلات الفضاء، فقد حدد الباحثون ستة عوامل رئيسية تحدد ما يحدث لجسم الإنسان في الفضاء.

قال كريس ماسون (Chris Mason) لموقع (ProfoundSpace.org)، وهو أستاذ مشارك في علم وظائف الأعضاء والفيزياء الحيوية في كلية وايل كورنيل للطب (Weill Cornell Medicine)، والذي كان أيضًا باحثًا رئيسيًا في دراسة التوائم وباحث أول - أو باحث أول مشارك - في العديد من هذه الأبحاث: "نقترح أن هناك بالفعل ستة عوامل متسقة نراها مرارًا وتكرارًا في الفئران والقوارض والبشر وخطوط الخلايا على حد سواء، ما يقودنا إلى السؤال التالي: ما هي بعض العوامل الأساسية التي تؤثر في كيفية استجابة الجسم لوجوده في الفضاء؟".

تشمل هذه العوامل الستة: خلل التنظيم في الميتوكوندريا، والإجهاد التأكسدي، والجذور الحرة، وتلف الحمض النووي، وطول التيلومير، والاختلافات في الميكروبيوم والتغيرات اللا جينية.

ويشير العامل الأول (خلل التنظيم في الميتوكوندريا) إلى كيفية عمل الميتوكوندريا "بيت طاقة الخلية" (وهي عضية توّلد معظم الطاقة الكيميائية في الخلية ) بشكل مختلف، ما قد يؤدي إلى مشاكل صحية. قالت سوزان: "اكتشف العلماء أيضًا الإجهاد التأكسدي، وهو خلل في الجذور الحرة ومضادات الأكسدة في الجسم، وتعتقد سوزان أنه قد يكون ناتجًا عن الإشعاع الذي يختبره الرواد أثناء وجودهم في الفضاء". وعلى هذا المنوال، فقد درس مؤلفو هذه الأوراق أيضًا الجذور الحرة، وهي الذرات غير المستقرة في جسم الإنسان، والتي من الممكن أن تتلف الخلايا وتسبب لرواد الفضاء أمراضًا مثل السرطان أثناء رحلاتهم الفضائية.

بالإضافة إلى ذلك، عثر الباحثون على أدلة لتلف الحمض النووي، وهو أمر متوقع مع التعرض لهذا النوع من الإشعاع. أظهرت هذه الأبحاث أيضًا أن طول التيلوميرات تزداد لدى رواد الفضاء أثناء تحليقهم- وهي هياكل واقية في نهايات الكروموسومات- وتتقلص مرةً أخرى عند هبوطهم على الأرض. كان هذا مثيرًا للاهتمام لأن الباحثين في دراسة التوائم فوجئوا برؤية تيلوميرات كيلي تطول في الفضاء وتقصر مرةً أخرى على الأرض، ولكن مع هذا العمل أظهروا أن كيلي لم يكن حالةً استثنائية، فقد اختبر باقي رواد الفضاء الذي خضعوا للدراسة نفس الأمر.

قال ماسون: "أظهرت الأوراق أيضًا حصيلةً متنوعةً من الميكروبيوم، وهو تجمع للمواد الوراثية من جميع الميكروبات الموجودة في جسم الإنسان، لرواد الفضاء، وهو أمر متوقع لأن جميع رواد الفضاء مختلفون. لم يدرس الباحثون تنوع ميكروبيومات رواد الفضاء فحسب، بل درسوا أيضًا كيف تغيرت ميكروبات كل واحد منهم مع رحلات الفضاء والبيئة داخل المحطة الفضائية. وأخيرًا، أظهر البحث الجديد دليلًا على حدوث تغييرات جينية، أو تغييرات في البنية الفيزيائية للحمض النووي، إذ يعاني رواد الفضاء من "تغيير في تنظيم الجينات" أو عملية (تشغيل) و(إيقاف) الجينات عندما تتفاعل الخلايا مع بيئات مختلفة".

مثل النتائج التي استمرت في إظهار الكيفية التي تطول بها التيلوميرات أثناء رحلات الفضاء، أثبتت هذه الأبحاث صحة العديد من التأثيرات التي شاهدها الباحثون في سكوت كيلي أثناء دراسة التوائم. ولكن مع وجود الكثير من البيانات التي حُصِل عليها من مجموعة أكبر من رواد الفضاء ونماذج أخرى مثل القوارض، أصبح لدى الباحثين صورة أفضل لتأثيرات رحلات الفضاء على البشر، وقد تمكنوا أيضًا من التحقق من صحة ما عُثر عليه في تجارب كيلي.

إن من المثير للاهتمام أن الباحثين لم يتحققوا في بعض هذه الأبحاث من صحة هذه النتائج عن طريق رواد الفضاء، بل من خلال النظر إلى متسلقي جبل إيفرست. فقد وجدوا أيضًا أن هؤلاء المتسلقين لديهم تيلوميرات أطول أثناء التسلق، على الرغم من أن سبب التغيير في الطول غير مفهوم تمامًا حتى الأن.


علاجات الفضاء


من خلال التحقق من صحة الدراسات السابقة حول الآثار الصحية لرحلات الفضاء وتوسيع فهمنا لتأثير هذه الظروف القاسية على جسم الإنسان، يمكن للعلماء البدء في النظر في التدابير الوقائية اللازمة والعلاجات المحتملة وتطويرها حتى يتمكن رواد الفضاء المستقبليون الذين يقضون وقتًا أطول في الفضاء -سواء كانوا سيعيشون في مستوطنة على القمر أو يسافرون بعيدا إلى المريخ- من أن يكونوا أكثر استعدادًا لما يمكن توقعه.

يوضح ماسون: "بينما يعمل المهندسون والعلماء حاليًا على طرق لتقليل كمية الإشعاع الخطيرة التي يتعرض لها رواد الفضاء، والتي يعتقد العلماء أنها عامل كبير في العديد من الآثار الصحية السلبية لرحلات الفضاء، فإنهم يفكرون أيضًا في الأدوية الحالية التي يمكن أن تكون فعالة في الحد من هذه الآثار".

وتضيف سوزان: "لكن، في المقام الأول، يخلق هذا العمل فهمًا أكبر وأكثر واقعيةً لهذه التأثيرات". على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي استطالة التيلومير إلى زيادة نشاط الكروموسوم وزيادة خطر الإصابة بالسرطان. ومن جهة أخرى فإن رواد الفضاء القلائل الذين قد يظهرون تيلوميرًا أقصر من المتوقع يمكن في الواقع أن يكونوا معرضين لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

بينما يعد التفكير في كيفية اكتشاف أو حتى علاج مثل هذه الظروف الصحية الخطيرة على الأرض لرواد الفضاء على المحطة الفضائية أو القمر أو حتى المريخ مهمةً شاقةً، فإن هذه هي الأشياء التي سنحتاج إلى التفكير فيها إذا كان رواد الفضاء سيقضون فتراتٍ أطول بكثير في الفضاء.


الخطوات التالية


سيستمر الباحثون في دراسة الظواهر مع مرور الوقت لفهم أسباب حدوث أشياء مثل استطالة التيلومير أثناء رحلات الفضاء بشكل كامل. قالت سوزان: "نأمل في الحصول على ما يصل إلى 31 رائد فضاء خلال السنوات العشر القادمة لإجراء دراسات مشابهة جدًا".

وأضافت: "نظرًا لتنوع فيلق رواد الفضاء باستمرار، لا سيما مع ازدهار رحلات الفضاء التجارية، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى زيادة تنوع بياناتنا والمساعدة في جعل نتائجنا شاملة ومفيدة قدر الإمكان عند النظر في صحة رواد الفضاء في المستقبل".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات