تحالفاتُ الفضاء: مستقبلُ التعاونِ الفضائيّ بين الدولِ ينقسمُ حسبَ توزُّعِ القوى على الأرض

حتّى في أوقاتِ الصّراعاتِ على الأرضِ، لطالما كان الفضاءُ ساحةً للتعاونِ بين الشّعوبِ عبر التّاريخ، لكن هذا قد يتغير.

في العَقد المُقبل، تهدفُ مجموعةٌ بقيادةِ الولاياتِ المتّحدةِ الأمريكيّة وتعاون مشترك بين روسيا والصّين لإقامةِ قواعدَ على سطح القمر (Theasis / iStock عبر Getty Images)
في العَقد المُقبل، تهدفُ مجموعةٌ بقيادةِ الولاياتِ المتّحدةِ الأمريكيّة وتعاون مشترك بين روسيا والصّين لإقامةِ قواعدَ على سطح القمر (Theasis / iStock عبر Getty Images)


حتّى في أوقاتِ الصّراعاتِ على الأرضِ، لطالما كان الفضاءُ ساحةً للتعاونِ بين الشّعوبِ عبر التاريخ، لكن الاتّجاهات في العقود الماضية تشيرُ إلى أن التّعاون قد يأخذُ منحى آخر، وقد سلّطت تداعياتُ الغزو الروسيّ لأوكرانيا الضوءَ على هذه التغيُّرات.

أنا باحثةٌ في العلاقاتِ الدوليّة وأدرسُ توزُّع القوى في الفضاء، ومن هم اللاعبون الرئيسيون، وما هي القدرات التي يمتلكُها كلٌّ منهم، ومع من يقررون التعاون.

يتنبأُ بعض الدّارسين بمستقبلٍ تسعى فيه دولٌ بذاتها للحصول على مستوياتٍ مختلفة من الهيمنة، في حين يرى آخرون سيناريو تجمعُ فيه الكيانات الاقتصادية الأمم معاً.

لكنني أعتقدُ أن المستقبل قد يكون مختلفاً، في السنوات القليلةِ الماضية اجتمعت الدُّول ذاتُ المصالحِ الاستراتيجيةِ المُتقاربة على كوكب الأرض، لتعزيز مصالحها في الفضاء وشكَّلت "تحالفاتٍ فضائيّة".

∗من جهودِ دولة معيّنة في الفضاء إلى التّعاون بين الدول

لقد هيمنت الولايات المتّحدة والاتّحاد السوفييتيّ على النشاطاتِ الفضائيّة أثناء الحرب الباردة.

على الرُّغم من الاضطرابات على الأرض، فإن كليهما قد تجنبا خلقَ أزمات، حتّى أنهما تعاونا في عدَّة مشاريع في الفضاء.

لقد ظهرت عدَّة مؤسّسات للتعاون الدوليّ عقب تطويرِ العديد من البلدان لوكالات فضاءٍ خاصّة بها، وتشمل هذه المؤسّسات:

مكتب الأمم المتّحدة لشؤون الفضاءِ الخارجي، ومفوضيّة الأمم المتّحدة لاستخدام الفضاء الخارجي لأغراض سلميّة، والمفوضيّة الاستشارية لأنظمةِ بيانات الفضاء.

في العام 1975 أسّست عشر دول أوروبية وكالة الفضاء الأوروبية، في العام 1998 انضمت روسيا لعمليةِ بناء محطّة الفضاء الدوليّة التي تدعمُها اليوم 15 دولة.

ركّزت هذه المشاريعُ متعدّدةُ الجنسيّات بشكلٍ أساسيّ على التعاون العلميّ وتبادل البيانات.

محطّة الفضاءِ الدوليّة هي الشكلُ المثالي للتعاونِ الدوليّ في الفضاء. (NASA via WikimediaCommons)
محطّة الفضاءِ الدوليّة هي الشكلُ المثالي للتعاونِ الدوليّ في الفضاء. (NASA via WikimediaCommons)


∗نشأة تحالفات الفضاء

يمكن اعتبارُ وكالة الفضاء الأوروبية -التي تضم اليوم 22 دولة- إحدى أولى التحالفاتِ في الفضاء.
يمكن رؤيةُ تحوُّلٍ واضحٍ في هذا الاتّجاه من هيكلةِ القوى بعد انتهاء الحرب الباردة، حيث بدأت الدول التي تشتركُ في المصالح على الأرض، بالتحرك معاً لإنجاز مهامٍ محدّدة في الفضاءِ مشكّلةً تحالفاتٍ فضائيّة.

لقد ظهرت عدّة تحالفاتٍ فضائيّة جديدة مع مستويات مختلفة من القدرات الفضائيّة في السنوات الخمس الماضية.

تشمل تلك التحالفات: وكالة الفضاء الإفريقيّة التي تضم 55 دولة عضو، ووكالة الفضاء الأمريكية اللاتينية والبحر الكاريبي والتي تضم 7 دول، بالإضافة إلى المجموعة العربيّة للتنسيقِ الفضائيّ والتي تتشكل من 12 دولة عضو من الشرق الأوسط.

تسمحُ هذه المجموعات للأمم بالتعاون بشكل أقرب مع غيرها من الدول في تحالفاتها، لكنها تتنافسُ أيضاً مع بعضها البعض.
تُعتبر اتفاقيات أرتميس والاتفاقيّة القمريّة الصينيّة الروسيّة أحد الأمثلة على مثل هذا التنافس.

لم يخطُ إنسانٌ على سطح القمر منذ 50 عاماً، غير أن اتفاقيات أرتميس التي تقودها الولايات المتحدة والبعثة الصينية الروسية تهدف إلى إنشاء قواعد على القمر في العقدِ المقبل. ( / NASA/Neil Armstrong via WikimediaCommons٩.)
لم يخطُ إنسانٌ على سطح القمر منذ 50 عاماً، غير أن اتفاقيات أرتميس التي تقودها الولايات المتحدة والبعثة الصينية الروسية تهدف إلى إنشاء قواعد على القمر في العقدِ المقبل. ( / NASA/Neil Armstrong via WikimediaCommons٩.)


∗السباقُ إلى القمر

أُطلقت اتفاقيات أرتميس في أكتوبر/تشرين الأول 2020 -تقودها الولايات المتحدة الأمريكية- وهي تشمل في الوقت الحالي 18 دولة عضو.

وهدفُ هذه الاتفاقية هو إعادةُ الإنسان إلى القمر بحلول عام 2025، وتشكيل إطار عمل منظَّم للاستكشاف والتنقيب على سطح القمر وكوكب المريخ وأبعد من ذلك.

تهدف المهمَّة إلى بناء محطَّة أبحاثٍ على القطب الجنوبي للقمر، ومحطَّةِ فضاء قمريّة داعمة تسمى البوابة.

كذلك، اتفقت روسيا والصين في 2019، على التعاون في مهمة لإرسالِ بعض الأفرادِ إلى القطب الجنوبي من القمر بحلول عام 2026.

تهدفُ هذه المهمّة الصينيّة الروسيّة المُشتركة أيضاً، لبناءِ قاعدة قمريّة ووضع محطَّةٍ فضائيّةٍ في مدارٍ حول القمر.

إن عدمَ تعاون هذه التحالفاتِ لإنجاز مهام مماثلة على القمر، يدلُّ على أن المصالحَ الاستراتيجيّة والمنافسة على الأرض قد انتقلت إلى الفضاء.

يمكنُ لأيّ دولة الانضمامُ إلى اتفاقيات أرتميس، لكن روسيا والصين مع عدد من حلفائهما على الأرض لم يفعلوا ذلك، لأن البعض يرى الاتفاقيات على أنها جهودٌ لتوسيع النظام الدولي، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة حتى يشملَ الفضاء الخارجي.

كذلك تخطِّطُ روسيا والصين لفتحِ محطّة الأبحاث القمرية المستقبليّة الخاصّة بهما لجميع الأطرافِ المهتمّة.

لكن لم تُبدِ أيٌّ من دول أرتميس اهتماماً بالانضمام لها، فقد أنهت وكالة الفضاء الأوروبيّة العديدَ من المشاريع المُشتركة التي خطَّطت لها مع روسيا، وهي مهتمّةٌ بتوسيعِ شراكتها مع الولاياتِ المتّحدة واليابان.

∗تأثيرُ التحالفاتِ في الفضاء على الأرض

إضافةً إلى السعيّ وراء القوّة في الفضاء، تَستخدمُ الدّول أيضاً التحالفاتِ الفضائيّة لتعزيزِ دوائر نفوذها على الأرض.

مثال على ذلك: منظمةُ التّعاونِ الفضائيّ لآسيا والمحيطِ الهادئ، التي تشكلت بقيادة الصين في عام 2005، وتضمُّ بنغلاديش وإيران ومنغوليا وباكستان وبيرو وتايلاند وتركيا.

في حين أن هدفَ المنظّمة العام هو تطويرُ وإطلاقُ الأقمارِ الصناعيّة، إلا أن المنظّمة تهدفُ إلى تطبيعِ وتوسيعِ استخدام نظام BeiDou الصينيّ -وهو النسخة الصينية من GPS- قد تصبحُ الدول التي تستخدمُ هذا النظام معتمدة على الصين كما هو الحال مع إيران.

∗دور شركاتِ الفضاء الخاصّة

كان هناك نمو هائل في النشاطات الاقتصادية في الفضاء في العقد الماضي، نتيجة لذلك، يرى بعضُ العلماءِ مستقبلاً للتعاون الفضائيّ تحدّدهُ المصالحُ التجاريّة المُشتركة.

في هذا السيناريو تأخذُ الكياناتُ التجاريَّةُ دور الوسيط بين الدول وتوحدها ضمن مشاريع محدّدة في الفضاءِ.

لكن من غير المرجّح أن تُملي الشركاتُ التجاريّة كيفية سير التعاون الدوليّ في الفضاء بين الدول، وفقاً للقانون الدوليّ الحاليّ الخاص بالفضاء، فإن أيّ شركة تعملُ في الفضاء تكون امتداداً لسياسات حكومة بلادها الأم، وتحت سلطتها القضائيّة.

لقد ظهرت هيمنةُ الحكومات على الشّركات في شؤون أعمالها في الفضاء بشكلٍ صارخٍ خلال الأزمة الأوكرانية، حيث توقف تعاون العديد من الشّركات مع روسيا نتيجة للعقوبات التي تفرضها الدول.

ونظراً إلى الإطار القانونيّ الحالي، يبدو أن الدول ستستمرُ في إملاء القواعد في الفضاء وليس الكيانات التجاريّة.

تُعتبر الشركات الخاصّة اليوم لاعباً مهماً في الفضاء، لكن عمليات الإطلاق مثل العديد من مهام SpaceX مازالت خاضعةً لسلطة الدولة الأم على الشركات. ( NASA/Tony Green)
تُعتبر الشركات الخاصّة اليوم لاعباً مهماً في الفضاء، لكن عمليات الإطلاق مثل العديد من مهام SpaceX مازالت خاضعةً لسلطة الدولة الأم على الشركات. ( NASA/Tony Green)


∗التحالفات الفضائيّة للتعاون أم للصراع؟

أعتقدُ أنه كلما مضينا قدماً، سنرى أن تكتُّلات الدول في مثل هذه التحالفات الفضائية ستلعبُ دوراً أساسيّاً في تحديد الدول التي ستُوسِّع مصالحها الوطنيّة في الفضاء وعلى الأرض.

هناك العديدُ من الفوائدِ المترتّبة على تقارب الدّول معاً وتشكيل تحالفاتٍ فضائيّة، فالفضاءُ مكانٌ صعب، وجمع الموارد والمعرفة والقوى العاملة أمر منطقي، مع ذلك، فإن مثل هذا النظام يأتي أيضاً مع مخاطر متأصّلة.

يُعطي التّاريخ العديد من الأمثلة التي تشير إلى أنه كلما أصبحت التحالفات أكثرَ صرامة، زاد احتمال نشوب الصراع.

غالباً ما يُشار إلى الصّلابة المتزايدة في التّحالف الثلاثيّ والوفاق الثلاثيّ في نهاية القرن التاسع عشر على أنه الدافعُ الرئيسيّ للحرب العالميّة الأولى.

إن الدّرس الرئيسيّ هنا، هو أنه إذا ظلَّت الكتل الفضائيّة الحاليّة مرنة ومفتوحة للجميع، فسوف يزدهرُ التّعاون، وقد يتجنَّبُ العالم حتى الآن صراعاً مفتوحاً في الفضاء.

إن الحفاظ على التركيزِ على الأهدافِ العلميّة والتبادلاتِ داخل التحالفات الفضائيّة وبينها، مع إبقاء المنافساتِ السياسيّة خارجاً، سيساعد على ضمان مُستقبل التعاونِ الدوليّ في الفضاء

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية. (IKI): معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات