يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
أين يجب أن نبحث عن أدلة على تواجد الحياة في قمر زحل تيتان؟

نظرة مقرّبة للقمر تيتان بواسطة عدسة المركبة كاسيني، حيث يظهر وراء الغلاف الجوي الضبابي والثخين للقمر، بحيرات ضخمة مليئة بمركبات الميثان والإيثان. Credit: NASA/JPL–Caltech/SSI


تقترح دراسة جديدة نُشرت في مجلة "Astrobiology" بأن فوهات البراكين الكبيرة على سطح القمر تيتان هي المكان الأول والأكثر ترجيحاً للعثور على حجر الأساس للحياة في أكبر أقمار زحل.

تيتان هو قمر جليدي مغطى بجزيئات عضوية، ويحتوي على بحيرات من الميثان السائل مغطاة بغلاف جوي ثخين وضبابي من النيتروجين والميثان، مما يدعو للتساؤل: لم لا توجد حياة على هذا العالم الشبيه بشكلٍ غريبٍ بكوكب الأرض؟ ربما بسبب درجات الحرارة المعتدلة والتي تبلغ -197 درجة سيلسيوس (-300 درجة فهرنهايت) على السطح والتي ستمنع على الأرجح حدوث أي تفاعل حيوي. ولكن هل يوجد أي مكان على تيتان يمكن أن يحدث فيه تفاعل حيوي كتفاعل تشكل الأحماض الأمينية؟ كما يرغب فريق من الباحثين باكتشاف ذلك.

و قام فريق من العلماء - بقيادة كاثرين ناش Catherine Neish، عالمة الكواكب المختصة من جامعة لونتاري الغربية، والمتخصصّة بدراسة تأثيرات الفوهات البركانية، بالبحث والاستقصاء عن أفضل الأماكن التي تحتوي على جزيئات عضوية على سطح تيتان، وذلك عن طريق استخدام البيانات والصور القادمة من المركبة كاسيني ومسبار هويجنز.

تعتمد الحياة كما نعرفها على عنصر الكربون والذي يستخدم الماء السائل كمذيب، ويحتوي سطح القمر تيتان على عدد وفير من الجزيئات الغنية بالكربون (الهيدروكربون) والتي أظهرت عند مفاعلتها مع الماء السائل في التجارب المخبرية أنها مسؤولة عن تشكّل الأحماض الأمينية، وهي المكّون الأساسي لبناء البروتينات الأساسية للحياة. ولكنّ تكمن المشكلة بأن القمر تيتان بارد جداً، مما يمنع تواجد الماء السائل على سطحه، والذي يمنع بالتالي تشكّل الجزيئات المكونة للحياة، ولكن يبدو بأنه لا يزال هناك أمل.

إزالة الفوهات البركانية


تمكّنت المركبة كاسيني، والتي تدور حول زحل منذ 13 عاماً باستخدام بيانات الرادار في المركبة من أجل النظر بعمق خلال غلاف تيتان الجوي الثخين، والكشف عن تضاريس هذا العالم الغامض. ما اكتُشفه العلماء والذي كان أمراً غيرُ متوقعاً، هو بأن القمر تيتان يعجّ بالحياة، حيث كشف رادار المركبة كاسيني النِقاب عن بحيرات، وكثبان رملية، وجبال وأودية نهرية، وعددٍ قليلٍ من الفوهات البركانية كانت متواجدة على سطح القمر.

يشير اكتشاف الفوهات البراكين إلى أن هناك عمليات ما تزال قائمة لإعادة تشكيل سطح تيتان، وذلك إما بزيادة عدد الفوهات أو تآكل الفوهات القديمة. إن اكتشاف عالمُ شبيه بالأرض، ويقع على مسافة أبعد بتسع مرات من الشمس لهو أمرٌ عظيمٌ بالفعل!

إذاً، مع كل هذه المعالم المؤلفة والتي تشابه تلك الموجودة  هُنا على الأرض، ما هو أفضل مكان على تيتان للبحث عن أدلة على وجود الحياة؟ قد تبدو بحيرات الميثان هي الخيار المرجّح والبديهي، ولكن وجدت نيش وزملاؤها عوضاً عن ذلك بأنّ فوهات البراكين والبراكين الجليدية Cryovolcano (وهي الأماكن التي ينبعث منها الماء السائل من بين سطح تيتان الجليدي) هي الأماكن الأكثر جذباً للبحث عن حياة على القمر، حيث تحمل كلٌّ من هذه التضاريس الإمكانية لإذابة قشرة تيتان الجليدية، وبالتالي تحويلها إلى ماءٍ سائل، ويُعدّ ذلك خطوةً مهمة لتكوين مركبات عضوية معقّدة.

تُعد د.مورغان كايبل Morgan Cable، وهي تقنية في تشغيل أنظمة المعدات وفي قسم المفاهيم في مختبر ناسا للدفع النفاث في ولاية باسادينا كاليفورنيا، خبيرةً بدراسة مركّب غني بالنيتروجين يُدعى بالثولين (Tholins). يتكّون الثولين من مواد عضوية تنتج عند تعرض مزيج بسيط من الغازات للأشعة الكونية. حيث تعلّق كايبل: "عندما نمزج الثولين مع الماء السائل فإننا نصنع أحماضاً أمينية بسرعةٍ كبيرة. ولهذا فإن أي مكان يحتوي على ماء سائل في تيتان بالسطح أو بالقرب من السطح يُمكن أن تتولّد فيه هذه المركبات العضوية، والتي تُعد كطلائع لتكّون الحياة، وهي مهمة للحياة كما نعرفها. إن هذا الاكتشاف أمرٌ مشوّقٌ بالفعل".

سوترا باتيرا هو بركان جليدي cryovolcano على تيتان. يُرى في هذه الصورة - المُركَّبة طبوغرافياً بواسطة أجهزة الرادار بالأشعة تحت الحمراء - الكالديرا أو البحيرات البركانية، والمرتفعات الجبلية، بالإضافة إلى حمم بركانية لامعة وضعيفة تجري خارج البركان الجليدي. Credit: NASA/JPL–Caltech/USGS/University of Arizona
سوترا باتيرا هو بركان جليدي cryovolcano على تيتان. يُرى في هذه الصورة - المُركَّبة طبوغرافياً بواسطة أجهزة الرادار بالأشعة تحت الحمراء - الكالديرا أو البحيرات البركانية، والمرتفعات الجبلية، بالإضافة إلى حمم بركانية لامعة وضعيفة تجري خارج البركان الجليدي. Credit: NASA/JPL–Caltech/USGS/University of Arizona


فوهات البراكين هي الهدف الأفضل في مسعى البحث عن الحياة


ولكن مع وجود كلٍ من البراكين الجليدية وفوهات البراكين كمواقع ساخنة من أجل ذوبان الماء السائل على تيتان، أي هذين الموقعين تعتقدُ أنه الأفضل؟ بالنسبة لناش فإن الإجابة بكل تأكيد هي فوهات البراكين، على الرغم من انخفاض عددها مقارنةً مع تلك الفوهات على قمرنا.

تقول ناش مخاطبة مجلة Astrobiology: "تُعتبر فوهات البراكين خياري المفضل للبحث عن حياة، وذلك لثلاثة أسباب رئيسية، الأول: هو أننا متأكدون من وجود هذه الفوهات على تيتان، حيث تنتج فوهات البراكين عن عملية جيولوجية شائعة جداً، ويبدو بأن السبب وراء المعالم الدائرية التي نراها على السطح ناتجٌ على الأرجح من وجود فوهات البراكين هذه.

السبب الثاني: بأن تلك الفوهات تعمل على إذابة الماء السائل بشكل أكبر مما ستفعله البراكين الجليدية، مّما يعني بأن الماء في الفوهات يحتاج وقتاً أطول للتجمّد مما يسمح له بالبقاء في حالته السائلة لوقتٍ أطول". وتوضّح ناش بأن الماء السائل هو مفتاح حدوث التفاعلات الكيميائية المعقّدة. 

وتُضيف ناش:" أما عن السبب الأخير، فهو أن هذه الفوهات الناتجة عن التصادم تنتج مياه بدرجة حرارة أعلى من المياه التي تنتجها البراكين الجليدية.

يُعد الماء الساخن مهماً، حيث أنه يدل على أن التفاعل الكيميائي يجري بمعدلٍ أسرع، وهذا أمر واعد من أجل تكوين الجزيئات الأساسية الحاملة للحياة". ووفقاً لـ د. مورغان كايبل، فإن الماء يُمكن أن يبقى بحالته السائلة في هذه البيئات لآلاف السنين، بل وربما أكثر من ذلك.

ومن ناحية أخرى، فإن البراكين الجليدية ليست ساخنة جداً، حيث توضّح ناش، بأنه عند ثوران البركان الجليدي فإنه يثور عادةً بدرجة حرارة ذوبان الجليد. ويُعتقد بأن أي حمم بركانية (في هذه الحالة وحل جليدي) على تيتان ستكون غنيةً بكثافة بالأمونيا والتي تقمع درجة التجمد قليلاً مما يجعل المقذوفات البركانية باردة جداً.

الخلاصة، تبيّن أن البراكين الجليدية تنتج عن عمليات غامضة وعصيّة على الفهم. ولتوضيح ذلك، حيث يُمكنك أن تتخيّل بأن الجليد الأقل كثافة من الماء يطوف في كوبٍ من الماء، من الصعب محاولة جعل الماء فوق الجليد عندما يكون هناك تباين في الكثافة إلى هذا الحد. وأيضاً فقد تبيّن بأن البراكين الجليدية صعبة التكّون والأدلة على وجودها في تيتان قليلة جداً.

وفي الحقيقة قد تكون البراكين الجليدية غير متواجدة أصلاً على تيتان، حيث تقول ناش بأن منخفض سوترا باتيرا Sorta Facula (وهو انخفاض بارز في تيتان) ربما يكون المثال الأفضل والوحيد لدينا عن البراكين الجليدية على تيتان، وتوضّح ناش، بأنه لهذا السبب فإن وجود هذه البراكين هو أمر نادرٌ جداً، وذلك إن وجدت من الأساس.

قياسات في المكان


تُعدّ الفوهات المسماة Sinlap (بقطر 112 كيلو متر-70 ميل) وSelk (90 كيلومتر-56 ميل) وMenrva (392 كيلو متر-244 ميل) من أكبر وأحدث الفوهات البركانية عمراً على تيتان.

كما أنها تعتبر أول الأماكن التي يجب البحث فيها عن أدلة على وجود المركبات العضوية، عندما نمتلك أخيراً الإمكانيات المتاحة لإرسال المسابير والبحث عن هذه المركبات في الفوهات.

وللتمكن من تحقيق اكتشاف كهذا يجب أن يهبط المسبار على سطح تيتان مباشرةً من أجل إجراء القياسات في تلك الفوهات، ولكن هل تُعتبر مواقع هذه الفوهات بالفعل الأهداف المستقبلية لمهمات تيتان المقبلة؟ يبدو بأن ليس جميع العلماء مقتنعين بذلك.

حيث يقول دايفيد جرانسبون David Grinspoon، وهو كبير العلماء في معهد العلوم الكوكبية: "حتى بتوفّر نتائج كهذه، فإننا لا نعلم بالتحديد أين يجب أن نبحث عن المركبات العضوية في تيتان. بالنسبة لي، لن أستخدم هذه النتائج كأهداف في رحلة مستقبلية لتيتان، الأمر سابقٌ لأوانه".

عوضاً عن ذلك، يرغب جرانسبون باستطلاع مواقع أخرى في تيتان. حيث يقول: "نحن لا نعرف الكثير عن هذا القمر، من المنطقي أكثر أن نجمع معلومات كاملة عن بيئات متنوعة على القمر أولاً".

وبالرغم من ذلك يُعتبر تيتان موقعاً محيّراً بالفعل عندما يأتي الأمر للبحث عن حجر الأساس للحياة على هذا العالم البارد. ولكنّنا يجب أن نبدأ البحث من مكانٍ ما. وهذه النتائج لا تقدّم لنا مكاناً مرّشحاً واحداً فقط، بل ثلاثة أماكن مُحتملة، وهناك أمل بالعثور على المزيد منها.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات