ثابت الجاذبية العام، هل هو ثابت؟

لماذا تتغير قياسات ثابت الجاذبية بشكلٍ كبير؟


أجري قياس ثابت نيوتن للجاذبية عشرات المرات على مدار الأربعين عاماً الماضية، لكن في كل مرة كانت النتائج تتغير بشكلٍ أكبر من تلك التغيرات الطفيفة الناجمة عن أخطاء منهجية أو عشوائية. أما حاليا، فقد وجد العلماء أن القيم المُقاسة لـ G تهتز بمرور الزمن كتابع جيبي وبشكل دوري وحدد هذا الدور بما يقارب 5.9 سنة. ويقترح العلماء أن ما يتغير في هذا القياس ليس G بحد ذاته، وإنما هناك شيءٌ ما آخر يؤثر على القياسات.


وكدليل قد يساعد على معرفة ماهية ذلك الشيء، يلاحظ العلماء أن دور الاهتزاز البالغ 5.9 سنة لقيم G المقاسة يرتبط غالباً مع دور الاهتزاز البالغ 5.9 سنة لمعدل دوران الأرض وفقاً لقياسات طول اليوم (LOD) المحسوبة مؤخراً. لا يدعي العلماء معرفة السبب الكامن وراء علاقة G/LOD، لكنهم يرون أن التفسير "الأقل ترجيحاً" قد يتضمن تيارات دوارة موجودة في قلب الأرض. وقد تُعدل تلك التيارات المتغيرة من القصور الذاتي الدوراني للأرض، لتؤثر بالتالي على طول اليوم، وتترافق مع تغيرات في الكثافة تُؤثر بدورها على G.


ومؤخراً، نشر جون أندرسون (John D. Anderson) -وهو عالم متقاعد من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا-في مجلة EPL بالتعاون مع مؤلفين آخرين ورقة علمية عن الارتباط الحاصل بين قياسات ثابت نيوتن في الجاذبية وطول اليوم.


ووفقاً للعلماء، فإنّ النقطة الأساسية في الورقة العلمية تكمن في اكتشاف أن التغيرات المُقاسة في قيم G تحصل بشكلٍ يُمكن التنبؤ به. ويقول أندرسون لـ Phys.org: "حالما اعتبرنا قياس الدور البالغ 5.9 سنة، أصبحت معظم القياسات المخبرية لـ G متجانسة، وموجودة داخل حدود الخطأ التجريبي المُحدد بانحرافٍ معياري وحيد (one-sigma experimental error)".


يعد الثابت G أساسيا بالنسبة لفهمنا للجاذبية، فهو يظهر في قانون نيوتن للجاذبية وفي النسبية العامة لاينشتاين. G ليس مفهوماً مبتكراً، كما أنه ليس تسارع الجسيم الناجم عن الجاذبية الذي هو 9.81 متر لكل ثانية مربع.


تبلغ القيمة الرسمية لثابت الجاذبية 6.673889∗10^-11 {نيوتن∗متر مربع لكل كيلوغرام مربع}، لكن القيم الثلاث عشر التي تمت دراستها في هذا البحث تتغير من 6.672∗10^-11 إلى 6.675∗10^-11، وهو تغير تصل نسبته إلى حوالي 10^-4. وبشكلٍ عام، يُعتقد أن التغير الحاصل في قيمة ثابت الجاذبية ناتج عن عدم توافق التجارب لأنه من الصعب جداً قياس ذلك الثابت، وذلك ناجمٌ جزئياً عن حقيقة أن قوة الجاذبية هي أضعف بكثير من القوى الأساسية الأخرى.


وبصرف النظر عن الصعوبات الكامنة في قياس G، يقترح التحليل الجديد أن تلك القياسات ليست فاشلة، وإنما يُوجد شيء ما يتغير داخل العملية. وكان بين أولى الاعتبارات التي نظر إليها العلماء أن دور ذلك التغير البالغ 5.9 سنة هو تقريباً نصف دور الدورة الشمسية البالغ 11 عام. تنتج التغيرات في النشاط الشمسي عن التغيرات الحاصلة في عدد البقع الشمسية (sun spots)، مما يُؤثر على الغلاف الجوي للأرض، الذي يؤثر بدوره على العطالة الدورانية للأرض. ومع ذلك، تبين نظرة قريبة على الدور الشمسية أنها لا تتحاذى بشكلٍ منتظم مع بيانات G.


بعد ذلك، انتقل العلماء إلى النظر إلى ورقة علمية نُشرت عام 2013 في مجلة Nature، جاء فيها أن دور التغير الحاصل في طول اليوم يصل إلى 5.9 عام وقد اعتمدت تلك الورقة على بيانات قادمة من الخدمة الدولي للأنظمة المرجعية ودوران الأرض (IERS). وكما تُوضح البيانات، فإن طول كل يوم يتغير بشكلٍ صغير حيث تكون بعض الأيام أطول بقليل، وبعضها الآخر أقصر بقليل. يُعتبر التغير في طول اليوم (LOD) مؤشراً على سرعة دوران الأرض، ووجد العلماء في الدراسة الجديدة أن الاهتزاز الدوري لذلك التغير يتحاذى تماماً مع اهتزازات قيم G.


وبصرف النظر عن الارتباط الوثيق بين LOD وG، يُلاحظ العلماء أن التغير المئوي الأقصى في LOD هو من مرتبة 10^-9، وهي قيمة كبيرة كفاية لتغيير G بقيم تصل إلى 10^-5 لكنها تبقى غير كافية لشرح التغير المئوي البالغ 10^4.


ولأن ذلك يعني أن تغيرات LOD لا يُمكنها التسبب في تغيرات G، لخّص العلماء استنتاجاتهم بأن كلا التغيرين ناجمان عن التغير الحاصل في حركات قلب الأرض، أو عن بعض العمليات الجيولوجية الأخرى.


على الرغم من طرح النتائج لاحتماليات أخرى مثل وجود فيزياء جديدة تستطيع شرح التغيرات، يعتقد العلماء أن ذلك غير مرجح. ومن بين القياسات الثلاث عشر التي أجراها الفريق في هذا التحليل، أجري أول قياس كمومي لثابت الجاذبية في عام 2014 وعُرف بـ LENS-14.


كانت قيمة G المستخلصة من القياس الكمومي الأكبر بين قيمتين متطرفتين وُجدتا في البيانات -نتجت القيمة المتطرفة الثانية عن تجربة جرت عام 1996 واشتُهرت بوجود مشاكل فيها. لذا مازلنا نحتاج إلى المزيد من القياسات الكمومية لـ G من أجل فهم السبب وراء انحراف القياس الكمومي عن القياسات التقليدية.


لم يكن العلماء مقتنعين بشكلٍ كامل بأن الارتباط G/LOD هو الأساس في كل هذا، وهم يُخططون الآن للبحث عن ارتباطات أخرى في المستقبل. ويختم اندرسون قائلا: "إننا نُخطط للنظر مرة أخرى في احتمال وجود اتصال مع شذوذ تحليق الأرض في الفضاء الذي بيدو دورياً أيضاً، كما قد ندرس شذوذات أخرى".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات