ماهي مفارقة المعلومات في الثقب الأسود؟


دعونا نتحدث في البداية عن المعلومات، فعدنما يُشير الفيزيائيون إلى المعلومات فإنهم يعنون الحالة المحددة لكل جسيمٍ موجود في الكون: أي تحديد الكتلة، الموضع، الغزل spin، درجة الحرارة إلى آخر ما هنالك من خصائص. أي هي أشبه ما تكون بالبصمة التي تحدد بشكل فريد كل جسيمٍ منها، إضافةً إلى احتمال ما يمكن أن تتطور إليه كل قيمةٍ من تلك القيم. يمكنك تبديل الذرات أو سحقهم معًا، ولكن يجب الحفاظ على التابع الموجي الكمومي الذي يصفهم.


تسمح لك الفيزياء الكمومية بالتنقل عبر الكون ذهابًا وإيابًا طالما أنّك عكست كل شيء في الرياضيات الخاصة بك: الشحنة والتكافؤ والزمن. وبالتالي هنا الجزء المهم: تخبرنا الأدمغة الكبيرة بأن المعلومات يجب أن تبقى، أيًا كان ما تقوم به. فكّر بها على أنها مثل الطاقة، فأنت لا تستطيع إفناء الطاقة إنما كل ما يمكنه فعله هو تحويلها.


والآن خلاصة حول الثقب الأسود، فهو يتشكل طبيعيًا عندما تنهار بعنف ومن ثم تنفجر النجوم التي كتلتها أكبر بعشرين مرة من كتلة الشمس. وهنا تكون كثافة المادة عاليةً جدًا وتتجاوز سرعة الهروب سرعة الضوء. والمميز من الثقوب السوداءيكون لها قرص تراكمي شديد السخونة من المادة التي تدور حول أفق الحدث للثقب الأسود، وهو الحد الذي حيث يمكن عنده أن يُجذب إلى المدار حتى الضوء.


هنا نحصل على أغرب الآثار الجانبية من النسبية وهو تباطؤ الزمن. لنتخيل أنَّ ساعة تسقط نحو ثقب أسود فتتحرك أعمق فأعمق في بئر الجاذبية. سيبدو أنّها تتباطأ كلما اقتربت من الثقب الأسود وتتوقف أخيرًا عند حافة أفق الحدث للثقب الأسود، وبالتالي يمكن للفوتونات الخارجة من الساعة أن تتمدد، وسينزاح لون الساعة تحو الأحمر. في النهاية ستلاشى الساعة عندما تتمدد الفوتونات إلى أبعد مما تستطيع أعيننا رؤيته.


إذا تمكّنت من التحديق في الثقب الأسود لبلايين السنين فسترى كل شيء التقطه عالقًا على سطحه وكأنه صائد ذباب. يمكنك تمييز الساعة، وسفينة التايتانيك، والحارس و يو اس اس سيغنس. من الناحية النظرية سيكون ممكنًا تحديد الحالة الكمومية لكل جسيم أو فوتون يسافر إلى الثقب الأسود، وذلك لأنهم سيستغرقون مدة لا نهائية ليختفوا تمامًا وبالتالي كل شيء على مايرام.


معلوماتهم جميعها محفوظة للأبد على سطح الثقب الأسود، وعلى الرغم من أنهم فنيوا تمامًا إلا أن المعلومات، أي معلوماتهم الكمية الثمينة، آمنةٌ تمامًا.


إذا تمكنت من حل لغز الثقب الأسود سيمكنك الحصول على المعلومات الكمية التي تصف كل شيء ابتلعه الثقب الأسود، على الأقل هذا كان الحال في الأيام الخوالي.


ولكن في عام 1975، أطلق هوكينغ Hawking مفاجأة حيث أدرك بأن الثقوب السوداء لها درجة حرارة، ومع مرور فترات طويلة من الزمن فإنها تتبدّد حتى لا يبقى منها شيء، مطلقةّ كتلها وطاقاتها إلى الكون. وبشكل غير مفاجئ يدعى ذلك باسم إشعاع هوكينغ Hawking Radiation.


ولكن هذه الفكرة هي ما خلقت المفارقة، إن المعلومات عمَّا دخل الثقب الأسود محفوظةٌ بتباطؤ الزمان، ولكن مع تبخر كتلة الثقب الأسود نفسها في النهاية ستختفي تلك الثقوب السوداء. ويبقى السؤال أين ذهبت معلوماتنا؟ تلك المعلومات التي لا يمكن تدميرها؟


سببت هذه الفكرة ارتباكًل لعلماء الفلك، وظلوا يعملون على حلِّها عقودًا. فيمَ يلي مجموعة من الخيارات الظريفة: هنا:


الثقوب السوداء لا تتبخّر إطلاقًا وهوكينغ مُخطئ.

 

صورة فنية لقرص الثقب الأسود وانبعاثاته. حقوق الصورة: ESA
صورة فنية لقرص الثقب الأسود وانبعاثاته. حقوق الصورة: ESA


المعلومات الموجودة داخل الثقب الأسود تتسرّب بطريقة ما، أثناء انتشار إشعاع هوكينغ.


يحتفظ الثقب الأسود بجميع معلوماته حتى النهاية، ومع تبخر الجسيمين الأخيرين فإن جميع المعلومات تُطلق فجأة عائدةً إلى الكون.


إن كل شيء يميل ليكون أصغر عدد ممكن من البتات أو يتم ضغط المعلومات في مساحة ميكروسكوبية، والتي تبقى بعد تبخر الثقب الأسود نفسه.

صورة فنية  تظهر الانبعاثات الخارجية لثقبٍ أسود فائق الكتلة في وسط مجرة. حقوق الصورة: NASA/CXC/M.Weiss
صورة فنية  تظهر الانبعاثات الخارجية لثقبٍ أسود فائق الكتلة في وسط مجرة. حقوق الصورة: NASA/CXC/M.Weiss


وربما لن يكتشف الفيزيائيون الحل الصحيح أبدًا. اقترح هوكينغ مؤخرًا فكرةً جديدةً لحل مفارقة معلومات الثقب الأسود، فقد اقترح أن هناك طريقة يمكن من خلالها تضمين إشعاع هوكينغ معلومات المادة الجديدة التي تسقط في الثقب الأسود.


وعليه يتم الاحتفاظ بمعلومات كل شيء يسقط داخل الثقب الأسود عن طريق الإشعاع الصادر منه، فتعود المعلومات إلى الكون وبهذا يُحلُّ التناقض. وليس هذا إلا مجرّد حدس، لأنه لم يتم اكتشاف إشعاع هوكينغ بعد. ونحن بعيدون بعقود عن معرفة ما إذا كان هذا الاتجاه صحيحًا أو إذا كانت هناك طريقة لحال هذه المفارقة.


هذه واحدةٌ من الحالات التي نتذكر فيها كم هو ضئيلٌ فهمنا للكون، فبعض جوانب فهمنا لهذه العملية الهائلة غير واضح، وسيتطلب الأمر مزيدًا من السعي نحو الاسكتشاف والعمل التجريبي لنقترب من الحقيقة

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • إشعاع هوكينغ (Hawking radiation): نظرية اُقترحت للمرة الأولى من قبل الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ. تنص هذه النظرية على أنه نتيجةً لاجتماع مزيج من الخواص الكوانتية مع الثقالية، يُمكن للثقوب السوداء، عند ظروف معينة، أن تُصدر إشعاعاً. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات