لماذا قد تزيد المناوبة المسائية من خطر الإصابة بالسرطان؟

دراسة جديدة تظهر العلاقة بين اختلال نظام الساعة اليوماوية وبين نمو الأورام.

 

وجد عدد مهم من الدراسات الكبيرة المهتمة بدراسة عوامل الخطر للإصابة بالسرطان أن العمل في المناوبات المسائية -وهو ما يقوم به نحو 15% من الأمريكيين- يزيد من فرص الإصابة بالسرطان. أما الآن، فقد وجد علماء أحياء من معهد ماساشوستس للتقنية MIT العلاقة التي قد توضح سبب هذه الزيادة في فرص الإصابة بالسرطان.

تقوم الساعة اليوماوية circadian clock [1] التي يحكمها الضوء، في البشر وفي أغلب الكائنات الأخرى، بتنظيم توقيت العديد من الأمور المهمة في فيزيولوجيا الإنسان، عن طريق ضبط النشاطات الخلوية كالاستقلاب (الأيض) والانقسام. في دراسة على الفئران قام بها فريق من معهد ماساشوستس للتقنية، وجد الفريق أن اثنين من المورثات (الجينات) التي تتحكم بالنظم اليومي للخلية تعمل أيضًا كمورثات كابحة للأورام، وفقدان كابحات الأورام هذه، سواء عن طريق الحذف الجيني (الخبن) أو الاختلال في دورة الضوء/الظلام، يسمح للأورام أن تصبح أكثر عدوانية.

يقول تاليس باباجياناكبولوس Thales Papagiannakopoulos، وهو باحث سابق لما بعد الدكتوراه في معهد كوخ لبحوث السرطان التكاملية التابع لمعهد ماساشوستس للتقنية: "مهما كانت الطريقة التي تعرقل فيها عمل الساعة، في كلا الحالتين، يبدو أن فقدان نظم الساعة يبدو يحفز نمو الأورام". تاليس باباغياناكبولوس هو المؤلف الرئيسي للدراسة، والتي ظهرت في العدد 28 من دورية Cell Metabolism، أما كبير مؤلفي الدراسة فهو تايلور جاكس Tylor Jacks، وهو مدير معهد كوخ وهو بروفيسور في علم الأحياء بمرتبة H.Koch.

 

كسر نظام الساعة اليوماوية


تتواجد الساعة اليوماوية المركزية في البشر في النواة فوق التصالبة Suprachiasmatic nucleus، التي تستقبل معلومات درجات الضوء من الشبكية، ثم توصل النواة فوق التصالبة هذه المعلومات إلى الخلايا في الجسم عن طريق هرمونات وجزيئات إشارة أخرى.


هناك جين يدعى Bmal1 داخل الخلايا، وهو مسؤول عن تشغيل جينات أخرى تتحكم بالنشاطات اليوماوية، من ضمنها جين اسمه Per2. وفي الحالة العادية، تتذبذب نسبة البروتينات التي ترمز لها هذه الجينات خلال اليوم، ولكن عندما تُعرقل دورات الضوء والظلام فإن هذه التذبذبات تختفي.


يقول باباغياناكوبولوس، الذي يشغل الآن منصب أستاذ مساعد في علم الأمراض في كلية الطب بجامعة نيويورك: "تحتاج الخلايا إلى الدليل الضوئي، الذي يعتبر بمثابة زر إعادة التشغيل للساعة اليوماوية. عندما تفقد هذا الدليل، تفقد النظم الطبيعية في كل الخلايا في جسمك".


عكف هو وزملاؤه على تحري الرابط المحتمل بين السرطان وبين هذه الجينات، وذلك في الفئران التي عُدّلت بطرق الهندسة الوراثية على أن يطوروا نوعًا من سرطانات الرئة يدعى بسرطان الرئة ذات الخلايا غير الصغيرة non-small cell lung cancer، حيث بدأ الباحثون بتعريض الفئران إلى جداول مختلفة من الضوء والظلام؛ حيث تعرضت مجموعة من الفئران إلى جدول طبيعي من 12 ساعةً من الضوء، متبوعة بـ 12 ساعة من الظلام، بينما تعرضت المجموعة الأخرى إلى جدول ما يعرف "بتلكؤ النفاثة" jet lag أو إعياء الطيران (وهو عبارة عن مشاكل جسمانية تنتج عن عرقلة النظم اليوماوية للساعة البيولوجية في الجسم الانتقال السريع من منطقة زمنية إلى أخرى - المترجم)؛ حيث تعرض الفئران في هذا الجدول الأخير إلى ثماني ساعات إضافية من الضوء كل يومين إلى ثلاثة أيام. وهذا الوضع يحاكي العرقلة الحادثة في الساعة البيولوجية عندما يعمل البشر في مناوبات مسائية أو ينتقلون في مناطق زمنية مختلفة.

والذي حصل هو أن الأورام، في حالة تلكؤ النفاثة، نمت أسرع وكانت أكثر عدوانية من نظيرتها في الفئران التي عاشت في الجدول الطبيعي من الضوء والظلام. وفي المجموعة الثانية من التجارب، أبقى الباحثون الفئران في الجدول الطبيعي من الضوء والظلام، ولكنهم عطّلوا الجينات التي تشفر لـ Bmal1 و Per2، وكانت النتيجة عند هذه الفئران أن نمت الأورام أسرع، وذلك مشابه تمامًا لنمو الأورام عند الفئران التي تعرضت لجدول "تلكؤ النفاثة."

يقول باباغياناكوبولوس: "إذا ما عطلت هذه الجينات في كل خلية في الجسم، فإن الأدلة الضوئية التي تستقبلها في العادة لا تؤثر عليك بالشكل المطلوب. يمكن تشبيه هذه الطريقة بأن تأخذ مطرقة جزيئية وتكسر بها هذه الساعة".

 

النمو غير المسيطر عليه


يتحكم كل من Bmal1 و Per2 بتوقيت إنتاج بروتين معزز للسرطان يسمى بـ c-myc، وبالتالي فإن هذه الجينات عندما تُعَطَّل فإن c-myc يبدأ بالتراكم، محفزًا نشاط الخلايا الاستقلابي وتكاثرها. يقول باباغياناكوبولوس: "يُشَغِّلُ c-myc هذا البرنامج الذي يجعل الخلايا تنتج المزيد من المستقلبات (نواتج الاستقلاب)، والمزيد من وحدات البناء للخلايا الجديدة. هذا البروتين مهم من أجل قدرة الخلايا على التكاثر".

 

في البشر وأغلب الكائنات الأخرى، تنظم الساعة اليوماوية التي يحكمها الضوء توقيت المجالات المهمة من الفيزيولوجيا، وذلك عن طريق التحكم بالأنشطة الخلوية كالاستقلاب والانقسام.  حقوق الصورة: معهد السرطان القومي، كريستين دانيلوف/ معهد ماساشوستس للتقنية.
في البشر وأغلب الكائنات الأخرى، تنظم الساعة اليوماوية التي يحكمها الضوء توقيت المجالات المهمة من الفيزيولوجيا، وذلك عن طريق التحكم بالأنشطة الخلوية كالاستقلاب والانقسام. حقوق الصورة: معهد السرطان القومي، كريستين دانيلوف/ معهد ماساشوستس للتقنية.

 

يقول جوزيف تاكاهاشي Joseph Takahashi، رئيس قسم علوم الأعصاب في المركز الطبي الجنوبي الغربي في جامعة تكساس، إن هذه الدراسة توفر رابطًا مهمًا بين السرطان وبين تعطل الساعة اليوماوية، ويتابع تاكاهاشي، الذي لم يشارك في البحث: "هذا العمل واضح جدًا وحاسم جدًا، وهذا ما نريد حقًا أن نريه للعالم، وهو أن الساعة اليوماوية قد تكون لها علاقة بالسرطان وفي تطور الأورام".

كما حلل باحثو معهد ماساشوستس للتقنية عينات أورام الرئة للبشر، ووجدوا نسبًا أقل بكثير من Bmal1 و Per2 من حيث التعبير الجيني لها، وكذلك الأمر مع جينات أساسية أخرى متعلقة بالساعة اليوماوية؛ فقد كان التعبير الجيني لها في الأورام أقل بكثير من نسبة التعبير الجيني لها في النسيج الرئوي السليم المأخوذ من بعض المرضى. كما أن الأورام الأكثر عدائية احتوت نسبة أقل من الأورام الأقل عدائية من حيث نسبة هذه الجينات.

يتحرى باباغياناكوبولوس الآن مسألة ما إذا كانت الخلايا السرطانية التي لها ساعة يوماوية متعطلة (على سبيل المثال بسبب فقدان Bmal1 و Per2) تشتمل على أي نقاط ضعف يمكن استثمارها كأهداف محتملة للأدوية. كما أنه يخطط لدراسة كيف تؤثر التعطيلات التي تصيب الساعة اليوماوية على الأنواع الأخرى من السرطانات، ومن ضمنها سرطان البنكرياس.

 

الملاحظات


[1] "يوماوي" تعني أنه متعلق بالنظم اليومي، أو بالنظام الذي يتكرر كل يوم.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات