المجرات العملاقة تموت من الداخل إلى الخارج

المجرات العملاقة تموت من الداخل إلى الخارج

 

بيّنت مراقبات كلٍ من التلسكوب الكبير جداً (Very Large Telescope) أو اختصاراً (VLT) وتلسكوب هابل (Hubble)، أن عملية التشكّل النجمي تتوقف أولا في مركز المجرات الإهليلجية (Elliptical Galaxies).

 

بيّن علماء الفلك وللمرة الأولى كيف تعثّرت عمليات التشكُّل النجمي في المجرات "الميتة" قبل مليارات الأعوام.

 

فقد كشف التلسكوب الكبير جداً التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي (European Southern Observatory) أو اختصاراً ESO، وتلسكوب الفضاء هابل التابع لكل من (NASA) و(ESA)، أن هذه المجرات وبعد ثلاثة مليارات عام من الانفجار العظيم (Big Bang) استمرت في تشكيل النجوم عند أطرافها في حين توقفت عن تصنيعها في داخلها، أي أن عملية توقف التشكُّل النجمي قد بدأت من نواة المجرات ثم امتدت إلى الأجزاء الخارجية. تم نشر النتائج في عدد 17 أبريل/نيسان 2015 لمجلة العلوم (Journal Science).

 

يركز لغز الفيزياء الفلكية الرئيسي حول كيفية إطفاء المجرات الإهليلجية والعملاقة والخاملة والتي تنتشر في الكون الحديث لعملية التشكّل النجمي ذات المعدّلات المتميّزة. تدعى عادةً مثل هذه المجرات الضخمة بالكرويّات (spheroids) نتيجةً لشكلها الكروي. نموذجياً هي حزمة من النجوم ذات كثافة أكبر بعشر مرّات من المناطق المركزية في مجرتنا درب التبانة، وتملك كتلة أكبر بعشر مرّات أيضاً من كتلة الأخيرة.

 

يشير علماء الفلك إلى تلك المجرات الكبيرة على أنها حمراء وميّتة، لاحتوائها فيضاً وافراً من النجوم الحمراء المتقدمة، ولافتقارها للنجوم الزرقاء الحديثة، كما أنها لا تُبدي أي دليل على تشكُّل نجم جديد.

 

تُشير الأعمار التقديرية للنجوم الحمراء إلى أن المجرات التي تستضيفها قد توقفت عن إنتاج نجوم جديدة منذ حوالي 10 مليارات عام، وهذا التوقف بدأ في ذروة عملية التشكُّل النجمي في الكون، عندما كانت العديد من المجرات لاتزال تصنع النجوم بسرعة أكبر بحوالي 20 مرة من الوقت الحالي.

 

يقول ساندروا تكيلّا Sandro Tacchella من المعهد الفدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ (ETH Zürich) في سويسرا، والمؤلف الرئيسي للمقال:

"تحوي الكرويّات الضخمة الميتة حوالي نصف النجوم التي أنتجها الكون خلال حياته كلها"، ويضيف: "لا يمكننا أن ندّعي فهمنا لكيفية تطور الكون للشكل الذي نراه اليوم، ما لم نفهم كيف وصلت هذه المجرات لحالتها الآن".

 

رصد تكيلا وزملاؤه مجموعة تتكون من 22 مجرة تتسع على نطاق من الكتل منذ عصر ما بعد الانفجار العظيم بحوالي 3 مليار عام. حيث يقوم جهاز سنفوني (SINFONI) -المثبت على التلسكوب الكبير جداً التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي- بجمع الضوء من هذه العينة من المجرات، ليعرض على وجه التحديد أين كانت تولد هذه النجوم الجديدة. يمكن لسنفوني أن يحدد هذه القياسات التفصيلية للمجرات البعيدة بفضل نظام البصريات المتكيّف (Adaptive Optics System) والذي يلغي إلى حدٍ كبير الآثار الضبابية للغلاف الجوي للأرض.

 

كما وجّه الباحثون عدسة تلسكوب هابل الفضائي -التابع لناسا ووكالة الفضاء الأوربية- إلى نفس مجموعة المجرات مستغلين موقعه المتميز في الفضاء فوق غلاف كوكبنا الجوّي المشوِّه للضوء. التقطت الكاميرا واسعة النطاق لتلسكوب هابل (Wide Field Camera 3) أو اختصاراً (WFC3) الصور ضمن المجال القريب من الأشعة تحت الحمراء كاشفةً عن التوزع الفضائي للنجوم العتيقة داخل المجرات النشيطة بعمليات التشكُّل النجمي.

 

علقت مارسيلا كارولا Marcella Carollo  من المعهد الفدرالي للتكنولوجيا في زيوريخ ومؤلفة مشاركة في الدراسة، قائلةً:

" إنه لأمرٌ مذهل أن يكون نظام البصريات المتكيّف قادراً على أن يقاوم بقوة تأثيرات الغلاف الجوي، ويجمع معلومات متعلّقة بمكان ولادة النجوم الجديدة، حيث يقوم بذلك بالدقة نفسها التي يُبديها تلسكوب هابل الفضائي بالنسبة لرصده لتوزّعات الكتل النجمية".

 

طبقاً للبيانات الجديدة، استمرت أضخم المجرات في العيّنة المرصودة بالإنتاج المنتظم للنجوم الجديدة عند أطرافها الخارجية. بينما عند انتفاخاتها -وهو المركز الكثيف المزدحم- كان التشكّل النجمي قد توقّف مسبقاً.

 

يقول ألفيو رينزيني Alvio Renzini من مرصد بادوفا (Padova Observatory) التابع للمعهد الوطني الإيطالي للفيزياء الفلكية:

"يجب تسليط الضوء على الآليات المشتركة في الطبيعة -المثبتة حديثاً- حول توقّف التشكل النجمي ضمن المجرات الهائلة من الداخل إلى الخارج، تلك الآليات التي طال نقاش علماء الفلك حولها".

 

هناك نظرية رائدة تطرح أن مواد التشكّل النجمي قد تبعثرت بفعل سيول من الطاقة المنبعثة من ثقب أسود هائل مركزي للمجرة، عند التهامه للمادة غير مكترثٍ بها.

 

طرحٌ آخر يفترض توقف تدفق الغاز المتشكّل حديثاً ضمن المجرة مما يؤدي إلى حرمانها من الوقود الضروري لتشكيل النجوم الجديدة، لتتحوّل لاحقاً إلى شكلها الكروي الأحمر الميت.

 

تقول المؤلفة المشاركة ناتاشا فورستر شرايبر Natascha Förster Schreiber من معهد ماكس بلانك للفيزياء خارج الأرض (Max-Planck-Institut für extraterrestrische Physik) في جارشينج بألمانيا:

"هناك العديد من الاقتراحات النظرية حول الآليات الفيزيائية التي أدت إلى موت الكرويات الضخمة"، وتتابع: "يُعد اكتشاف تسلسل إخماد التشكّل النجمي من المركز ثم سريانه في طريقه إلى الخارج خطوةً هامة لفهم كيفية ظهور الكون بالشكل الذي يبدو عليه الآن".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات