تحسين عملية تخزين الطاقة بالاعتماد على ظواهر من الطبيعة

توضح الصورة:  تنصهر المواد بسرعة أكبر عندما تنتشر خطوط الحرارة داخل المادة الباردة مثلما تنمو أغصان الأشجار. لهذا اكتشف الباحثون أنه بالإمكان زيادة معدل الانصهار عن طريق السماح لهيكل هذه الاغصان بالنمو في المادة مع الوقت. ويعمل الباحثون الذين اكتشفوا هذه الظاهرة على نقلها إلى تقنيات تخزين طاقة التغير الطوري والذي سوف تكون له فائدة كبيرة في نقل وتخزين الطاقة من مصادرها المتجددة .


عندما تنتشر خطوط الحرارة في المادة الباردة على شكل أغصان شجرة، تنصهر المواد بسرعة أكبر، ووفقاً لما اكتشفه مجموعة من الباحثين، فإن معدل الانصهار (melting rate) قد يزداد بشكلٍ مستقر عبر السماح لهيكل هذه الأغصان بالنمو والتطور بحرية مع مرور الزمن.

إن هذه الاكتشافات قد تحسن من أنظمة تخزين طاقة التغير الطوري، وهي عملية تخزين الحرارة "وبالتالي الطاقة" بالاعتماد على ما تخزنه المواد المنصهرة مثل الشمع أو الملح، وربما تلعب دوراً مهماً في ضمان وتأكيد حصول جريان انسيابي للطاقة من المصادر المتجددة مثل الرياح والشمس، وقد نشر الباحثون اكتشافاتهم في مجلة الفيزياء التطبيقية  Journal of Applied Physics .

وتظهر الأنماط المتفرعة (Branching patterns)، مثل تلك التي درسها الباحثون في المواد المنصهرة، بشكلٍ متكرر في الطبيعة، انطلاقاً من قمم الشجرة ووصولاً إلى دلتا الأنهار.

وقد تُلاحظ أنماطًا مشابهه في العديد من الأنظمة الأخرى لأن القانون الفيزيائي الأساسي هو نفسه المستخدم في التصميم الثوري الجديد، وفقاً لأدريان بيجان Adrian Bejan البروفسور في جامعة دورهام في نورث كارولينا.

في العام 1996، حدد بيجان الفيزياء الكامنة وراء هذه التصاميم الطبيعية المتفرعة بالاعتماد على مبدأ جديد، دعاه قانون التغصن (Constructal Law)، وينص هذا القانون أنه: "على الأنظمة المتدفقة - كالأنهار والأشجار - إذا أرادت النجاة، أن تتطور بمرور الوقت لتُتيح مروراً أسهل فأسهل للتيارات المتدفقة خلالها ". 

في الواقع العملي، يعني ذلك أن النهر سيزيح مساره عند سيره نحو البحر لتجنب العوائق التي تعترضه جراء وجود الرواسب، وبالمقابل ستُعيد النبتة توزيع أغصانها سعياً منها وبشكلٍ مستمر لتسهيل عملية التغذية وتدفق المياه.

وخلال العقدين الماضيين، بيّن بيجان مع زملاءه كيفية تطور العديد من التصاميم الطبيعية وتلك التي صنعها الإنسان، انطلاقاً من ندفات الثلج (snowflakes) وصولاً إلى الطائرات، وكل تلك القضايا يشرحها ويُفسرها قانون التغصن.

يقول بيجان: "هناك تنظيم طبيعي يحصل في كل مكانٍ حولنا، وقانون التغصن هو المبدأ الفيزيائي الذي يُشكل جزءاً أساسياً من المسألة، وما تبقى هو أن نكون حكيمين ونعتمد على المبدأ لنسرع من عملية تصميم التكنولوجيا".

في الورقة العلمية الجديدة، طبق بيجان مع باحثين من جامعة ديوك وجامعة تولوز في فرنسا القانون لزيادة فعالية تكنولوجيا تخزين طاقة التغير الطوري.

وتستفيد أنظمة تخزين طاقة التغير الطوري من حقيقة أنه باستطاعة المواد تخزين وتحرير كميات كبيرة من الطاقة الحرارية عند درجة حرارة ثابتة، عندما تُعاني من عملية تغير طوري (phase change) مثل الانصهار أو التجمد، ويُمكن استخدام هذا الأمر في الأبنية لامتصاص الحرارة أثناء اليوم وإطلاقها من جديد في الليل، وأيضاً في المركبات الفضائية بقصد إدارة عملية جريان الحرارة، وفي منشآت الطاقة الشمسية لتخزين الطاقة الزائدة.

ويقول بيجان: "تتضمن الهندسة التقليدية وضع ملف تبريد وتسخين داخل المادة التي سيتغير طورها، لكن يُبين بحثنا أنّ ما يحصل في الطبيعة يُشكل أفضل طريقة لنشر الحرارة داخل حجم ما، إنها بنية متُغصنة وتشابه يداً تمتلك العديد من الأصابع".

هذا وقد اكتشف الباحثون أن معدل الانصهار الإجمالي يزداد عبر السماح لكل من عدد "الأصابع" وزاوية التغصن بالتطور بمرور الوقت.

إن معدل الانصهار الأسرع مهم جداً في هذه العملية لأنه يعني أن الطاقة الحرارية سوف تنتقل بشكلٍ فعال إلى كمية محدودة من المادة متغيرة الطور (phase change material) في النظام، وتمثل زيادة انتقال الحرارة للمادة المتغيرة طورياً إلى الحد الأقصى أهميةً خاصة إذا كان النظام مستخدماً في تخزين الطاقة في مركبة ما حيث يُمكن للوزن الزائد أن يبطئ من سرعتها وفقاً لبيجان.

بشكلٍ عام، كلما كانت البُنى المتغصنة أكثر تعقيداً، كانت عملية الانصهار أسرع، لكن يعود هنا قانون الحد الطبيعي من الفوائد؛ ويُضيف بيجان: "تخيل مبنى ببنية متُغصنة ويمتلك مليارات الأصابع الصغيرة جداً والتي تتلامس في قمته، ستقول مباشرةً: انسى الأمر!".

في النهاية، سيختار المصمم البشري قطع سلسلة التحسينات عند نقطة محددة بسبب التكاليف وطول الزمن اللذين سينتجان عن التعقيد المُضاف. يُبين قانون التغصن أن الأنظمة الطبيعية تتطور بشكلٍ ثابت، وستخضع التكنولوجيا للمسار نفسه، ويعلق بيجان على الأمر: "يُمكنك تخيل أن تكنولوجيا التغير الطوري اليوم تمتلك هندسة ثابتة ثلاثية الشكل، لكنها ستتفوق خلال الأعوام القادمة لتصل إلى هندسات أفضل بكثير".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المادة متغيرة الطور (phase change material): أو اختصاراً PCM، هي المواد التي تُحرر أو تمتص الطاقة أثناء عمليات الانصهار والتجمد.
  • الأنماط المتفرعة (Branching patterns): هي أنماط تظهر في الكثير من الظواهر الفيزيائية وبشكلٍ متكرر في الطبيعة، انطلاقاً من قمم الشجرة ووصولاً إلى دلتا الأنهار.
  • معدل الانصهار (melting rate): هو معدل انصهار المادة أثناء تحولها من الطور الصلب إلى الطور السائل.
  • التغير الطوري (phase change): هي عملية الانتقال بين الأطوار الخاصة بالمادة (الأطوار الغازية والصلبة والسائلة)، ويرافق هذه العملية وجود كميات كبيرة من الطاقة.

اترك تعليقاً () تعليقات