الغلاف الجوي لتايتان أكثر شبهًا بنظيره الأرضي مما كان يعتقد

توضح الصورة: صورة بالألوان الحقيقية للطبقات السديمية في الغلاف الجوي لتايتان. 


رصد علماء من جامعة University College London-UCL كيف تقوم الرياحُ القطبية المنتشرة بدفع الغاز من الغلاف الجوي لتايتان (Titan)، أكبر توابع زحل. وقد حلّل الفريق البيانات التي جُمعت طوال سبعِ سنواتٍ بواسطة مسبار "كاسيني" الدولي (Cassini Probe)، ووجد أن التفاعلات بين الغلاف الجوي لتايتان والحقل والإشعاع المغناطيسي الشمسي قد أدت إلى توليد رياحٍ من مركبات الهيدروكربون والنيتريلات تندفع خارجةً من المناطق القطبية إلى الفضاء، وهذه الرياح مشابهةٌ للغاية لتلك التي تصدر عن المناطق القطبية الأرضية.

يُعتبر تايتان من الأجرام البارزة في المجموعة الشمسية؛ وكما هو الحالُ بالنسبة للأرض والزهرة، وعلى العكس من أي تابع آخر في المجموعة الشمسية، فهو ذو سطح صخري وغلافٍ جويٍّ سميك. وهو الجرمُ الوحيد في المجموعة الشمسية -باستثناء الأرض- الذي تُشاهد فيه الأنهار، والهطولات المطرية، والبحار، وهو أكبر من كوكب عطارد نفسه.

بفضل هذه الخصائص الفريدة، دُرسَ تايتان أكثرَ من أي تابعٍ آخر في المجموعة الشمسية -باستثناء قمر الأرض، وقد تضمن ذلك التحليق بجانبه لعدة مرات من قبل مسبار كاسيني، بالإضافة إلى هبوط مسبار هويغنز (Huygens lander) على سطحهِ في العام 2004. 

تحمل كاسيني على متنها أداةً علميةً صُممت جزئياً في UCL، وقد استُخدمت هذه الأداة في إجراء هذه الدراسةِ الأخيرة، وتدعى "مقياس كاسيني للطيف البلاسمي" (CAPS).

يقول أندرو كوتس Andrew Coates، وهو الباحث الذي يقود الدراسة ويعمل في مختبر مولارد لعلوم الفضاء التابع لـ ـUCL: "يتألف الغلافُ الجوي لتايتان بشكل رئيسي من النيتروجين والميتان، ويُعتبر الضغط الجوي على سطحه أعلى مما هو على الأرض بــ 50%. وقد أثبتت البيانات التي توافرت من (CAPS)، قبل بضع سنوات، أن الطبقات العليا من الغلاف الجوي لتايتان تخسرُ حوالي سبعة أطنان من مركبات الهيدروكربون والنيتريلات يومياً، لكنَّ هذه البيانات لا تفسر سببَ حدوث ذلك. ونحاول في دراستنا الجديدة تقديم بعض الدلائل لتفسير هذه الظاهرة".

إن مركبات الهيدروكربون هي مجموعةٌ من الجزيئات التي تضم الميتان بالإضافة إلى مواد أخرى مألوفة أكثر مثل النفط، والغاز الطبيعي والبيتومين. أما النيتيريلات، فهي جزيئاتٌ مؤلفةٌ من النيتروجين والكربون المرتبطين ببعضهما بإحكام.

وتشير الدراسة الجديدة، التي نُشرت اليوم في مجلة Geophysical Rearch Letters، إلى أن فقدانَ هذه المركَّبات من الغلاف الجوي يحدث بفعل الرياح القطبية، التي تستمد قوتها من التفاعل بين ضوء الشمس والحقل المغناطيسي الشمسي والجزيئات الموجودة في الطبقات العليا من الغلاف الجوي.

ويُردف كوتس قائلاً: "على الرغم من أن تايتان أبعدُ من الشمس بعشر مرات مقارنة بالأرض، إلاّ أن الطبقاتَ العليا من الغلاف الجوي لا تزال مغمورةً بالضياء. وحين يتفاعل الضوء مع الجزيئات الموجودة في الغلاف الجوي لتايتان، فهو يؤدي إلى إصدار الإلكتروناتِ ذات الشحنة السلبية من جزيئات الهيدروكربون والنيتريل، مخلفاً وراءه جسيمات إيجابية الشحنة. وتمتلك هذه الإلكترونات، التي تُعرف باسم الإلكترونات الضوئية (photoelectrons)، طاقة محددة بدقة تبلغ 24.1 إلكترون فولط، مما يعني أنه من الممكن تعقب أثرها بواسطة أداة (CAPS)، كما يمكن تمييزها عن الإلكتروناتِ الأخرى بسهولة خلال انتشارها في الحقل المغناطيسي المجاور".

وعلى نقيض الأرض، فليس لتايتان حقلاً مغناطيسياً خاصاً به، لكنه محاطٌ بالحقل المغناطيسي لكوكب زحل سريع الدوران، ويلتف هذا الحقل حول تاتيان مغلفاً إياه كذيل المذنب، وقد تمكنت الأداة (CAPS)، خلال 23 تحليق للمركبة كاسيني عبر طبقة الأيونوسفير (ionosphere) لتايتان أو ذيله المغناطيسي، من الكشف عن كميات قابلة للقياس من هذه الإلكترونات الضوئية، وذلك على مسافة تفوقُ نصفَ قطره بــ 6.8 ضعفاً، وذلك بسبب قدرتها على التنقل بسهولةٍ ضمن خطوطِ الحقل المغناطيسي.

لقد وجد الفريق أن هذه الإلكتروناتِ الضوئية ذات الشحنة السلبية، والتي تنتشر في الأيونوسفير والذيل المغناطيسي لتايتان، تولد حقلاً كهربائياً، وهذا الحقل بدوره، هو من القوة بحيث يدفع جسيمات الهيدروكربون والنيتريل ذات الشحنة الإيجابية خارجَ الغلاف الجوي عبر الأجزاءِ المعرضة لضوء الشمس من الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى توليد الرياح القطبية التي رصدها العلماء هناك.

لم تُشاهد هذه الظاهرة من قبل إلاّ على الأرض، وذلك في المناطق القطبية، حيث يكون الحقلُ المغناطيسي للأرض مفتوحًا. ونظراً لأن تايتان يفتقر إلى حقل مغناطيسي خاص به، فإن هذه الظاهرة يمكن أن تحدث فوق مناطق واسعة من تايتان، وليس فقط قرب القطبين، ويعتقد الباحثون باحتمال وجود رياح قطبية مماثلة واسعة الانتشار على كل من المريخ والزهرة، وهما أكثر كواكبِ المجموعة الشمسية شبهاً بالأرض. 

إن هذه الظاهرة تثبتُ كيف أن تايتان هو أكثر الأجرام شبهاً بالأرض على الإطلاق ، على الرغم من توضعه في مدارٍ بعيدٍ حول أحد العمالقة الغازية في مجموعة الكواكب الخارجية في المنظومة الشمسية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات