عدساتُ مبتكرةٌ لموجاتِ الأشعة السينية تزيد من دقة المشهد حتى المستوى النانوي

توضح الصورة: صورة أعيد تركيبها لموجة الأشعة السينية المركزة، ويمكن للعدسات تكبير بقعة بحجم 8 نانوميتر عند أكثر مناطق حزمة الأشعة دقة. 


قام فريق بقيادة علماء من المركز العلمي "السينكروترون الإلكتروني الألماني" Deutsches Elektronen-Synchrotron، أو اختصارًا (DESY)، بتصميم نوع جديد مبتكر من عدسات الأشعة السينية (X-ray lens) وصناعتها واختبارها، حيث تعمل على إنتاج صور برؤية أوضح وأكثر سطوعًا لعالم النانو. وتقوم العدسات بتوظيف مبدأ مبتكر ﻹعادة توجيه الأشعة السينية على نطاق واسع من الزوايا، متسببة بذلك بإحداث قوة تقارب كبيرة للأشعة (high convergance power)، وكلما كان التقارب أكبر، كانت التفاصيل التي يستطيع المجهر تمييزها أصغر، ولكن، وكما هو معروف، من الصعب حنيُ الأشعة السينية بزوايا كافية.

 

أما الآن، فقد صار من الممكن الوصول إلى قوة تقارب كبيرة، وذلك عن طريق صناعة أداة بحجم نانويّ تعمل وكأنها بلورة صناعية. ومع أن هذه الصناعة كانت تحتاج إلى أن تُنَظّم على المستوى الذري -وهو المستوى المقابل لطول موجات الأشعة السينية- إلا أن علماء DESY حققوا هذا المستوى من الدقة في مجال لم لم يسبقهم إليه أحد، متجهين في عملهم إلى عدسات ذات مسافات عمل كبيرة (larg working-distance lens) وصورةٍ أوضح. وإذا دمجنا هذه التطورات مع الدقة المحُسّنة للصور (improved resolution)، فإنها تعتبر مكونات أساسية لعمل مجهر فائق يعمل بالأشعة السينية. وقد عرض الفريق، بقيادة د. ساشا بايت Dr. Saša Bajt  من DESY العدساتِ المبتكرةَ في دورية (Scientific Reports).

تقول بايت مفسرة: "تستخدم الأشعة السينية في دراسة عالم النانو، كما وتتيح رؤيةً أفضل للتفاصيل من الضوء المرئي، هذا عدا عن قدرتها على رؤية ما بداخل الأجسام". يعتمد صغر حجم التفاصيل التي يمكن تمييزها على طول الموجة للإشعاع المستخدم، فاﻷشعة السينية لديها طول موجي صغير جدًا يتراوح بين 1 الى 0.01 نانومتر. أما الضوء العادي فتبلغ طول موجته 400 الى 800 نانومتراً، والنانومتر يمثل جزءًا من مليون من الميلليمتر. تُفضَّلُ الأشعة السينية؛ بسبب قدرة اختراقها العالية، على التصوير الشعاعي الطبقي ثلاثي الأبعاد (three-dimensional tomographic imaging) وذلك في تصوير أشياء مثل خلايا الكائنات الحية، ورقاقات الحاسوب، والمواد متناهية الصغر "النانوية" المستخدمة في تحويل أو تخزين الطاقة. ولكنّ قدرة الاختراق العالية هذه تعني أيضًا أن الأشعة السينية تخترق العدسات التقليدية بخط مستقيم دون أن تنحني أو تُرَكَّز. ومن الطرق الممكنة لتركيز الأشعة السينية، جعل الأشعة السينية تحتك احتكاكاً بسيطاً مع سطح مرآة لتوجيهها لاتجاه آخر، لكن ما يعيب هذه المرايا أن قدرتها على مقاربة الأشعة ضعيفة، كما أنها يجب أن تكون مصقولة ميكانيكيًا بدقة عالية، ما يجعلها باهظة التكاليف.


وهنالك طريقة أخرى لحني الأشعة السينية، وهي تتمثل في استخدام البلورات، وقد اكتشفها اﻷلماني ماكس فون لاو Max von Laue منذ قرن من الزمن، ويمكن تطبيقها عن طريق استخدام شبكة بلورية (crystal lattice) تقوم بتحليل الأشعة السينية. وفي الوقت الحاضر، بإمكاننا تصنيع البلورات الصناعية خصّيصاً لتركيز الأشعة السينية عن طريق إضافة مواد مختلفةً في طبقات فوق بعضها البعض، ويطلق على هذا النوع من العدسات "عدسة لاو متعددة الطبقات" (multilayer Laue lens) وتختصر بـ (MLL)، فهذه العدسة تُصنع عن طريق طلي الركيزة (substrate) بطبقة رقيقة من المواد المختارة.

 

تقول بايت موضحة: "لكن إمكانيات عدسات لاو عادة ما تكون محدودة من حيث قدرتها على مقاربة الأشعة وذلك ﻷسباب هندسية"، ويضيف: "يجب أن تتم إمالة طبقات (MLL) قليلًا مقابل بعضها البعض، وذلك للحصول على القدرة القصوى". يجب أن تكون كل الطبقات التي تخص عدسات (MLL) إسفينية الشكل متعامدةً على دائرة نصف قطرها يساوي ضعفي البعد البؤري، وهذا ما أظهرته الحسابات النظرية.

 

صورة لعدسة الأشعة السينية المبتكرة، وقد صوِّرت باستخدام المجهر الإلكتروني الماسح. بُني الجزء الفاتح باستخدام 5500 طبقة تتناوب بين التنغستن وكربيد السيليكون. أما الجزء أسود اللون فهو الركيزة (substrate). عرض العدسة 40 مايكرومتراً.
صورة لعدسة الأشعة السينية المبتكرة، وقد صوِّرت باستخدام المجهر الإلكتروني الماسح. بُني الجزء الفاتح باستخدام 5500 طبقة تتناوب بين التنغستن وكربيد السيليكون. أما الجزء أسود اللون فهو الركيزة (substrate). عرض العدسة 40 مايكرومتراً.



لم يكن بالإمكان صنع عدسة بهذه المواصفات سابقًا،أما الآن، فقد ابتكر أعضاء فريق الدكتور بايت طريقةَ تصنيع جديدةً، يقوم فيها واقٍ بوقاية جزء من الركيزة (substrate) من المواد التي تتم إضافتها، وبذلك يبدأ تراكم هيكل ذو شكل إسفيني في النصف المظلل من الواقي. أما إمالة الطبقات فيتم التحكم بها فقط عن طريق تعديل المسافة بين الواقي والركيزة (substrate)، بعدها يتم قطع عدسة MLL إسفينيةِ الشكل من منطقة حواف الظل -أي المنطقة المحيطة بالجزء المظلل من الواقي-. تقول بايت: "لم يقترب أحد من بناء عدسات إسفينية الشكل كهذه قبلنا".

صَنّع الباحثون عدسة إسفينية الشكل من 5500 طبقةٍ من مادة كربيد السيليكون (Sic)، والتنغستن (W) متناوبة فيما بينها، ومختلفة في سمكها. وكان عرض العدسات النهائية التي اقتُطعت من هذه المواد المضافة 40 مايكرومتراً، وسمكها17.5 مايكرومترٍ، وعمقها 6.5 مايكرومترٍ.

قام الفريق بتجربة عدساته المبتكرة الجديدة في مصدر الأشعة السينية شديدِ اللمعان "بترا 3" (PETRA III) التابعِ لمركز DESY أظهر الفحص الذي جرى في المحطة التجريبية (P11) أن العدسة ولّدت تركيزاً عرضه 8 نانومترات فقط وهو رقم قريب من القيمة النظرية للتصميم والتي تبلغ 6 نانومترات. وأظهر الاختبار أيضاً أن توزيع قيم الكثافة (intensity profile) عبر العدسات منتظمٌ جدًا، وهو شرط أساسي لصور عالية الجودة. يسمح تصميم العدسة بإنفاذ حتى 60% من الأشعة السينية الواردة إلى العينة.

ركز العلماءُ حزمة الأشعة السينية في اتجاه واحد فقط، ما تسبب في إيجاد خط رفيع. ويمكن تركيز الأشعة في بُعدين للحصول على بقعة صغيرة عن طريق استخدام عدستين في خط واحد؛ بحيث تقوم إحداها بالتركيز أفقيًا والأخرى عموديًا. 


تقول بايت مفسرة: "تثبت النتائج التي حصلنا عليها فعالية تقنيتنا الجديدة في الحصول على قدرة تركيز عالية، ونحن نؤمن أننا نملك القدرة الكافية لتصميم عدسات تستطيع إنتاج قدرة تركيز أعلى"، وتضيف: "الظاهر أن الهدف الذي سعينا له منذ فترة طويلة وهو تركيز الأشعة السينية لنانومترٍ واحد من المساحة أصبح في متناول اليد".

ومن شأن ذلك أن يضع جودةَ التصوير بالأشعة السينية في مستوى جودة مماثل لذلك الذي نحصل عليه من المجاهر الإلكترونية الماسحة ذات الدقة المثالية التي تبلغ 4 نانومترات. لا تقتصر مزايا التصوير بالأشعة السينية على عرض الأسطح أو العينات الرفيعة جداً، وإنما تستطيع اختراق العينة. يقول بايت: "سوف تساعدُ فكرة عدساتنا المبتكرة العلماء على إمعان النظر في عالم النانو، وعلى جعل التفاصيل، التي لم يكن بالإمكان رؤيتها سابقاً، مرئية للعيان".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات