هل هنالك حياة على بلوتو؟

رسم توضيحي لبلوتو من إبداع فنان، يظهر فيه الغلاف الجوي الرقيق الذي استعصى إلى الآن على كافة التفسيرات.

حقوق الصورة: NASA/New Horizons


على مدار عدة عقود، كان بلوتو الذي تم إسدال الستار عنه عام 1930 هو الكوكب التاسع في نظامنا الشمسي. وعلى الرغم من انخفاض منزلته منذ ذلك الحين إلى مرتبة كوكب قزم بسبب اكتشاف الكوكب القزم إريس Eris عام 2004، ما زال بلوتو مصدراً لإبهار علماء الفضاء وإثارتهم. 


ومع اقتراب مهمة نيوهورايزنز بسرعة من الكوكب، ينتظر العلماء بفارغ الصبر عودة الصور والمعلومات التي ستساعدهم في الإجابة عن بعض التساؤلات الملحة حول هذا الجرم السماوي، لعل أهمها هو ذلك السؤال المتعلق بما إذا كانت الحياة ممكنة عليه أم لا. 


ظروف السطح: 


من الإنصاف القول إنه ليس هنالك على الأغلب فرصة ليكون بلوتو آهلاً بالحياة على سطحه. فمبدئيًا، يدور بلوتو حول الشمس على مسافات بعيدة جداً، تتراوح ما بين 29.657 وحدة فلكية (4,437,000,000 كم) عند أقرب نقطة للشمس و48.871 وحدة فلكية (7,311,000,000 كم) عند أبعد نقطة عن الشمس، ويمكن لدرجات حرارة السطح عند هذه المسافات أن تنخفض إلى 33 كلفن (-240 درجة سلسيوس أو -400 درجة فهرنهايت). 


وفي درجات الحرارة هذه لا يتجمد الماء فقط، إنما تتجمد سوائل وغازات أخرى تتواجد على سطح بلوتو، مثل الميثان CH4 وغاز النيتروجين N2 وأول أكسيد الكربون CO. ولهذه المركبات درجات تجمد أقل بكثير من درجة تجمد الماء، ولذلك فإن فرصة وجود حياة تحت هذه الظروف تكاد تكون معدومة. 


وبينما يمتلك بلوتو غلافاً جوياً رقيقاً، فإنه يتكون بشكل رئيسي من غاز النيتروجين والميثان وأول أكسيد الكربون، وهي غازات تتواجد بنسب متوازنة مع صورها المتجمدة على السطح. وفي الوقت ذاته، يتراوح ضغط السطح ما بين 6.5 إلى 24 بار (0.65 إلى 2.4 باسكال)، ما يجعله أقل من ضغط الغلاف الجوي للأرض بما يصل تقريبًا لمليون إلى 100.000. 


وعلاوة على ذلك، فإن هذا الغلاف الجوي يخضع لتقلبات مناخية، حيث يقترب بلوتو من الشمس ويبتعد عنها، فبشكل عام، عندما يكون بلوتو في أقرب نقطة إلى الشمس يمكن للغلاف الجوي أن يحول المواد إلى الحالة الصلبة، بينما عندما يكون في أبعد نقطة عن الشمس تزداد درجة حرارة السطح ما يؤدي بالجليد إلى المرور بحالة تسامي.

 

تصور فني لبلوتو المتجمد. حقوق الصورة: ESO/ L. Calçada
تصور فني لبلوتو المتجمد. حقوق الصورة: ESO/ L. Calçada

بالتالي، ليس هنالك ببساطة من سبيل لوجود حياة على سطح بلوتو، فبين البرد الشديد والضغط الجوي المنخفض، والتغيرات المناخية المستمرة، ما من كائن حي معروف يمكن أن يعيش، إلا أن ذلك لا يلغي احتمالية وجود حياة داخل الكوكب. 

داخل الكوكب: 

كشأن العديد من الأقمار والكويكبات الصغيرة في النظام الشمسي الخارجي، يعتقد العلماء أن بنية بلوتو الداخلية هي تركيبة مميزة، حيث أنها تتكون من مواد صخرية موجودة في نواة كثيفة محاطة بوشاح من الجليد، ويعتقد أن قطر النواة يقارب 1700 كم (وهو ما يشكل 70% من قطر بلوتو) بينما تتراوح كثافة الطبقة الجليدية من 100 إلى 180 كم عند حدود وشاح النواة.


ولأن انحلال العناصر الإشعاعية قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تعريض الجليد لحرارة كافية لفصل الصخور عنه، يُحتمل أن يكون تحت وشاح كوكب بلوتو محيط من المياه السائلة. وفي العام 2011، قام عالمان من علماء الكواكب هما غيوم روبوتشون Guillaume Robuchon وفرانسيس نيمو Francis Nimmo العاملان بجامعة كاليفورنيا في سانتا كروز بوضع نموذج للتطور الحراري بكوكب بلوتو ودرسا سلوك القشرة لمعرفة الأثر المحتمل على السطح إذا ما كان تحته محيط.


والنتيجة التي توصلا إليها كانت أن سطح بلوتو ربما يكون مغطى بشقوق سطحية ممتدة في الآفاق، بسبب تغيرات في درجات الحرارة وإجهادات شدية وإجهادات ضاغطة للمحيط السائل تحت السطح. وبالرغم من عدم توفر بيانات بصرية تدعم فرضية وجود تضاريس سطحية من هذا النوع، من المقرر أن تزودنا مهمة نيوهورايزنز قريبًا بأدلة في صور للسطح.


البنية النظرية لبلوتو تتكون من 1. نيتروجين متجمد، و2. ماء متجمد، و3. صخور. حقوق الصورة: NASA/Pat Rawlings
البنية النظرية لبلوتو تتكون من 1. نيتروجين متجمد، و2. ماء متجمد، و3. صخور. حقوق الصورة: NASA/Pat Rawlings

 
احتمالات مستقبلية:

من الاحتمالات الأخرى أنه سيجئ وقت تتغير فيه الظروف بما قد يسمح بوجود حياة على بلوتو. فبينما يقبع بلوتو بعيدًا خلف المنطقة الصالحة للسكن بالشمس، فكل من حجم الشمس ومدى الوصول إلى تلك المنطقة عرضة للتغيير. وفي المستقبل البعيد أي بعد حوالي 5.4 مليار عام من الآن، ستكبر شمسنا لتصبح عملاقًا أحمرًا، مما سيزيد كمية الطاقة الصادرة عنها لعدة ملايين من السنين.


وعند نفاد الهيدروجين الأساسي في خلال 5.4 مليار عام، ستدخل الشمس في مرحلة النجم شبه العملاق ويتضاعف حجمها ببطء على مر حوالي نصف مليار عام. وبينما يتزايد حجم الشمس، ستمتص الكواكب الداخلية (بما في ذلك الأرض)، وستنتقل المنطقة الصالحة للسكن إلى النظام الشمسي الخارجي. وحتى قبل أن تصبح الشمس عملاقًا أحمرًا، ستزيد درجة إشراقها إلى حوالي النصف وستزيد حرارة الأرض عن الحرارة الحالية لكوكب الزهرة.


ثم سيسرع معدل زيادة حجم الشمس على امتداد نصف مليار سنة إلى أن يزيد حجمها أكثر من مئتي مرة عما هي عليه الآن ويزداد إشراقها ألفي مرة. وهذا يكتب بداية مرحلة فرع العملاق الأحمر red-giant-branch أو اختصارًا RGB، وهي مرحلة ستستمر حوالي مليار سنة ستفقد خلالها الشمس حوالي ثلث كتلتها.

هذا تصور فني لقطعة كثيرة التضاريس من حطام النظام الشمسي والتي تخص فئة من الأجرام تُدعى "الأجرام القابعة خلف نبتون" (trans-Neptunian objects) أو اختصارًا TNOs. حقوق الصورة: NASA
هذا تصور فني لقطعة كثيرة التضاريس من حطام النظام الشمسي والتي تخص فئة من الأجرام تُدعى "الأجرام القابعة خلف نبتون" (trans-Neptunian objects) أو اختصارًا TNOs. حقوق الصورة: NASA


خلال ذلك الوقت، ستزداد حرارة العديد من الأجرام الموجودة في حزام كايبر بدرجة كبيرة، ومنها بلوتو وإريس وعدد لا حصر له من الأجرام القابعة خلف نبتون TNOs.


ولكن إذا ما وضعنا في الصورة تركيب تلك الأجرام والفترة الزمنية القصيرة نسبيًا التي خلالها سترتفع درجة حرارتها وترطيبها، فمن غير المحتمل أن تتطور الحياة من الصفر. بل على العكس، سيكون علينا ربما نقل الحياة من الأرض، بافتراض أن البشرية ما زالت على قيد الحياة، وزرع بلوتو وغيره من الأجرام الناجية بالنباتات وملئه بالكائنات الأرضية.


اختصارًا، أفضل إجابة للسؤال، هل هنالك حياة على بلوتو؟ هي بقولنا "ربما بكل تأكيد". ومن الإجابات المحتملة الأخرى: "ربما لا"، مع التنبيه إلى أنه ربما ستوجد حياة هناك يومًا ما. ولا يسعنا في هذه الأثناء إلا انتظار ورود البيانات من نيوهورايزنز والبحث في تلك البيانات عن إشارات تفيد بوجود حياة هناك بالفعل الآن.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات