سبيتزر يرصد كوكباً في أعماق مجرتنا

يُظهر هذا الرسم الفني لخريطة مجرة درب التبانة موقع أحد أبعدِ الكواكب الخارجية المعروفة، إذ يبعُد عنا مسافةً تُقدّر بحوالي 13 ألف سنة ضوئية.

المصدر: NASA/JPL-Caltech


تعاون تلسكوب سبيتزر الفضائي التابع لوكالة ناسا NASA's Spitzer Space Telescope مع أحد التلسكوبات الأرضية للعثور على كوكبٍ غازيٍ يبعد عنا مسافة تُقدر بـ 13 ألف سنة ضوئية، ما يجعله أحد أكثر الكواكب المعروفة بُعداً عنا. 

ويُوضح هذا الاكتشاف أنه بالإمكان استغلال الموقع المميز والفريد الذي يحتلّه تلسكوب سبيتزر في الفضاء للمساعدة في حلّ لغز كيفية انتشار وتوزّع الكواكب في مجرة درب التبانة. ولعلّ التساؤل المطروح هنا هو: هل تتجمّع هذه الكواكب وتتمركز بشكل كبير في المِحور المركزي لمجرتنا؟ أم أنها تنتشر وتتوزّع عبر أطراف المجرة؟

تقول جينيفر يي Jennifer Yee من مركز هارفارد- سيمونثيان للفيزياء التطبيقية Harvard-Smithsonian Center for Astrophysics في كامبريدج، ماساتشوستس، والزميلة في برنامج ساغان Sagan Fellowship التابع لناسا: "ليس لدينا فكرة عما إذا كانت الكواكب تتركز أكثر في المركز المُنتفخ لمجرتنا أم في قُرصها. لذا، فإننا نعتبر هذه النتائج مهمة للغاية".

 

يُوضح هذا الإنفوجرافيك كيف يُمكن استخدام تلسكوب سبيتزر التابع لناسا جنباً إلى جنب مع التلسكوبات الأرضية لقياس المسافة إلى الكواكب التي تم اكتشافها بواسطة تقنية التعديس الميكروي.  المصدر: NASA/JPL-Caltech
يُوضح هذا الإنفوجرافيك كيف يُمكن استخدام تلسكوب سبيتزر التابع لناسا جنباً إلى جنب مع التلسكوبات الأرضية لقياس المسافة إلى الكواكب التي تم اكتشافها بواسطة تقنية التعديس الميكروي. المصدر: NASA/JPL-Caltech


يي هي المؤلفة الرئيسية لواحدة من ثلاث دراساتٍ جديدةٍ نُشِرت في مجلة Astrophysical Journal. تصف هذه الدراسات التعاون بين العلماء الفلك الذين يستخدمون تلسكوب سبيتزر وتلسكوب تجربة العدسة الجذبية الضوئية البولندي OGLE.

يقوم تلسكوب وارسو Warsaw Telescope التابع لتجربة OGLE الموجود في مرصد لاس كامباناس Campanas Observatory في تشيلي، بمسح السماء بحثاً عن الكواكب باستخدام طريقة تُسمى المفعول العدسي الميكروي أو التعديس الميكروي (microlensing). 

يحدث التعديس الميكروي عندما يمرُّ نجمٌ ما أمام نجم آخر أبعد منه مسافة فتعمل الجاذبية فيه كالعدسة حيث تقوم بتكبيرِ الضوء حوله وزيادة شدّة سطوعه. وإذا تصادف وجود كوكبٍ يدور حول النجم القريب فإن ذلك الكوكب سيعمل على إحداث نبضة أو نقرةٍ في عملية التكبير هذه (أي أنه يُسبب تغيراً لحظياً طفيفاً في مقدار التكبير). 

يستخدم علماء الفلك هذه الومضات أو النقرات الخفيفة في الضوء لتحديد مكان الكواكب التي تقع على بُعد عشرات الآلاف من السنين الضوئية داخل مركز مجرتنا، وهي المنطقة التي تحدث فيها ظاهرة عبور الكواكب أمام النجوم بكثرة. 

تقع شمسنا في أطراف درب التبانة، وتُعادل المسافة بينها وبين المركز حوالي ثُلثي عرض المجرة. تمكّن العلماء إلى الآن من اكتشاف ما مجموعه 30 كوكباً باستخدام تقنية التعديس الميكروي، ويتمركز أكثر هذه الكواكب بُعداً على مسافةٍ تُقدّر بحوالي 25 ألف سنة ضوئية. 

يقول أندرو غولد Andrew Gould، المؤلف المشارك في هذا البحث من جامعة ولاية أوهايو، كولومبوس Ohio State University, Columbus: "استطاعت تجارب التعديس الميكروي أن ترصد بالفعل كواكبَ في المنطقة المُمتدة بين المجموعة الشمسية ومركز مجرة درب التبانة. وبإمكان هذه التجارب أن تُعطينا معلوماتٍ، من حيث المبدأ، حول الكفاءة النسبية لعملية تشكيل الكواكب عبر هذه المساحة الهائلة من مجرتنا".

 

يُظهر هذا المُخطط البيانات التي تم الحصول عليها بواسطة تلسكوب سبيتزر التابع لناسا، وأيضاً بواسطة تلسكوب تجربة العدسة الجذبية الضوئية (Optical Gravitational Lensing Experiment)، أو اختصاراً (OGLE) الموجود في تشيلي، وذلك خلال حدوث ظاهرة "التعديس الميكروي". المصدر: NASA/JPL-Caltech/Warsaw University Observatory
يُظهر هذا المُخطط البيانات التي تم الحصول عليها بواسطة تلسكوب سبيتزر التابع لناسا، وأيضاً بواسطة تلسكوب تجربة العدسة الجذبية الضوئية (Optical Gravitational Lensing Experiment)، أو اختصاراً (OGLE) الموجود في تشيلي، وذلك خلال حدوث ظاهرة "التعديس الميكروي". المصدر: NASA/JPL-Caltech/Warsaw University Observatory


تُعد تقنية التعديس الميكروي جُزءاً لا يتجزأ من مجموعة أخرى من الأجهزة المستخدمة حالياً في تتبّع ورصد الكواكب من مثل بعثة تلسكوب كبلر التابعة لناسا NASA's Kepler mission، والتي عَثرت إلى الآن على أكثر من 1,000 كوكبٍ قريبٍ من الأرض.

من ناحية أخرى، تُواجِه هذه التقنية عقبةً أساسية تتمثل في عدم استطاعتها تحديد المسافة إلى النجوم والكواكب التي تم رصدها بشكل دقيقٍ في كل مرة. ففي حين يقوم النجمُ العابر بتكبيرِ الضوء الصادر عن نجمٍ آخر أبعد منه مسافة، إلا أننا لا نستطيع رؤية النجم العابر بحد ذاته، ما يجعل من عملية قياس بُعده عنا تحدياً كبيراً.

من بين الـ 30 كوكباً التي اكتُشفت بواسطة تقنية التعديس الميكروي، تمكّن العلماء من تحديد الموقع الدقيق لنصف هذا العدد فقط، أما الباقي فمن الصعب تحديد موقعها. وهذا يعني أن مهمة إيجاد تلك الكواكب أشبه بالبحث عن كنزٍ باستخدام خريطة لا تحتوي على إشارات تدلُّ على مكان ذلك الكنز.


لكن لا بأس، فهذه هي المرحلة التي يُمكن فيها الاعتماد على تلسكوب سبيتزر وذلك بفضل مداره البعيد الذي يتبَع فيه الأرض في مدارها حول الشمس (ملاحظة: مدار اتباع الأرض (Earth-trailing orbit) هو المدار الذي يتخذه سيبتزر حول الشمس والذي يسير فيه خلف الأرض في مدارها حول الشمس). يدور سبيتزر حول الشمس، ويبعد عن الأرض حالياً مسافةً تبلغ 128 مليون ميل (أي 207 مليون كم)، وهو بذلك يبعدُ عن الأرض مسافةً تزيد عن بُعدها (أي الأرض) عن الشمس. عندما يُشاهد سبيتزر ظاهرة التعديس الميكروي في الوقت نفسه الذي يُشاهد فيه التلسكوب الأرضي تلك الظاهرة، فإنه يرى سُطوع النجم في وقتٍ مختلفٍ عن الوقت الذي يراه فيه التلسكوب الأرضي. يُعزى ذلك إلى المسافة الشاسعة التي تفصل بين التليسكوبين، وإلى اختلاف المواقع التي يرصدان منها تلك الظاهرة (اختلاف منظور أو زاوية الرؤية). ويُشار إلى هذه التقنية عادة باسم التخاطُل parallax (أي اختلاف المنظر باختلاف المكان، أو اختلاف زاوية الرؤية أو الرصد). 

وفي معرض تعليقها على هذا الأمر تقول يي: "يُعد تلسكوب سبيتزر أول تلسكوبٍ فضائيٍ يقوم بإجراءِ قياس التخاطل لظاهرة التعديس الميكروي لكوكبٍ ما". وتُردِف قائلة: "لا تُعدّ تقنية التخاطل التقليدية التي تستخدمها التلسكوبات الأرضية فعالةً جداً في مثل هذه المسافات الكبيرة". 

يُعد استخدام التلسكوبات الفضائية في عملية رصد ظاهرة التعديس الميكروي أمراً صعباً، حيث تُرسِل التلسكوبات الأرضية تنبيهاتٍ للأوساط الفلكية عند بداية حدوث الظاهرة، لكن سُرعان ما تتلاشى هذه الظاهرة، إذ لا تستمر سوى 40 يوماً. وقد سارع فريق تلسكوب سبيتزر للبدء بحملات رصد التعديس الميكروي خلال ما لا يزيد عن ثلاثة أيام من تلقي التنبيه. 

وفي حالة الكوكب المُكتشف حديثاً، تبيّن أن مدة ظاهرة التعديس الميكروي كانت طويلة جداً على غير العادة حيث استمرت لأكثر من 150 يوماً. وقد تمكن كلّ من سبيتزر وتلسكوبات تجربة OGLE من الكشف عن وجود علامة ومضة الكوكب خلال عملية التكبير، إلا أن سبيتزر استطاع رؤيتها قبل أن ترصدها التلسكوبات الأرضية بحوالي 20 يوماً.

وقد استُخدم هذا التأخير الزمني بين عملية المُشاهدة التي قامت بها تلسكوبات تجربة OGLE وتلك التي قام بها سبيتزر في حسابِ المسافة إلى النجم وكوكبه المُرافق. وقد تمكّن العلماء، من خلال عملية تحديد المسافة هذه، من تحديد كُتلة الكوكب أيضاً، والتي بلغت تقريباً نصفَ كتلة كوكب المُشتري.

 


من خلال تعاونه مع تلسكوبات تجربة OGLE وعدد آخر من التلسكوبات الأرضية، استطاع سبيتزر مشاهدة 22 ظاهرة تعديس ميكروي ورصدها. وعلى الرغم من أنه لم ينتج عن عمليات الرصد تلك اكتشافُ أي كواكبَ جديدة، إلا أنها تُعتبر عمليةً جوهريةً وأساسية لمعرفة عد الكواكب والنجوم الموجودة في قلب مجرتنا. هذا ومن المُقرر أن يُشاهد سبيتزر أيضاً 120 ظاهرة تعديس ميكروي أخرى خلال هذا الصيف. 

يقول سبستيانو كالكي نوفاتي Sebastiano Calchi Novati، وهو زميلٌ زائرٌ في برنامج ساغان في مركز علوم الكواكب الخارجية NASA's Exoplanet Science Institute في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا California Institute of Technology في باسادينا: "حتى هذه اللحظة، تمكنّا من استكشاف المنطقة الواقعة داخل المجموعة الشمسية بشكلٍ رئيسي. ويُمكننا الآن استخدام هذه العدسات لعمل إحصائيات حول الكواكب ككُل، وحول طريقة توزّعها وانتشارها في المجرة". 

يُدير مُختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory في باسادينا كاليفورنيا، مهمة تلسكوب سبيتزر الفضائي لصالح مديرية المهام العلمية التابعة لوكالة ناسا NASA's Science Mission Directorate ومقرها واشنطن. كما يتم إجراء العمليات العلمية في مركز سبيتزر العلمي Spitzer Science Center الموجود في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا. تتولى شركة لوكهيد مارتين لأنظمة الفضاء Lockheed Martin Space Systems Company ومقرها ليلتون في ولاية كولورادو إدارة عمليات المركبة الفضائية. كما تتم أرشفة البيانات في أرشيف علوم الأشعة ما تحت الحمراء Infrared Science Archive، الموجود في مركز تحليل ومعالجة الأشعة ما تحت الحمراء Infrared Processing and Analysis Center في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا الذي يُدير مُختبر الدفع النفاث لصالح وكالة ناسا.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المفعول العدسي التثاقلي (gravitational lensing): المفعول العدسي التثاقلي: يُشير إلى توزع مادة (مثل العناقيد المجرية) موجودة بين مصدر بعيد والراصد، وهذه المادة قادرة على حرف الضوء القادم من المصدر أثناء تحركه نحو الراصد. ويُترجم أحياناً بالتعديس الثقالي أيضاً.
  • المفعول العدسي الميكروي (التعديس الميكروي) (microlensing): هو مفعول عدسي ثقالي ينجم عن النجوم والأجسام التي لا تمتلك كتلة هائلة. وفي هذا المفعول، تكون الصور المضاعفة قريبة جداً من بعضها إلى درجة يصعب حتى على أفضل التلسكوبات التمييز بينها. المصدر: العلوم الأمريكية.
  • المجال تحت الأحمر (Infrared): هو الإشعاع الكهرومغناطيسي ذو الطول الموجي الأكبر من النهاية الحمراء للضوء المرئي، والأصغر من الأشعة الميكروية (يتراوح بين 1 و 100 ميكرون تقريباً). لا يمكن لمعظم المجال تحت الأحمر من الطيف الكهرومغناطيسي أن يصل إلى سطح الأرض، مع إمكانية رصد كمية صغيرة من هذه الأشعة بالاعتماد على الطَّائرات التي تُحلق عند ارتفاعات عالية جداً (مثل مرصد كايبر)، أو التلسكوبات الموجودة في قمم الجبال الشاهقة (مثل قمة ماونا كيا في هاواي). المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات