تجربة كمومية تاريخية تثبت أن الكون غريب حقًا!

 كان قياس الفوتونات في حالتها المتشابكة جزءاً من التجربة.

Credit: Flickr/Alexandre Normand, CC BY


لم تشتهر نظرية بيل[1] (Bell's theorem)  في مجتمع الفيزياء إلا خلال العام الماضي مع حلول الذكرى الخمسين لها، حيث تُمثل هذه النظرية إثباتاً رياضياً على أن تنبؤاتٍ مؤكدةً في نظرية ميكانيكا الكمّ تتعارض مع السببيّة المحلية[1] (local causality) .تعد السببية المحلية افتراضاً علمياً طبيعياً جدًا وهي تتماشى مع كل النظريات العلمية الحديثة باسثناء ميكانيكا الكم.

ترتكز السببيّة المحلية على افتراضين، الأول هو مبدأ ألبرت آينشتاين للسببية النسبية ويقتضي أنه لا يمكن لأي سبب التأثير بسرعة أسرع من سرعة الضوء، ويرتبط هذا بالجزء المكاني المحلي للسببية المحلية.

أما الثاني فهو مبدأ شائع يحمل اسم الفيلسوف هانس رايشينباخ Hans Reichenbach والذي ينص تقريباً على أنه إذا كان بإمكانك معرفة جميع الأسباب لحدث محتمل، سيكون بإمكانك معرفة كل ما هو متعلق بالتنبؤ فيما إذا كان هذا الحدث سيحدث أم لا.

على الرغم من أن ميكانيكا الكم نظرية ناجحة للغاية، فقد طُبقت لوصف سلوك الأنظمة من الجسيمات تحت الذرية إلى النجوم النيوترونية، إلا أنها لا تزال مجرد نظرية.

وبالتالي، ولأن السببية المحلية هي فرضية طبيعية حول العالم، فقد مضت عقود عديدة في إجراء التجارب التي تبحث عن التنبؤات الدقيقة للغاية لميكانيكا الكم التي اكتشفها جوهان بيل في العام 1964.

إلا أن أياً من هذه التجارب لم تدحض بشكل تام تفسير السببية المحلية للمراقبات. فقد احتوت كل هذه التجارب على ثغرات وذلك لأنها لم تتم تماماً بالطريقة التي تتطلبها النظرية.

لا ثغرات


ولكن الآن حان الوقت لوضع نهاية للانتظار الطويل لاختبارٍ لنظرية بيل يخلو من الثغرات، فقد أكدت جمعية الفيزيائيين الأوروبية في ورقة نُشرت يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول في مجلة نيتشر  nature التنبؤات التي تتطلبها نظرية بيل، حيث أعدّوا تجربة دون القصور الذي ساد جميع التجارب السابقة.

تحتاج تجربة بيل على الأقل لموقعين أو مختبرين مختلفين (غالباً ما يتم تجسيدهما بشخصين خياليين اسمهما أليس وبوب) حيث تتم القياسات على جسيمات كمومية. على نحو محدّد، يتم في كل مكان على النحو التالي:

  1. اختيار الإعدادات للقياس عشوائياً.
  2. القياس مع الإعداد المختار.
  3. تسجيل النتيجة.


ستنجح التجربة فقط إذا كانت الجسيمات في مختبرين مختلفين في ما يسمى حالة الترابط، وتعتبر هذه التجربة حالة كمومية لجسيمين أو أكثر والتي تُحدد كنظامٍ كامل، ولا يعد من المستحيل في نظرية الكم أن يتم فصل جسيمات منفردة بإعادة كل منهما إلى حالة مستقلة عن الأخرى.

لقد كانت أكبر العيوب أو الثغرات في التجارب السابقة هما ثغرتا الفصل والكفاءة.

لسد الثغرة الأولى، يجب أن يكون المختبران بعيدين بشكل كافٍ عن بعضهما البعض (مفصولين جيدًا)، كما يجب أن تكون خطوات التجربة سريعة بشكل كافٍ أيضاً بحيث لا يتمكن الاختيار العشوائي للقياس في أي من المختبرين من التأثير على النتيجة المُسجلة في أي مختبر آخر بأي تأثير يسير بسرعة الضوء أو أقل منها، ويشكل ذلك تحدياً كبيراً بسبب سرعة الضوء العالية.

أما لسد الثغرة الثانية، فمن الضروري في اللحظة التي يتم فيها اختيار الإعداد أن يتم الإبلاغ عن نتيجةٍ ذات احتمالية عالية في الوقت المسموح به، وقد شكّل المشكلة بالنسبة للتجارب التي تستخدم الفوتونات (الجسيمات الكمومية للضوء) لأنه غالباً لا يتم الكشف عنها.

التجربة


استخدمت معظم تجارب بيل السابقة أبسط وضع ممكن، حيث يحتوي كل من المختبرين على فوتون واحد ويتواجد الفوتونان في حالة تشابك. نجح رونالد هانسون Ronald Hanson وزملاؤه في القيام بتجربتهم الخالية من الثغرات باستخدام ثلاثة مختبرات متواجدة على خط بطول 1.3 كيلومتر.

في نهاية كل مختبر، يقوم كل من أليس وبوب بعمل حالة متشابكة بين فوتون وإلكترون، حيث حافظا على الإلكترون (في شبكة ألماس) وأرسلا الفوتونات إلى المختبر في الوسط (والذي سأسميه خوانيتا). بعد ذلك يختار كل من أليس وبوب وضع وقياس الإلكترونات، بينما تقوم خوانيتا بقياسٍ مشترك للفوتونين.


يمكن القيام بقياسات أليس وبوب بشكل فعّال، ولكن خوانيتا، التي تحتوي على الفوتونات، لا تمتلك كفاءة على الإطلاق. ولكن يمكننا القول بأن هذا لا يفتح ثغرة، لأن خوانيتا لا تنتج أي خيار مقياسي إنما تقيس الفوتونيْن دائماً بنفس الطريقة.

كانت التجربة، التي أجريت في هولندا، مُكلفة من النواحي التقنية وقد تم إجراؤها فقط للحكم على السببية المحلية بشكل مقنع. يمكننا مبدئياً أن نطبق هذا الإنجاز لإنتاج بعض الأشكال الآمنة لعملية توزيع مهم وسري، ومع التحسينات المستمرة في التكنولوجيا نأمل أن يصبح ذلك حقيقة واقعة يوماً ما.

على الرغم من هذا ينبغي علينا في الوقت الحالي الاستمتاع بهذه النتيجة لأهميتها العلمية، حيث أنها أثبتت أنه لا فرضية تثبت أن التأثيرات السببية تنتشر أسرع من الضوء وأن الفكرة المتداولة حول معنى "السبب" تُعد خاطئة.

أما الشيء الوحيد الذي لم تحله هذه التجربة فهو أي من هذه الخيارات ينبغي علينا أن نختار؟ ليبقى الفيزيائيون والفلاسفة منقسمين كما هم دائماً حول إجابة على هذا السؤال، وحول ما يعنيه بالنسبة لحقيقة الطبيعة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • السببية (causality): تُشير إلى العلاقة الكائنة بين حدث (السبب) وحدث آخر (النتيجة أو التأثير)، حيث يكون الحدث الأول مسؤولاً بالضرورة عن ظهور الحدث الثاني.

اترك تعليقاً () تعليقات