كيف يتعلم الدماغ آلية عمل الأشياء؟

عندما تتعلم مصطلحًا تقنيًا جديدًا، شيءٌ ما يحدث بداخل دماغك، ولكن ما هو هذا الشي؟ هذا ما ظل لغزًا حتى الآن.

للمرة الأولى، تتبع علماء من جامعة كارنيغي ميلون Carnegie Mellon university، العمليات التي تحدث داخل المخ أثناء تعلم مصطلحاتٍ تقنية، وقد أظهرت النتائج المنشورة في دورية NeuroImage، كيف تُبنى المعرفة التقنية الجديدة في المخ في مراحلَ تعليميةٍ مختلفة، وبشرت هذه النتائج بالقدرة على تقييم فعالية التعليمات وكفاءة التعليم، وذلك بمراقبة التغييرات الحادثة في الدماغ.


يقول مارسيل جست Marcel just، عميد جامعة هيب وأستاذ علم النفس في كلية ديتريش للعلوم الإنسانية والاجتماعية: "أثمرت الدراسة عن نظرية مبدئية (قائمة على الدماغ) عن تعلم الأنظمة الميكانيكية، والتي تتعلق بالطرق المتعلقة بالتعليمات وبالعمليات المعرفية الناتجة التي تُشكل أساس تعلم العلوم. وسوف يكون من الممكن التقييم إذا ما كانت بعض التسلسلات التعليماتية تؤدي لنتائج دماغيةٍ أفضل أو أكثر خبرة دونًا عن غيرها. سيمكّن ذلك المعلمين من تعليم المخ بدلًا من التعليم من أجل الاختبارات".

 

تعاقب مراحل المعرفة العقلية أثناء تعلم الآلية الذاتية لعمل ميزان الحمام
تعاقب مراحل المعرفة العقلية أثناء تعلم الآلية الذاتية لعمل ميزان الحمام


فحصَ جست وزميله في جامعة كارنيغي ميلون، والمؤلف الأول لهذه الدراسة روبرت ماسون Robert Mason، أدمغة 16 شخصًا بالغًا صحيحًا، عندما تعلما أولَ مرةٍ كيفية عمل 4 أنظمة ميكانيكية شائعة. وتم عرض مجموعة من الصور والمخططات والنصوص للمشاركين، والتي وصفت العمل الداخلي لكل من: (ميزان الحمام، مطفأة الحريق، نظام المكابح، وبوق السيارة) بينما هم بداخل ماسح الدماغ Brain Scanner. 

وقد مكّن تسلسلُ التفسيرات الباحثين من اختبار الحالة الدماغية للمشاركين بعد كل خطوة تعليمية. على سبيل المثال، مُثِل ميزان الحمام بمخططٍ تمثيليّ ووصفي (يتكون ميزان الحمام من رافعة ونابض وسقاطة وقرص)، ثم وصف عمل الميزان في مجموعة من التفسيرات السببية مثل: وزن الشخص يبذل قوة دافعة للأسفل على الرافعة، الرافعة تجذب النابض للأسفل في تناسبٍ مع الوزن. حيث تم إبراز أجزاء المخططات التمثيلية وثيقة الصلة بالتفسير السببي لها. 

استخدم جست وماسون صور الرنين المغناطيسي الوظيفي Functional magnetic resonance imaging (اختصارًا FMRI) ليتتبعا كيف يتحول كل مصطلح أو مفهوم من كلماتٍ وصور، إلى تمثيلاتٍ عصبية على مناطق عديدة من الدماغ. وقد وجدا أن التمثيل العصبي يتقدم على مدار عدة مراحل، وفى كل مرحلةٍ يتضمن مناطق مختلفة من الدماغ والتي تلعب أدوارًا مختلفة. 


في البداية، تم تمثيل الأنظمة الميكانيكية في صورةٍ مرئية على علاقة بشكلها المادي، وفي المراحل الوسطى استخدم المتعلمون رسومًا عقلية متحركة تُصور حركة المكونات الميكانيكية، لاستنتاج كيف تتفاعل في سلسلة سببية مُشركةً شبكة متنوعة من المناطق الأمامية والجدارية والصدغية في قشرة المخ، وفى نهاية التعلم تخيل المشاركون كيف يتعامل الشخص -على الأغلب تخيلوا أنفسهم- مع النظام، مستخدمين منطقتي المخ الجبهية والحركية.

قال ماسون وهو باحث في علم النفس و عضو مركز الأساس العقلي للمعرفة Center for the Neural Basis of Cognition أو اختصاراً (CNBC): "يُمَكّننا التصوير العصبي من فحص النتيجة النهائية، ليس هذا فحسب، ولكنه يتيح لنا أيضًا فحص الحالات الوسطى التي يمر بها الدماغ أثناء التعلم. بعد أن تتعلم أن القوة الموجهة لسائلٍ مغلقٍ متعلقة بآلية عمل مكابح السيارة، وبعد أن تتعلم طبيعة العلاقة بين القوة المطبقة على سائلٍ مغلق في عمل مطفأة الحريق، فإن تمثيل الدماغ لكل من هذين النظامين المختلفين يزداد تشابهًا، وهذا يوفر دليلًا على أن التعليمات المناسبة، من الممكن أن توضح الفهم الأساسي لكيفية عمل الأشياء على المستوى العميق، وسيكون التعليم حتى هذا المستوى العميق (كما نقيسه بالتمثيلات الدماغية) من الممكن تطبيقه في مفاهيم وتخصصاتٍ علميةٍ في المستقبل".

يَجمع هذا البحث الجديد بين علوم الدماغ والإبداع في التعليمات، وهما اثنان من مبادرات جامعة كارنيغي ميلون الواسعة. جامعة كارنيغي ميلون رائدة في دراسة الدماغ والسلوك لأكثر من خمسين عامًا؛ فهي محل ميلاد الذكاء الاصطناعي وعلم النفس المعرفي، وقد أفرزت الجامعة عن البعض من أوائل المعلمين المعرفيين cognitive tutors، كما ساعدوا في تطوير نظام الحاسوب "واتسون" الفائز في برنامج "المحك"[1]، وقاموا بتأسيس برنامج الدكتوراه المبتكر في الحوسبة العصبية، وأنهوا عملًا متقدمًا جدًا في فهم جينات التوحد. 

كما قامت جامعة كارنيغي ميلون حديثًا بإطلاق BrainHub-SM (وهي مبادرة عالمية تركز على كيفية إنتاج النشاطُ والتكوينُ المخيُّ السلوكياتِ المعقدة)، بانية ذلك على تفوقها في الأحياء، علوم الحاسب الآلي، علم النفس، الإحصاء، والهندسة.

تخليدًا لاسم هاربيت سيمون Herbert Simon، وهو آخر حائزٍ لجائزة نوبل من جامعة كارنيغي ميلون والأستاذ بها والمؤسس المشارك للذكاء الاصطناعي، فإن مبادرة سيمون تسخر نظامًا بيئيًّا متعدد التخصصات، لتعلم العلوم التي تم تطويرها في جامعة كارنيغي ميلون على مدار عقود عدة، بهدف تحسين نتائج تعليم الطلاب بشكلٍ ملموس. 

قام مكتب الأبحاث البحرية بتمويل هذه الدراسة.

ملاحظات:


[1] واتسون هو نظامٌ حاسوبيٌ صممته IBM خصيصًا للإجابة على أسئلة برنامج المسابقات المعروف باسم Jeopardy (أو "المحك" في نسخته العربية) وقد تنافس هذا الحاسوب أمام اثنين من الفائزين السابقين في هذا البرنامج وتفوق عليهما.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات