التقط تلسكوب هابل التابع لناسا ووكالة الفضاء الأوروبية الصورة الأولى من نوعها لانفجار متوقع لنجم مستعر (سوبرنوفا). تم حساب الظهور الثاني للمستعر الأعظم "ريفسدال" Refsdal من نماذج عدة للعنقود المجري، والذي تحرف جاذبيته المهولةُ ضوء المستعر الأعظم القادم إلينا.
تُنهي معظمُ النجوم حيواتِها بانفجار، ولكننا لم نشاهد إلا القليل فقط من هذه الانفجارات النجمية أثناء حدوثها؛ ذلك أن النجوم عندما تكون في وضع الانفجار، يكون التقاطها ضربًا من الحظ الصرف. ولكن ذلك تغيّر الآن؛ ففي الحادي عشر من كانون الأول/ديسمبر 2015، قام الفلكيون بتصوير مستعر أعظم إبان انفجاره، وليس هذا فحسب، وإنما استطاعوا القيام بذلك بناءً على حسابات دقيقة للزمان والمكان اللَّذيْن سيجري فيهما الحدث.
رُصِد هذا المستعر الأعظم، والذي سمي بـ"ريفسدال" [1] في العنقود المجري MACS J1149.5+2223. احتاج الضوء الصادر من العنقود المجري 5 مليارات سنة ليصل إلينا، إلا أن المستعر الأعظم نفسَه كان قد انفجر في وقت مبكر قبل ذلك، أي قبل حوالي 10 مليارات سنة مضت [2].
بدأت قصة ريفسدال في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 عندما رصد العلماء أربع صور منفصلة للمستعر الأعظم في ترتيب نادر يدعى بصليب أينشتاين حول المجرة الموجودة في [3] (MACS J1149.5+2223 (heic1505 . أما الخداع البصري الكوني هنا فقد كان بسبب كتلة مجرة موجودة في داخل العنقود، تقوم هذه المجرة بحرف وتكبير الضوء القادم إلينا من الانفجار النجمي، في ظاهرة تعرف باسم "التعديس الثقالي" [4] gravitational lensing .
يوضح ستيف رودني Steve Rodney، وهو مؤلف مشارك من جامعة ساوث كارولينا: "بينما كنا ندرس المستعر الأعظم، لاحظنا أن المجرة التي يجري الانفجار فيها هي مجرة يحرف ضوءَها القادم إلينا التعديسُ الثقالي الذي يتسبب به العنقود النجمي. نستطيع رؤية المجرة المضيفة للمستعر الأعظم في ثلاث صور على الأقل بسبب كتلة العنقود المجري، والتي تقوم بحرف الضوء إلينا".

تُمثل هذه الصور المتعددة للمجرة فرصة نادرة؛ فلأن المادة الموجودة في العنقود المجري، المرئية منها والمظلمة، موزعة بشكل متساوٍ، يتخذ الضوء المكون لكل من هذه الصور مساراً مختلفاً بطول موجة مختلف. وبالتالي، تكون الصور للمجرة المحتوية على المستعر الأعظم مرئية لنا في أوقات مختلفة من زمنها.
باستخدام علماء الفلك لمجرات أخرى في العنقود وصل إلينا ضوءها بالتعديس، وبدمج هذه المجرات مع اكتشاف واقعةِ صليب أينشتاين في 2014، فقد استطاعوا أن يقوموا بتنبؤات دقيقة للظهور الثاني للمستعر الأعظم. كما أشارت حساباتهم إلى أن المستعر الأعظم كان قد ظهر مرة من قبل، وذلك في صورة ثالثة للمجرة المضيفة في 1998، وهي واقعة لم يرصدها أي تلسكوب. ومن أجل قيامهم بهذه التنبؤات، فقد احتاجوا إلى استخدام بعضٍ من تقنيات النمذجة المعقدة.

يوضح توماسو ترو Tommaso Treu، مؤلف رئيسي لورقة المقارنة النمذجية، من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، الولايات المتحدة الأميركية: "قمنا باستخدام سبعة نماذج مختلفة للعنقود النجمي من أجل حساب متى وأين سيظهر المستعر الأعظم في المستقبل. لقد استهلك الأمر مجهوداً كبيراً من جميع العلماء من أجل أن يجمعوا البيانات التي نحتاجها، مستخدمين هابل، وVLT-MUST، ومرصد كيك، وكذلك من أجل أن يبنوا نماذج عدسات الثقالة. وبشكل لافت للنظر، فقد تنبأت النماذج السبع كلها بنفس الفترة الزمنية تقريباً والتي سيظهر عندها النجم المنفجر".
منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2015، وهابل ما يزال ينظر بشكل دوري للعنقود المجري MACS J1149.5+2223، آملًا أن يرصد العودة المميزة لهذا الانفجار البعيد وأن يبرهن أن النماذج كانت صحيحة. في 11 ديسمبر/كانون الأول، ظهر ريفسدال كما كان متوقعاً، إلاأن ظهوره كان من الروعة بحيث إنه لن يتكرر له مثيل.
يُظهر هذا الفيديو التجليات الثلاثة للمستعر الأعظم في العنقود المجري MACS J1149.5+2223. أظهرت الحسابات أن الصورة الأولى للمستعر الأعظم ظهرت في 1998 (وهي واقعة لم ترصدها التلسكوبات). أما الصورة الثانية فقد شكلت ما يعرف بصليب أينشتاين بشكل مثالي تقريباً، والذي رُصِد في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 (heic1505). تم رصد الظهور الأخير من قبل تلسكوب هابل التابع لناسا ووكالة الفضاء الأوروبية في 11 ديسمبر/كانون الأول 2015، وذلك كما تنبأت به بشكل سليم نماذج مختلفة.
تم توضيح مواقع الحوادث الثلاث في هذا الفيديو عن طريق تمثيلٍ متحركٍ لمستعر أعظم، مع أن تقاطع أينشتاين واضح أيضاً في الصورة الأصلية.
حقوق الصورة: ESA/Hubble، موسيقى: Johan B Monell
"لقد عرض هابل الطرق العلمية الحديثة في أبهى حالاتها. كما أن اختبار التنبؤات باستخدام الأرصاد يوفر لنا سُبُلًا قوية من أجل تعزيز فهمنا للكون". هذا ما علق به باتريك كيلي Patrick Kelly، مؤلف رئيسي للأوراق العلمية الخاصة باكتشاف النجم والظهور الثاني له، كما أنه مؤلف مشارك في ورقة المقارنة النمذجية، من جامعة كاليفورنيا بيركيلي، الولايات المتحدة الأمريكية.
يعتبر رصد الظهور الثاني لريفسدال فرصة مميزة لعلماء الفلك ليفحصوا نماذجهم المتعلقة بكيفية توزيع الكتلة في عنقود نجمي (وبخاصة تلك الكتلة المتعلقة بالمادة المظلمة الغامضة). والآن يتشوق علماء الفلك ليروا ماذا سيكشف لهم برنامج هابل المستمر "فرونتير فيلدز" في المستقبل.
ملاحظات
[1] سمي المستعر الأعظم باسم "ريفسدال" تكريماً لعالم الفلك النرويجي شور ريفسدال Sjur Refsdal، والذي كان أول من اقترح عام 1964 فكرة دراسة توسّع الكون باستخدامه الصور المتأخرة زمنياً لمستعر أعظم يراه الفلكيون بسبب ظاهرة التعديس.
[2] استُخدم مرصد دبليو إم كيك في ماونا كيا، في هاواي من أجل قياس الانزياح نحو الأحمر للمجرة الحاوية للمستعر الأعظم (بقيمة z=1.491)، وهذا الانزياح يعتبر تقريباً لبعد هذه المجرة.
[3] المسح الموشوري الحزيزي المُوَسَّعُ بالعدسات من الفضاء Grism Lens Amplified Survey from Space واختصارًا (GLASS) وبرنامج "فرونتير فيلدز". كلا هذين المسحيْن يقومان باستغلال الخصائص التعديسية للعناقيد المجرية من أجل قياس المادة المظلمة في تلك المجرات وبعض من المجرات البعيدة جداً خلفها.
[4] تقوم ظاهرة التعديس الثقالي بتكبير الضوء من الأجسام الموجودة في الخلفية ذات الضوء الخافت، ما يسمح لهابل بأن يرصد المجرات التي لم يكن ليرصدها دون هذه الظاهرة. هذه العملية توقعها أينشتاين من قبل، ويستغلها الآن برنامج "فرونتير فيلدز" من أجل إيجاد بعض المجرات البعيدة جداً في الكون.