الطريق الأمثل نحو المريخ!

فيلم المريخي The Martian / شركة 20th Century Fox للأفلام

لكي تصل إلى كوكب المريخ، على مركبات ناسا التي ستتوجّه نحو الكوكب الأحمر أن تتوقف عند القمر أولاً قبل متابعة المسير. هذا ما أفادت به مجموعة من الباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology، أو اختصاراً MIT. وهذا مسارٌ مختلف تماماً عن المسار الذي اعتمده رواد الفضاء في ناسا عندما ذهبوا في رحلتهم المتخيلة إلى المريخ في فيلم الخيال العلمي الأخير، "المريخي" The Martian. 

كما أن هذا المسار مختلف جداً عن المسار الذي اعتمدته وكالة ناسا في خططها الخاصة باستكشاف المريخ والتي تُعرف باسم هندسة التصميم المرجعي للمريخ 5.0 Mars Design Reference Architecture. لكن ربما على وكالة ناسا الآن أن تُعيد النظر في تصاميمها إذا ما أرادت أن تجعل من رحلات استكشاف الفضاء السحيق المأهولة رحلاتٍ مستدامة. هذه هي الخلاصة التي توصّل إليها الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والتي قاموا بطرحها ضمن ورقة علمية نُشرت في مجلة المركبات الفضائية والصواريخ Journal of Spacecraft and Rockets.

كما تحدّثت هذه المجموعة العلمية، والتي شملت أيضاً باحثين من جامعة كيو في اليابان ومختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory التابع لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في لوس أنجلوس، عن مستقبل الرحلات المأهولة إلى الكوكب الأحمر ووصفتها بأنها ستكون رحلاتٍ روتينية، وسيكون القمر بمثابة محطة توقّف مؤقتة في الطريق نحو المريخ. 


في هذا الصدد يصفُ الباحثون هذه الفكرة في ورقتهم العلمية قائلين: "في العقود القادمة نتوقّع أن تتحوّل رحلات استكشاف الفضاء من مجرد مجموعة من الرحلات المنفصلة إلى سلسلة من الحملات المرتبطة مع بعضها البعض بشكل وثيق". وفي حال أصبح هذا المستقبل حقيقةً واقعية، فعلى وكالات الفضاء عندها أن تهتم بمعرفة المسار الأمثل نحو المريخ من أجل التقليل من التكاليف. 

لمَ القمر؟


عندما يتعلق الأمر بالسفر نحو أعماق الفضاء، فهناك خياران يجب أخذهما بعين الاعتبار

  1.  قم بتجهيز ما تحتاج إليه قبل الانطلاق وارسم مساراً مستقيماً نحو المريخ (أو غيره من الوُجهات الكونية).
  2.  قم بتجهيز بعض ما قد تحتاجه قبل الانطلاق ثم اجمع ما تبقى من المُؤن من خلال التوقّف في محطّات مؤقتة متواجدة على الطريق إلى المريخ.
     

وقد قامت مجموعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بإعداد سلسلة من الحسابات الدقيقة من أجل تحديد أي الخيارين هو الأفضل والأكثر فاعلية.  في النهاية، استنتجت المجموعة أنه يمكن لرواد الفضاء الانطلاق من الأرض حاملين معهم حوالي 68% فقط من الوزن إذا ما اختاروا الخيار الثاني. أما حسب الخيار الأول فسيكون عليهم أن يحملوا معهم الكثير من الوقود السائل الثقيل. لكن يمكنهم تفادي ذلك من خلال الحصول على هذا الوقود من محطات التوقف قرب القمر وبالتالي تخفيف وزن الانطلاق. 

من أين يمكن الحصول على هذا الوقود؟ 


قد يحتوي القطب الجنوبي للقمر على كميات كبيرة من الماء على شكل جليد محتجزٍ في زوايا الفوهات التي لا تتعرض لضوء الشمس، ويمكن تحويل ذلك الجليد إلى وقود لاستخدامه في تموين المركبات. 


من سيقوم بهذه العملية؟ الآلات أو البشر، إذ سيقومون باستخراج الجليد والحصول على الأكسجين من جزيئات الماء وتحويله إلى أكسجين سائل، ومن المعروف أن الأكسجين السائل هو مصدر الوقود الرئيسي للكثير من الصواريخ في هذه الأيام. وقد أبدت العديد من الدول، من بينها روسيا وأوروبا اهتماماً بالقمر لهذا الغرض بالتحديد. 


في البداية، ستكون محطات التزويد بالوقود متواجدة قرب القمر، لكن في مراحل متقدمة سيتم نقلها إلى مواقع أبعد في الفضاء على طول مسار الرحلة إلى المريخ كما هو واضح في الرسم أدناه


حقوق الرسم: كريستين دانيلوف/معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا
حقوق الرسم: كريستين دانيلوف/معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا


إن إطلاق الصاروخ بحمولة خفيفة له فوائد أخرى أيضاً مثل تقليل التكلفة الكلية للرحلة كلها. وقد أفاد أوليفيير دي ويك Olivier de Weck، المؤلف المشارك للورقة العلمية المذكورة وأستاذ الطيران والملاحة الفضائية والهندسة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في مقابلة مع موقع فوربس Forbes، بأن التقليل من وزن الصاروخ بنسبة 68% قد يساهم في توفير ما لا يقل عن 8.5 مليار دولار أمريكي من تكاليف كل رحلة مأهولة من رحلات المريخ. 


وهذا التخفيض في التكلفة مشابه جداً لتقدير آخر أُعلِن عنه في وقت مُبكر من هذا العام من قِبل شركة نيكس جين للفضاء المحدودة NexGen Space LLC. وقد استعانت ناسا بشركة نيكس جين لكي تُحدّد مقدار تكلفة خطة محطات القمر. في تقريرها، أفادت شركة نيكس جين أن إنشاء محطة إعادة التزود بالوقود القمرية "سوف تُقلّل من تكاليف إرسال البشر إلى المريخ بحوالي 10 مليارات دولار أمريكي كل عام."


هذا وتُقدم الحسابات التي وضعها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا تقديرات حالية لعمليات الإطلاق تصل إلى حوالي 10,000 دولار أمريكي لكل كيلوغرام من الحمولة، وفق ما أفاد به دي ويك في مقابلته مع فوربس، وهي تكاليف سيكون بالإمكان التقليل منها مع بدء استخدام الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام. 

حقوق الصورة: أرشيف مشروع أبولو
حقوق الصورة: أرشيف مشروع أبولو


لكن خطة توفير الـ 8.5 مليار دولار أمريكي هذه تُركّز فقط على تكاليف الرحلة نفسها ولا تأخذ بعين الاعتبار التكاليف الهائلة والوقت اللازم لـ


  1. إطلاق المعدات إلى القمر. 
  2.  بناء قاعدة تعدين على سطح القمر. 
  3. إنشاء مصنع كيميائي قريب في الفضاء يعمل كنقطة التقاء مخصصة للمركبات الفضائية المأهولة. 
  4. تصميم نظام مواصلات منتظم لإيصال الماء من موقع التعدين إلى المصنع. 


مع ذلك فإن مجموعة الباحثين تُؤكد على أنه


"إذا تمكنّا من إدارة التكاليف والمخاطر التشغيلية فإنه يمكن لهذه الفكرة أن تكون أفضل بكثير من الاستراتيجية الحالية الخاصة باستكشاف المريخ والمنصوص عليها في هندسة التصميم المرجعي للمريخ 5.0."


من جهته أفاد تاكوتو إيشيماتسو Takuto Ishimatsu، أحد المؤلفين المشاركين في الورقة العلمية وأستاذ ما بعد الدكتوراة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، في لقائه مع وكالة أنباء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT News، بأن الخطة ليست ضرورية لإطلاق أول رحلة نحو المريخ، لكنها ستكون مهمة في المستقبل عندما نقوم بإرسال رحلات متكررة إلى الكوكب الأحمر بحيث تصبح هذه الرحلات أقل تكلفة وأكثر استدامة. 


ويُضيف إيشيماتسو: "هدفنا الأكبر هو استعمار المريخ وإنشاء مستعمرة بشرية دائمة وذات اكتفاءٍ ذاتي هناك. لكن الأمر المهم أيضاً هو أن نقوم بتمهيد الطريق في الفضاء بحيث يُصبح بمقدورنا أن نُسافر بين الكواكب بأقل التكاليف."

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات