الزمكان يتموج

الأمواج الثقالية بالمعدلات

 

"سيداتي، سادتي لقد اكتشفنا الأمواج الثقالية"! هذا ما أعلنه ديفيد رايتز David Reitze، وقد استُقبل هذا الأمر بالاحتفال والترحيب في كافة أرجاء العالم بما في ذلك مكتبنا، حيث شاهدنا المؤتمر الإعلامي الذي ضمّ فيزيائيين وعلماء رياضيات في جامعة كامبريدج. أعلن رايتز- وهو المدير التنفيذي لمشروع لايغو LIGO (مرصد قياس التداخل للأمواج الثقالية)- أنهم رصدوا في 14 سبتمبر/أيلول 2015 تموجات في نسيج الزمكان space-time، والتي تنبأ بها ألبرت أينشتاين عام 1916؛ وهذا النوع الخاص من الأمواج الثقالية نجَمَ عن تصادم ثقبين أسودين على بعد مليار سنة ضوئية من الأرض.


يقول ديف تونغ David Tong، عالم الفيزياء النظرية في جامعة كامبريدج: "إنه اكتشاف تاريخي، فهو يختبر نظرية أينشتاين داخل أنظمة لم يسبق اختبارها فيها من قبل".
 



محاكاة حاسوبية لاندماج ثقبين أسودين
المصدر: SXS


وانطلاقاً من اسمها، تتصل الأمواج الثقالية (gravitational waves) بالجاذبية التي نعرفها جميعنا. في العام 1687 صاغ إسحاق نيوتن Isaac Newton القانون الكوني في الجاذبية، الذي يصف قوة التجاذب الكائنة بين جسمين. صمد هذا القانون حتى عام 1905 عندما نشر أينشتاين نظرية النسبية الخاصة؛ إذ تقول هذه النظرية بوجود حد كونيّ للسرعة، ولا يُمكن لشيء أن يتحرك بسرعة أكبر من ذلك الحد البالغ تقريبًا 300 ألف كيلومتر في الثانية. يتناقض هذا الأمر مع نيوتن، الذي اعتقد بأن تأثير الجاذبية لحظي: إذا ما قمنا بإزالة الشمس، فإن التأثير سيصل إلى الأرض في الحال.

عالج أينشتاين هذه المسألة عبر اقتراح أن الجاذبية ليست بقوة تنتشر عبر الأثير بطريقة غريبة، وإنما هي نتيجة لانحناء المكان. ومن بين أكثر الأمثلة التي تُطرح لتشبيه الأمر: كرة تقع على منصة ترامبولين. تخلق هذه الكرة انخفاضًا في الترامبولين وتحني سطحه، وبالتالي فإن أي حجر يُوضع بالقرب سوف يدور متجهاً نحو الانخفاض الذي أحدثته الكرة. ووفقاً لأينشتاين، تتسبب الأجسام فائقة الكتلة في حصول انحناء في المكان بطريقة مشابهة، ما يتسبب في جذبها للأجسام الأقل كتلة.

ومن بين إحدى نتائج نظرية أينشتاين في الجاذبية: أنه عندما يلتقي وحشان ثقاليان مع بعضهما، كالثقوب السوداء (black holes)، يؤدي ذلك إلى خلق تموجات يُمكن الشعور بها عبر الفضاء والزمن. يشرح خبير الجاذبية بانغالور ساتيابراكاش Bangalore Sathyaprakash في "كيف تعمل الجاذبية"

 

الأمر قائلًا: "يكون انحناء الزمكان قرب الثقوب السوداء هائلًا. تخيل ثقبين أسودين يتحركان حول بعضهما البعض، الانحناء سيكون كبيرًا ولكنه متغير أيضًا. وهذا الأمر يشبه قليلًا (إلى حد ما) وضع عصاً في حوض وتحريكها. سيؤدي ذلك إلى توليد أمواج في الماء. وفي حالة الثقوب السوداء فقط، سنكون قادرين على التحدث عن التموجات في نسيج الزمكان". وهذه التموجات هي الأمواج الثقالية التي سعى وراءها باحثو لايغو.

 

يحتوي لايغو على كاشفين: أحدهما في هانفورد بواشنطن، والآخر في لايفنغستون في لويزيانا؛ ولكلٍ من الكاشفين شكل حرف L، وطول يبلغ حوالي 4 كيلومترات. وفي نهاية كل منهما توجد مرآة يمر عبرها ليزر ذهابًا وإيابًا، ما يساهم في كشف المسافة الكائنة بين المرايا.

 

تُشوه الأمواج الثقالية نسيج الزمكان، ما يعني أنها تشوه أيضًا المسافة بين المرايا؛ ودقة قياس لايغو لهذه المسافة مذهلة، وتُكافئ دقة قياس المسافة بين الشمس وأقرب النجوم (التي تبعد 3.75 سنة ضوئية) دقةً تصل لعرض شعرة إنسان.


تقول غابيريلا غونزاليس Gabriela González المتحدثة باسم التعاون العلمي: "إنّ هذه التأثيرات للأمواج الثقالية صغيرة جدًا، وسيقتنع علماء الفيزياء باكتشافهم هذه الأمواج، فقط إذا شاهدوا الحدث نفسه في موقعين مختلفين".

 

وهذا الحدث حصل في لايغو هانفورد، وفي لايفينغتون بعد ذلك بحوالي سبعة ميلي ثانية؛ وقد كانت الإشارات الموجودة في الكاشفين متطابقة، ويُمكن رؤية ذلك عبر وضعها معًا (انظر الصورة في الأسفل)، لكن إشارة لايفينغتون انزاحت بمقدار سبعة ميلي ثانية. هذا الحدث "هبة من هبات الطبيعة" وفقًا لغونزاليس، وهو حدث أنتج إشارات واضحة جدًا ويُمكن رؤيتها في البيانات بالعين المجردة.
 

الإشارات المرصودة بواسطة كاشفين مختلفين (هانفورد ولايفينغتون) مقارنة مع التنبؤات النظرية. ويبين الجزء السفلي من الصورة أن هذه النماذج متوافقة تمامًا.  المصدر: SXS
الإشارات المرصودة بواسطة كاشفين مختلفين (هانفورد ولايفينغتون) مقارنة مع التنبؤات النظرية. ويبين الجزء السفلي من الصورة أن هذه النماذج متوافقة تمامًا. المصدر: SXS


الميزة الإضافية الأخرى لامتلاكنا كاشفين، تكمن في لعبهما دور الأذنين، ما سمح لعلماء لايغو بإرجاع الإشارة إلى منطقة محددة من الكون. وهذه هي البداية فقط، إذ ستقوم كواشف أخرى من أوروبا وآسيا بتعزيز قوة الكشف وتحديد مصادر الأمواج الثقالية.

 

يقول كيب ثورن Kip Thorne، وهو واحد من المؤسسين المشاركين في مشروع لايغو: "فتح لايغو نافذة جديدة على الكون. أنتجت النوافذ السابقة- تلك المعتمدة على التلسكوبات البصرية والراديوية - مفاجآت كثيرة، لكن جميعها استخدمت الأمواج الكهرومغناطيسية. الأمواج الثقالية مختلفة بشكلٍ جذري عن الأمواج الكهرومغناطيسية، ولايغو هو البداية فقط لعلم فلك الأمواج الثقالية".

وصف ثورن أرصادنا السابقة لنسيج الزمكان بأنها محيط هادئ، ولطالما تنبأت معادلات أينشتاين بأن تصادم الثقوب السوداء سيؤدي إلى ظهور عاصفة عنيفة في نسيج الزمكان؛ وتُضيف غونزاليس: "لم نرَ سابقًا هذا المحيط وهو يُشوى (يهدر) داخل عاصفة من الأمواج المتصادمة".

 

الآن يُمكنك سماع العاصفة العنيفة القادمة، ويُسجل لايغو الأمواج الثقالية كصوت، إذ تبدو الأمواج الثقالية الناجمة عن تصادم الثقوب السوداء مثل زقزقة صغيرة داخل ضجيج الخلفية الكونية، وتتابع غونزالي: "إنها البداية فقط. لدينا الآن كواشف قادرة على كشف هذه الأنظمة، وسنبدأ الآن بالإصغاء إلى الكون".

يوافق تونغ على ذلك، ويُضيف: "الأمر الأكثر إثارة هو ما سيحصل لاحقًا، ففي المستقبل القريب قد نتمكن من رؤية العشرات من تلك الأحداث كل عام: تصادم ثقوب سوداء ونجوم نيوترونية (neutron stars)، ومن يعلم ماذا سنشاهد أيضًا. لدينا طريقة جديدة للنظر إلى الكون، وستُعلمنا الكثير".


الجاذبية في معادلات


افترض نيوتن أن قوة الجاذبية بين جسمين ستكون على الشكل التالي:


\(F =G \frac{m1m2} {r^2} \)

 

حيث m1 وm2 هما كتلتا الجسمين على التوالي، وr هي المسافة الكائنة بينهما، وG هو ثابت الجاذبية العام، والذي تبلغ قيمته \(6.6710^{11} N(m/kg)^2\)

في حين أن نظرية النسبية العامة لأينشتاين

تنص على:


\(R_{\mu v}-\frac{1}{2}Rg_{\mu v}=\frac{G}{8 \pi c^4}T_{\mu v} \)
 

تُخبرنا هذه المعادلة وبشكلٍ رئيسي أن كمية معينة من المادة والكتلة تتسبب في انحناء الزمكان، والجانب الأيسر من المعادلة


\(R_{\mu v}-\frac{1}{2}Rg_{\mu v} \)



يصف انحناء الزمكان الذي نستقبل تأثيره على شكل قوة جاذبية؛ وهو المكافئ للحد F في الجانب الأيسر من معادلة نيوتن.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأمواج الثقالية (gravitational waves): عبارة عن تموجات في الزمكان، نشأت عن حركة الأجسام في الكون. أكثر المصادر التي تُنتج مثل هذه الأمواج، هي النجوم النترونية الدوارة، والثقوب السوداء الموجودة خلال عمليات الاندماج، والنجوم المنهارة. يُعتقد أيضاً بأن الأمواج الثقالية نتجت أيضاً عن الانفجار العظيم. المصدر: ناسا
  • النجم النيوتروني (Neutron star): النجوم النيوترونية هي أحد النهايات المحتملة لنجم. وتنتج هذه النجوم عن نجوم فائقة الكتلة -تقع كتلتها في المجال بين 4 و8 ضعف كتلة شمسنا. فبعد أن يحترق كامل الوقود النووي على النجم، يُعاني هذا النجم من انفجار سوبرنوفا، ويقوم هذا الانفجار بقذف الطبقات الخارجية للنجم على شكل بقايا سوبرنوفا جميلة.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات