ما هي قصة 29 فبراير؟

لماذا سيكون عام 2016 أطول من عام 2015؟ السبب هو شهر فبراير/شباط. باعتبار أن سنة 2016 هي سنة كبيسة، فإن شهر فبراير/شباط يكون فيها أطول من المعتاد، حيث يبلغ عدد أيامه 29 يوماً. و لكن هل تساءلت: لمَ يعمل التقويم بهذه الطريقة؟ 

حسنا، للموضوع علاقة بدوران الأرض حول الشمس (أو بدوران الشمس حول الأرض، في المرحلة السابقة لنظرية كوبرنيكوس [1]). يبلغ عدد أيام السنة العادية 365 يوماً، ولكنّ الفترة التي تستغرقها الارض في الدوران حول الشمس هي تقريبا ¼365 يوم. وهذا يعني أنه إذا لم تكن هناك سنة كبيسة، فإن فصول السنة ستتأخر عن موعدها يوما واحدا كل أربع سنوات تقريبا، فعلى سبيل المثال سيأتي فصل الربيع في وقت متآخر عن المعتاد في التقويم مع مرور السنين.

لحل هذه المشكلة، قام القائد الروماني يوليوس قيصر Julius Caesar - استناداً إلى نصيحة عالم الرياضيات سوسيجينس Sosigenes- بإصلاح التقويم في عام 46 قبل الميلاد، بحيث أنه بعد كل ثلاث سنوات طولها 365 يوما لكل واحدة، يكون طول السنة الرابعة 366 يوما. 

كانت التقويمات ذات الـ 365 يوما مستخدمة في بلاد الفرس ومصرفي ذلك الوقت، وقد عانت من تأثير تآخّر موعد الفصول بسبب التضارب بين التقويم والسنة الشمسية. أما الرومان فكان لديهم في فترة سابقة نظام أكثر تعقيدا ساعدهم على تجنب هذه المشكلة: حيث أنهم أحدثوا تناوباً بين السنوات التي يبلغ طولها 355 يوما وبين سنوات تحتوي على شهر إضافي مكون من 22 أو 23 يوما. ومن المحتمل أن يكون هذا النظام ساعدهم في إحداث تزامن بين تقويمهم وبين مواعيد الفصول، ولكن يجب الآخذ بعين الاعتبار أن هذه الزيادات لم تكن دائما منتظمة؛ لأنها كانت محددة من قبل الكهنة الذين كان لديهم في بعض الأحيان أسباب سياسية لتقصير أو إطالة السنة. 

طول العام هو تقريبا الوقت الذي تستغرقه الأرض (الكوكب الثالث من الوسط) للدوران حول الشمس مرة واحدة.  (المصدر: NASA / JPL).
طول العام هو تقريبا الوقت الذي تستغرقه الأرض (الكوكب الثالث من الوسط) للدوران حول الشمس مرة واحدة. (المصدر: NASA / JPL).

أدى ابتكار قيصر إلى ظهور تقويم يسمي بالتقويم اليولياني (Julian calendar) يستند إلى فكرة مفادها أنّ كل أربع سنوات تتضمّن سنة كبيسة يكون فيها يوم إضافي، وكان هذا الأمر يتفق، إلى حد معقول، مع الحركة الظاهرية للشمس علي المدى القصير. ولكن السنة الشمسية - الوقت بين الاعتدالات الربيعية المتعاقبة – هي في الواقع أقصر قليلا من ¼365 يوم، لذا، وبعد مضي آلاف السنين، فإن الفصول التي تقاس بالتقويم ستبدأ في وقت أبكر قليلاً مما هي عليه في الواقع. فبحلول القرن السادس كان هذا الاختلاف، الذي وصل الآن إلى 10 أيام، واضحا للغاية.

وقد ترتب على هذا الأمر نتائج ملموسة: حيث استخدمت بعض الطوائف الكنسية موعد الاعتدال الربيعي (الذي تحدده الشمس) لحساب تاريخ عيد الفصح، في حين أن كنيسة روما تستخدم 25 مارس (حسب التقويم) في حسابتها، وعليه كانت نتيجة انحراف التقويم هي عدم احتفال المسيحين بشكل موحد بعيد الفصح. 

ولمعالجة هذه المشكلة أحدث البابا غريغوريوس الثالث عشر Pope Gregory XIII عام 1582 عدة تغييرات في التقويم بهدف إصلاحه، فبدلاً من أن يكون العام الرابع سنة كبيسة، فإن السنوات المئوية (المئة و مضاعافتها) يجب أن تكون قابلة للقسمة على 400 حتى تعتبر سنوات كبيسة. و بهذه الطريقة اصبح العام في التقويم 365.2425 يوم بدلا من من 365.25 يوم أي بنسبة تصحيح 0.002٪ ، الأمر الذي جعل السنة في التقويم أقرب إلى السنة الشمسية.

التقويم الغريغوري


اعتُمد التقويم الغريغوري الجديد في الدول الخاضعة لحكم البابا وذلك بإضافة 10 أيام إلى يوم الخميس 4 أكتوبر/تشرين الأول من سنة 1582م، بحيث يصبح تاريخ يوم الجمعة هو 15 أكتوبر/تشرين الأول، وبالتالي حُذفت عشرة أيام من سنة 1582. وأثناء هذا الحدث، توفيت الزاهدة الإسبانية سانت تريزا Saint Teresa من مدينة أفيلا Avila في هذه الليلة، فكان السؤال هنا: هل توفيت قبل منتصف الليل في 4 أكتوبر، أم صباح يوم 15 أكتوبر!. 


كانت البلدان البروتستانتية ملتزمة باستخدام التقويم اليولياني لبعض الوقت. فطلبت ملكة إنجلترا إليزابيث Elizabeth من عالم الرياضيات جون دي John Dee تقديم المشورة بشأن إصلاح التقويم، فاقترح عليها حلا مختلفا هو حذف أحد عشر يوما بدلا من عشرة أيام كما هو متبع في التقويم الغريغوري . ولم تعتمد المملكة المتحدة التقويم الغريغوري إلا في سنة 1752، بحيث تمت إضافة 11 يوماً إلى يوم الأربعاء الواقع بتاريخ 2 سبتمبر/أيلول، ليصبح بذلك تاريخ يوم الخميس هو 14 سبتمبر/أيلول.


جعلت عملية الاستغناء عن أحد عشر يوما من السنة التقويم البريطاني متوافقاً مع التقويم الغريغوري المستخدم في قارة أوروبا. وفي حين أن الولايات البابوية حذفت 10 أيام فقط من السنة، فإن هذا التفاوت ارتفع إلى 11 يوما بحلول عام 1752، وذلك لأنّ عام 1700 هو سنة كبيسة في التقويم اليولياني، ولكنّه ليس كذلك في التقويم الغريغوري. 

كان التقويم البريطاني بين عامي 1582 و 1752 متأخراً عن التقويم المستخدم في الدول الكاثوليكية. فعلى سبيل المثال، توفي اثنان من كبار الأدباء في التاريخ وهما ميغيل دي ثيربانتس Miguel de Cervantes و وليم شكسبير William Shakespeare في يوم 23 أبريل/نيسان من سنة 1616، ولكن بما ان ثيربانتس في إسبانيا الكاثوليكية التي تتبع التقويم الميلادي، فإنه توفي قبل عشرة أيام من شكسبير الذي تم تسجيل وفاته تبعا للتقويم اليولياني!!. 

في أي يوم هو عيد ميلادك؟


واحد من نتائج اعتماد التقويم الغريغوري يتعلق بتكرار أيام الأسبوع لحدوث تاريخ معين بها. 

العدد 365 هو أكثر من كونه من مضاعفات الرقم 7 (365 = 1 + 7 × 52) وهذا يعني أنه في السنة العادية (غير الكبيسة) يتقدم تاريخ عيد ميلادك يوما واحدا من أيام الأسبوع: فمثلا، إذا كان عيد ميلادك في عام 2014 يوم الاثنين، ففي عام 2015 ستجد انه في يوم الثلاثاء.

و طالما أنه لا يوجد سنة كبيسة، فإن عيد ميلادك سيظل يتقدم يوما واحدا طوال فترة حياتك. ولكنّ هذا لن يحدث بسبب وجود سنين كبيسة تغيّر ذلك؛ فوجود سنة كبيسة يعني أنّ عيد ميلادك سيقفز إلى الأمام يومين. (سواء أكان عيد ميلادك في السنة الكبيسة نفسها، أم في السنة التالية، إنه فقط يعتمد على ما إذا كنت قد ولدت بين مارس وديسمبر أم في يناير أو فبراير). 


لنفترض أن عيد ميلادك في 1 يناير في عام 2001 والذي سيكون يوم الإثنين. الرسوم البيانية تظهر أيام الأسبوع التي يمكن أن يكون عيد ميلادك فيها في السنوات اللاحقة (في التقويم الغريغوري). يمكنك أن ترى أن النموذج يتكرر كل 28 سنة من 2001 إلى 2084. وتتضمن الفترة القادمة ذات الـ 28 عاما سنة مئوية (2100) التي ينبغي أن تكون سنة كبيسة، ولكنّها ليست كذلك. ولذلك فإنها تكسر الدورة (انظر الدائرة الحمراء). فعليك أن تنتظر 400 سنة ليتكرر النموذج بالضبط.
لنفترض أن عيد ميلادك في 1 يناير في عام 2001 والذي سيكون يوم الإثنين. الرسوم البيانية تظهر أيام الأسبوع التي يمكن أن يكون عيد ميلادك فيها في السنوات اللاحقة (في التقويم الغريغوري). يمكنك أن ترى أن النموذج يتكرر كل 28 سنة من 2001 إلى 2084. وتتضمن الفترة القادمة ذات الـ 28 عاما سنة مئوية (2100) التي ينبغي أن تكون سنة كبيسة، ولكنّها ليست كذلك. ولذلك فإنها تكسر الدورة (انظر الدائرة الحمراء). فعليك أن تنتظر 400 سنة ليتكرر النموذج بالضبط.

يتكون التقويم اليولياني أساسا من دورة متكررة من أربع سنوات (ثلاث سنوات تتألف من 365 يوما يليها سنة واحدة تتألف من 366 يوما). ويبلغ طول هذه السنوات الأربعة 1461 يوما، و هذا يساوي 7 × 208 + 5 يوم، و بما أن هذا الرقم لا يقبل القسمة على 7، فإنه يأخذ سبع دورات (كل دورة تتألف من 4 سنوات) قبل أن يتكرر تسلسل الأيام بخصوص تاريخ معين، مثل تاريخ ميلادك. فخلال 28 عاما مثلا، سيحدث عيد ميلادك أربع مرات في كل يوم من أيام الأسبوع.

فكّر الآن في التقويم الغريغوري. بسبب الاختلاف في التعامل مع السنوات المئوية، فإن أي تاريخ معيّن يتكرر كل 400 سنة. هذه الـ 400 سنة تحتوي على 303 سنوات عادية تتألف من 365 يوما، و 97 سنة كبيسة تتألف من 366 يوما (حيث أنّ سنة واحدة من السنوات المئوية الأربعة هي سنة كبيسة). ومجموع الـ 400 سنة هو 146097 يوما، أي أن هذا الرقم من مضاعفات رقم 7 ( 146097 يساوي 7 مرات 20871). 


هذا الأمر مهم جداً؛ لأنه يعني أنّ نمط الأيام يبدأ ثانية من نفس نقطة البداية كل 400 سنة. فمثلا إذا كنت قد ولدت يوم الاثنين 1 يناير 2001، فإنّ عيد ميلادك سيقع في نفس اليوم من الأسبوع في 2401، وسنة 2801، وسنة 3201 وهكذا. وبحلول 1 يناير 2084 سيكون هناك 12 يوما من أعياد ميلادك وقعت يوم الإثنين، و 12 يوما منها وقعت الثلاثاء وهكذا دواليك. 

لكنّ السنوات المئوية كسرت هذا النمط الموحّد، فعلي مدى أربعمئة عام بين 2001-2400 سوف يقع 56 من أعياد الميلاد الخاصّة بك يوم الاثنين، و 58 يوم الثلاثاء، و 57 يوم الأربعاء، و 57 يوم الخميس، و 58 يوم الجمعة، و 56 يوم السبت، و 58 يوم الأحد. و بعد انتهاء الأربعمئة عام، سيكون 1 يناير 2401 مرة أخرى يوم إثنين، و سيتم تكرار هذه الدورة بشكل دائم. 

أسطورة الجمعة 13


هناك خرافة بسوء الطالع ناجمة عن فكرة أنّ فترة التقويم الغريغوري تقبل القسمة بالظبط علي العدد 7. إذ يمثّل اليوم الثالث عشر من أي شهر، تقليديا، نذير شؤم إذا كان يوم جمعة. في التقويم اليولياني يقع اليوم الثالث عشر من كل شهر بشكل موحد بين جميع أيام الأسبوع، بحيث أنه في المتوسط بالضبط وجود شهر واحد من كل سبعة اشهر يقع اليوم الثالث عشر منه في يوم الجمعة. .

أما التقويم الغريغوري فهو يفتقد لمثل هذا الانتظام، ففي واقع الأمر اتضح أن أيام العمل الأكثر شيوعا للثالث عشر من أي شهر تقع يوم الجمعة! (بالطبع، يمكن المناقشة والقول أننا يجب أن لا نهتم كثيرا بـهذه الأرجحية الإحصائية في حال لم نكمل بعد دورة واحدة من 400 عام في التقويم). 

ماذا لو ولدت في 29 فبراير؟


يمكن أن يولد بعض الناس في 29 فبراير/شباط ( إذا كانت الولادات متماثلة طوال العام، فإنه سيكون هناك شخص واحد من بين كلّ 1461 ولد في بتاريخ 29 فبراير). إذا كان المقصود بـ "عيد الميلاد" هو التاريخ الذي ولد فيه شخص ما، فإن هؤلاء الناس تعساء الحظ؛ لكون أعياد ميلادهم ستتكرر بشكل أقل عن بقية الأشخاص. في الواقع، يمكنهم أن يحتفلوا بتاريخ ولادتهم على وجه الدقة مرة واحدة كل أربع سنين. 


إذا كنت قد ولدت في 29 فبراير فإنك تكبر في العمر بشكل أبطأ.
إذا كنت قد ولدت في 29 فبراير فإنك تكبر في العمر بشكل أبطأ.

فعلى سبيل المثال، ولد المؤلف الموسيقي جواكينو روسيني Gioachino Rossini (الذي كتب أوبرا حلاق إشبيلية The Barber of Seville وكثير غيرها) في 29 فبراير/شباط 1792. وكان عيد ميلاده في عام 1796، ولكنّ سنة 1800 لم تكن سنة كبيسة؛ فاصبح عيد ميلاده الثاني في 1804. وكتب الأوبرا الأخيرة له واسمها ويليام تيل William Tell في عام 1829 قبل عيد ميلاده التاسع. 

و لكن متي كان عيد ميلاد روسيني الخمسين ؟ دعني أوضّح لك الأمر على اعتبار أن عامي 1800 و 1900 لم يكونا عامين كبيسين، فإنّ هذه الذكرى لن تحدث حتى عام 2000 - والتي بالطبع كانت سنة كبيسة، لأن 2000 تقبل القسمة علي 400. (وبالصدفة، توفي روسيني يوم الجمعة في 13 من الشهر التي أكّدت خرافات التقويم المتعلّقة بسوء الحظ). 

أولئك الذين ولدوا في 29 فبراير ستكون تواريخ أعياد الميلاد الخاصة بهم أقلّ حدوثا. إذا كانوا يعيشون في السويد في السنوات التي تلت 1700، فستكون هناك عوامل آخرى يجب أخذها بعين الاعتبار. قررت السويد اعتماد التقويم الغريغوري في سنة 1700، وقد اختارت أن تفعل ذلك عن طريق حذف 11 يوما، و لكن ليس عبر خطوة واحدة كما حصل في الدول الأخرى التي اعتمدت التقويم. حيث حرصت السويد على عدم وجود سنة كبيسة بين عامي 1700 و 1740. وعليه، فلو صدف أنك ولدت في السويد يوم 29 فبراير 1696، وبموجب هذا النظام، يجب عليك الانتظار حتى 1744 لتحتفل بعيد ميلادك الأول!. 

في 1712 تم تنفيذ هذا التغيير بشكل سيئ، حيث كانت سنتا 1704 و 1708 سنتين كبيستين، في حين أنه لا ينبغي ان يكونا كذلك. و كنتيجة لهذا الأمر تم التخلي عن هذا التغيير وعادت السويد إلى لتقويم اليولياني عن طريق إضافة يوم إلى شهر فبراير/شباط من سنة 1712 وذلك لجعل التقويمات صحيحة مرة آخرى، وللتعويض عن السنة الكبيسة التي حدثت في 1700 بشكل لا يتفق مع التقويم اليولياني. وعليه فإن الأشخاص الذين ولدوا في 30 فبراير/شباط من سنة 1712 في السويد لم تتح لهم الفرصة أبدا للاحتفال بأعياد ميلادهم الحقيقية!


ملاحظات  


[1] نظرية كوبرنيكوس: تنصّ النظرية على أن الأرض تدور حول نفسها، وأن القمر يدور حول الأرض، وأن الأرض والكواكب الأخرى كلها تدور حول الشمس.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات