مواد فائقة التوصيل للكشف عن المادة المظلمة

 صورة التقطتها الكاميرا الاستقصائية المتقدمة، الموجودة على متن تلسكوب هابل، لعناقيد مجرية فائقة الكتلة تُعرف بـ Abell 1689.

 

تبحث العديد من التجارب حالياً عن المادة المظلمة (dark matter)، فهذه المادة غير المرئية يعرف العلماء بوجودها فقط جراء تأثير الجاذبية الخاص بها على النجوم والمجرات، وغيرها من الأجسام المكونة من المادة العادية (ordinary matter)؛ فعلى الأرض، يستخدم العلماء مسرعات للجسيمات مثل مصادم الهادرونات الكبير (LHC) للبحث عن المادة المظلمة، مع البحث أيضاً في أماكن أخرى كوضع أجهزة كشف في الفضاء، وأجهزة أخرى على عمق آلاف الأقدام تحت الأرض.

 

على الرغم من أن العلماء قد غطوا كل قواعد المواقع الممكنة، إلا أنّ أجهزة الكشف هذه قد لا تكون حساسة بما يكفي للكشف عن المادة المظلمة إذا كانت كتلة المادة المظلمة أقل من حوالي 10 جيجا إلكترون فولت (10000000000 إلكترون فولت). ولمعالجة هذه المشكلة، يعمل الفيزيائيون على تطوير كواشف مادة مظلمة هي الأكثر حساسية على الإطلاق.

 

ففي ورقة بحثية جديدة، اقترح الباحثون نوعاً جديداً من كواشف المادة المظلمة وهي مصنوعة من مواد فائقة التوصيل (مواد موصلة للكهرباء مقاومتها الكهربائية صفر عند درجات الحرارة شديدة البرودة)، وتتمتع هذه الكواشف بحساسية كشف للمادة المظلمة -ذات كتلة صغيرة جداً- هي الأعلى على الإطلاق. 


كتلة المادة المظلمة صغيرة الكتلة موجودة عند نهاية منخفضة تتراوح بين كيلو إلكترون فولت (1000 إلكترون فولت) و10 جيجا إلكترون فولت. أو بمعنى آخر، هي أخف بحوالي مليون مرة من البروتون.

نشر الفيزيائيون، يونيت هوشبرج Yonit Hochberg وكاثرين زوريك Kathryn M. Zurek من مختبر لورانس بيركلي الوطني وجامعة كاليفورنيا، و يو زاهو Yue Zhao من جامعة ستانفورد (الآن في جامعة ميشيغان) ورقة بحثية عن الكواشف فائقة التوصيل في العدد الأخير من دورية Physical Review Letters؛ ويقول زوريك: "الأكثر أهمية بالنسبة لعملنا هو احتمالية الكشف عن المادة المظلمة التي تقل كتلتها بين حوالي ألف ومليون مرة عن كتلة البروتون،" ويُضيف: "التجارب الحالية التي تعتمد الكشف المباشر عن المادة المظلمة، وكذلك الأساليب المقترحة الأخرى، ليست حساسة لهذه المادة المظلمة الخفيفة؛ لكنّ الكواشف فائقة التوصيل هي الطريقة الوحيدة المقترحة للكشف عن المادة المظلمة ذات الكتلة الواقعة في ذلك المجال". 

رغم أن المادة المظلمة لا تتفاعل في الغالب مع أي شيء، لكن يتوجب على العلماء افتراض أنها تتفاعل مع المادة العادية بطريقة أو بأخرى، وإلا فإنهم لن يتمكنوا من الكشف عنها في المختبر. لكن من غير الواضح ما إذا كانت المادة المظلمة تتفاعل مع الإلكترونات أو النوى أو مع كليهما، أو ربما مع شيء آخر.

تعتمد أجهزة الكشف عموماً على مبدأ أنه إذا ما صدم جسيم ما أحد هذه الكواشف وتفاعل معها، فمن شأن ذلك أن ينتج نوعاً آخر من الجسيمات ذات الطاقة المحددة مثل الفوتون، أو الفونون (كميات من الاهتزاز). تُمثل المادة المستخدمة في تلك الكواشف أهمية قصوى، إذ يُحدد التفاعل بين المادة المظلمة والكاشف خصائص الجسيمات التي يتم إنتاجها. يُصنع أحد أجهزة الكشف الحساسة للغاية اليوم من الزينون السائل (LZ الكاشف)، والجرمانيوم المتبلور (SuperCDMS)، وغيرها من المواد المشابهة.

برهن علماء الفيزياء في الورقة البحثية الجديدة أنّ جهاز الكشف عن المادة المظلمة المصنوع من مادة فائقة التوصيل، مثل الألومنيوم عالي النقاء، قد يكون أكثر المواد حساسية بالنسبة لاكتشاف مادة مظلمة ذات كتلة تساوي بضع مئات من الـ eV، أو أقل. تنشأ هذه الحساسية من حقيقة أن المواد فائقة التوصيل لديها فجوة نطاق (band gap) تساوي الصفر أو قريبة منه، وهي فجوة الطاقة التي يجب على الإلكترونات عبورها للسماح للمادة أن توصل الكهرباء. فالألومنيوم على سبيل المثال، لديه فجوة طاقة صغيرة تساوي 0.3 ميلي إلكترون فولت (0.0003 فولت).


يقول هوشبرج: "الكاشفات فائقة التوصيل أكثر حساسية من أجهزة الكشف الأخرى نظراً لفجوة الطاقة الصغيرة؛ وتعني هذه الفجوة الصغيرة أنها حساسة لترسبات الطاقة الصغيرة جداً، وهذا بدوره يعني أنها حساسة للمادة المظلمة ذات الكتل الصغيرة جداً، تلك الأخف من البروتون بحوالي مليون مرة على النقيض من أشباه الموصلات العيارية، التي يمكنها أن تكون حساسة للمادة المظلمة ذات كتل أخف فقط بالآف المرات من البروتون (نظراً لأن فجوة الطاقة الخاصة بها أكبر بالآف المرات)".


تكمن الفكرة في أن أحد جسيمات المادة المظلمة، التي يُعتقد أنه يتدفق باستمرار عبر الأرض، سيتشتت عن إلكترون حر موجود بالمواد فائقة الموصلية. في المواد فائقة التوصيل، تتجمع الإلكترونات الحرة وفقاً لأزواج كوبر (Cooper pairs)، وتبلغ طاقة ارتباطها داخل هذه الأزواج ما يقل عن 1 meV بقليل.

 

فإذا كان جسيم المادة المظلمة لديه ما يكفي من الطاقة لسحب الإلكترون فوق طاقة الفجوة للمواد، فانه سوف يحطم زوج الكوبر. تمتص المواد فائقة التوصيل بهذه الطريقة الطاقة من جسيمات المادة المظلمة الواردة؛ وبعد ذلك يقيس جهاز ثانٍ يسمي المسعر، الطاقة الحرارية المودعة في الماصّ، موفرة بذلك أدلة مباشرة عن وجود جسيمات المادة المظلمة.

يتوقع علماء الفيزياء أن تحسينات مقبولة تطرأ على تكنولوجيا الكاشف الحالية يمكنها أن تجعل هذا المفهوم ممكناً في المستقبل القريب، فواحدة من أكبر التحديات (كما هو الحال في جميع أجهزة الكشف عن المادة المظلمة) هو الحد من الضوضاء القادمة من مصادر غير المادة المظلمة، مثل الضوضاء الحرارية والبيئية. إذا أمكن بناء الكاشف المصنوع من المواد فائقة التوصيل، فإنه يستطيع تقديم اختباراً هو الأكثر حساسية للكشف عن المادة المظلمة، وسيُقدم للعلماء فرصة أفضل للتعرف على مكونات المادة المظلمة التي تُكون معظم مادة كوننا. 

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المادة المظلمة (Dark Matter): وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات