يعرف الكثير منا الشعور لدى الوقوف أمام خريطة مترو الأنفاق في مدينة غريبة، وحيرتنا ونحن نطيل النظر إلى خريطة شبكة الإنترنت ذات الألوان المتعدّدة، ويبدو أننا غير قادرين على إيجاد الطريق من النقطة A إلى النقطة B.
العقل البشري وتعقيد أنظمة النقل في المدن الكبيرة يحاول فريق من الرياضيين والفيزيائيين اليومَ إعطاء كمّ ما لهذا الالتباس لمعرفة ما إذا كانت هناك نقطة يصبح عندها تحديد طريق في نظام نقل معقد لمدينة معاصرة أمراً يتجاوز حدود معرفتنا. بعد تحليل الشبكات المرورية للمدن الـ 15 الأكبر في العالم، استخلص الباحثون أن حدود المعلومات لرسم طريق تقارب الـ 8 بت (البت هو رقم ثنائي وهو أبسط وحدة معلومات).
إضافةً إلى ذلك، وعلى غرار "عدد دنبار" الذي يقيس الحد الأقصى لدائرة صداقات الفرد، يشير حدّ المعرفة الخاص بالنقل إلى أنّ الخرائط ينبغي ألا تحتوي على أكثر من 250 نقطة اتصال لتصبح قابلة للقراءة بسهولة.
باستخدام طرقات تقوم على أساس توصيلتين مروريتين تماماً (ما يعني المرور بأربع محطات إجمالياً)، وجد الباحثون أن عبور الشبكات المرورية للمدن الأساسية -بما في ذلك لندن– قد يقترب بشكل خطير من تجاوز طاقات إدراك البشر.
لدى إضافة المزيد من التقاطعات ووسائط النقل الأخرى كالترام والحافلات إلى ذلك المزيج، تتجاوز درجة تعقيد الشبكات عتبة الـ 8 بت بشكل كبير. كما أثبت الباحثون ذلك باستخدام شبكات النقل متعددة الوسائط لمدينة نيويورك وطوكيو وباريس .
يقول مايسون بورتر Mason Porter أستاذ الأنظمة المعقدة وغير الخطية في معهد الرياضيات التابع لجامعة أكسفورد: "القدرة المعرفية عند البشر محدودة، وقد نمت المدن وشبكات نقلها إلى النقطة التي أصبحت فيها على درجة من التعقيد تتجاوز قدرة المعالجة البشرية للتنقل خلالها، وعلى وجه الخصوص، أصبح البحث عن الطريق الأسهل عديم الجدوى عند الأخذ بعين الاعتبار وسائط النقل المتعددة والتقاطعات الكثيرة".
ويضيف بورتر: "هناك الكثير من الفوضى في هذه الخرائط المرورية مما يجعلها أحياناً شبيهة بلعبة أين والدو (أو أين والي ?Where's Wally). لكن الخرائط التي لدينا حالياً بحاجة إلى إعادة النظر والتصميم في العديد من الحالات، وبالتأكيد تعدّ تطبيقات مخططات الرحلات ذات فائدة في هذا المجال، ولكنّ الخرائط بحد ذاتها بحاجة إلى إعادة تصميم، كما نأمل أن تشجّع ورقتنا العلميّة المزيد من الأبحاث التجريبية على الحدود المعرفية للنقل داخل المدن".
