رقم قياسي جديد في مفاعلات الاندماج النووي

 مفاعل إيست EAST machine.
حقوق الصورة: معهد فيزياء البلازما، الأكاديمية الصينية للعلوم Institute of Plasma Physics Chinese Academy of Sciences

المفاعل الصيني للاندماج النووي يحطم الرقم القياسي لبلازما الهيدروجين الألمانية
لقد بدأت اللعبة للتو!

جاء في تقرير سابق أنَّ مفاعل ألمانيا الثوري للاندماج النووي تمكَّن من تسخين غاز الهيدروجين إلى درجة حرارة بلغت 80 مليون درجة مئوية والحفاظ على سحابة من بلازما الهيدروجين لمدة ربع ثانية. وهذا ما اعتُبر إنجازًا مُهمًا توّج عقودًا طويلة من السعي وراء التحكم بالاندماج النووي، وذلك لأنه في حال التمكن من إنتاج بلازما الهيدروجين والحفاظ عليها لمدة معينة من الزمن، سيمكننا ذلك من تسخير الطاقة النظيفة وغير المحدودة عملياً التي تشغّل شمسنا.



هذا وقد أعلن فيزيائيون صينيون أنَّ مفاعل الاندماج النووي الذي صمَّموه، ويدعى مفاعل الاندماج التجريبي المتطور فائق التوصيل Experimental Advanced Superconducting [1] Tokamak(واختصاراً EAST)، قد أنتج بلازما الهيدروجين في درجة حرارة 49.999 مليون درجة مئوية، وحافظ عليها لمدة 102 ثانية، الأمر الذي يثير الإعجاب. 



في حين أن درجة الحرارة هذه لا تضاهي أعلى درجة حرارة تمكنت تجربة من بلوغها -ويعود شرف ذلك الإنجاز إلى تجربة مصادم الهدرونات الكبير The Large Hadron Collider، الذي تمكن في عام 2012 من الوصول إلى درجة حرارة بلغت 4 تريليون درجة مئوية (أي أسخن بمقدار 250.000 مرة من حرارة مركز الشمس)- فقد تمكَّن الفريق من معهد هيفي للعلوم الفيزيائية في الصين China’s Institute of Physical Science In Hefei من إعادة خلق ظروف مشابهة لتلك الموجودة على الشمس لمدة تزيد على دقيقة واحدة. 



ويعتبر الحفاظ على درجات الحرارة العالية هذه لمدة تكفي لاستغلال الطاقة الناتجة عن التفاعل أمراً جوهرياً لتحقيق اندماج نووي يخضع للسيطرة، إذ يتيح إمكانية تحقيق اصطفاف أكثر استقراراً للحقول المغناطيسية التي تُستعمل لدفع البلازما بعيدًا عن جدران المفاعل. كما يسمح ذلك بتجميع كل الجزيئات عالية الطاقة وطاقة التسخين اللتين ينتجهما هذا التفاعل.



حقوق الصورة: معهد هيفي للعلوم الفيزيائية في الصين China’s Institute of Physical Science In Hefei
حقوق الصورة: معهد هيفي للعلوم الفيزيائية في الصين China’s Institute of Physical Science In Hefei
يُولد الانشطار النووي، الذي تحققه منشآتنا النووية الحالية، الطاقة بشطر نواة الذرة إلى نيوترونات أصغر ونويات. وبينما يتسم الانشطار النووي بفعالية عالية -تفوق فعاليّة كمية الطاقة الناتجة عن انشطار كتلة واحدة بملايين المرات تلك التي ينتجها الفحم- إلاّ أنّ كلفة التخلص من المخلفات الإشعاعية الثانوية الخطرة عالية جدًا.



وهذا ما يجعل الاندماج النووي مرغوبًا بشدة، بسبب إنتاجه كميات هائلة من الطاقة عند صهر الذرات مع بعضها البعض تحت درجات حرارة عالية جدًا، دون أن ينتج عنه أي مخلفات إشعاعية ثانوية أو غيرها من المخلفات غير المرغوب فيها.



تكمن المشكلة فيه في أنه يتطلب درجات حرارة أعلى بكثير من تلك التي يتطلبها الاندماج. ففي حين يتطلب الاندماج النووي التسخين لعدة مئات من الدرجات، تحتاج مفاعلات الانشطار النووي لتطبيق ظروف كالتي تحصل على الشمس، وهذا يعني عدة ملايين من درجات الحرارة.



في الواقع، لأنّ مفاعلاتنا النووية تبدأ تفاعلاتها أساساً من الصفر، فنحن الآن نحتاج للوصول إلى درجات حرارة أعلى بكثير من تلك التي يُحتمل وجودها في مركز الشمس، وقد صرّح الفريق المسؤول عن المفاعل الألماني الذي بلغت كلفته مليار دولار أمريكي بأنّ درجة الحرارة المثالية تقدّر بمئة مليون درجة مئوية.

 

كما نقل ستيفن تشن 'Stephen Chen' من صحيفة 'The South China Morning Post' أن هذا ما حاول الفريق الصيني تجاوزه الأسبوع الماضي، إلا أنهم تمكنوا من الوصول لـقرابة 50 مليون درجة فقط. وكان هدفهم النهائي هو الوصول إلى 100 مليون درجة مئوية خلال الأسبوع الماضي والحفاظ على بلازما الهيدروجين الناتجة لأكثر من 1,000 ثانية، أو لمدة 17 دقيقة. وفي الوقت نفسه، يقول الفريق الألماني إنهم تمكنوا من الحفاظ على البلازما لمدة 30 دقيقة (الآن بعد أن انتهت تجربتهم وأصبح من الصعب إثبات صحتها).



الجدير بالذكر أن النتائج الصينية مبنيةٌ على تصريحٍ لمعهد هيفي لعلوم الفيزياء. لذا، يجدر بنا أن نشك في ذلك حتى تتوفر لدينا الأوراق التي تثبت ذلك بتفاصيل أكثر عن درجات الحرارة ومدة الحفاظ عليها. إذا ثبتت هذه المزاعم، سنكون أمام "معركة حقيقية لمفاعلات الاندماج النووي الشبيهة بكعكة الدونات" بين الفريقين الألماني والصيني، مع ضرورة زيادة الفريق الألماني للمدة التي يتم بها الاحتفاظ بدرجات الحرارة ورفع الفريق الصيني لدرجات الحرارة.



مازالت تلزمنا عقود من العمل الدؤوب لنتمكّن من تسخير الاندماج النووي في حل مشاكل البشرية المرتبطة بالطاقة (هذا فقط إن تمكنَّا من معرفة كيفية القيام بذلك)، إلاّ أنّ العلماء قد أحرزوا بالفعل تقدمًا مدهشًا في هذا المجال، ونحن نحب القليل من المنافسة الشريفة.



ملاحظات


[1] Tokamak: مفاعل نووي تجريبي له شكل شبيه بكعكة الدونات ينتج الاندماج باستعمال تيار كهربائي وحقل مغناطيسي لتسخين بلازما غازية والحفاظ عليها. 

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات