مخلوقات جديدة متوهجة في أعماق البحر الأحمر الغامض

 اكتشف فريق دولي من علماء الأحياء بما فيهم باحثين من جامعة موسكو الحكومية أنواعا جديدة من السلالات المتوهجة تعيش في مستعمرات على أصداف الرخويات.
 
حقوق الصورة:  Viatcheslav N. Ivanenko et al.

يُعد البحر الأحمر أحد أفضل الوجهات السياحية للاسترخاء و الغوص، ولكن لم يتسنَّ لأحد أن يتصور أنّ هذا المكان موطن للعديد من الكائنات البحرية التي تنتظر من يكتشفها. 

 

فريق دولي من علماء الأحياء ضمّ باحثين من جامعة موسكو لومونوسوف الحكومية Lomonosov Moscow State University و معهد شيميكين-أوفتشينيكوف Shemyakin-Ovchinnikov Institute للكيمياء العضوية الحيوية في Bioorganic Chemistry في الأكاديمية الروسية للعلوم the Russian Academy of Sciences، اكتشف وجودَ نوع جديد من الكائنات المضيئة الجميلة.




وقد أظهر العلماء لأول مرة أن تموضع التوهّج في أجزاء معيّنة من جسم الكائن يمكن أن يُساعد في تصنيف أنواع مختلفة من الكائنات الحية التي تملك نفس البناء الهيكلي. وقد تمّ توسيع مجموعات من جامعة ميتشيغان لدراسة هذه الأنواع الحيوانية الجديدة وحمضها النووي. و قد نُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة بلوس PLOS العلمية.



الرخويّاتُ مزيّنةٌ بأضواءِ عيد الميلاد


خلال دراسة التنوع البيولوجي للشعاب المرجانية في أرخبيل "فرسان" في المملكة العربية السعودية جنوبي البحر الأحمر راقب علماء الأحياءِ الحياةَ البحريةَ باستخدام الأشعة فوق البنفسجية مع مرشحات صفراء، ونتيجة لذلك وجدوا فوانيسا متوهجة، و التي كانت مشابهة جدا للهيدرا hydrae (كائن بسيط متعدد الأذرع) التي حدّثونا عنها في كتب الأحياء المدرسية، ولكن خلافا لقريناتها التي تعيش حياة منعزلة في المياه العذبة، فإن هذه الأنواع المكتشفة حديثا في البحر الأحمر تنتشر على شكل مستعمرات تزين الأصداف الصّغيرة لرخويّات ناساريوس Nassarius المرجانيّة و التي يتراوح طولها بين 20 - 35 مم ، هذه الرخويات المزيّنة بأكاليل من الأضواء الخضراء تدفن نفسها خلال النهار، وفي الليل تخرج لافتراس لافقاريّات أخرى.



وقد قال فياتشيسلاف إيفانينكو Vyacheslav Ivanenko أحد معدّي البحث و الباحث الرّئيسي في قسم علوم الحيوانات اللافقارية في جامعة لوموسوف السالفة الذّكر: "إنّ هيدرا البحر hydroids على خلاف الهيدرا العادي تتواجد غالبًا في مستعمرات و تتوزّع على مقربة من قناديل البحر الصغيرة". و قال أيضًا "إن ذلك اللون الأخضر الذي كُشف عنه، يتواجد في المنطقة المحيطة بالفم ويتوهّج بشكل فريد من هذه الهيدروزات hydrozoas (يُحتمل أنها نوع جديد من جنس سايتيس cytais التي يصل طول جسمها إلى 1.5 مم) ".



لم تُدرس هذه الأنواع النَّادرة بشكلٍ كافٍ، ولم يتم التحقق إلى الآن من وظيفة تلك البقع المتوهّجة. وقد أشار علماء الحيوان إلى أن ذلك التوهّج حول الفم في تلك السلالات ربما يجذب الفريسة. فتلك الومضات السّاطعة ربّما تكون مرئية للافقاريّات أخرى تحت نور القمر وعند غروب الشّمس وشروقها. مما أثار تساؤلات جديدة. ولمعرفة مقدار اضطراب هذه السلالات يجب اختيار المُضيف، ومعرفة تغيّر نشاط حلزونات ناساريوس والهيدرات المضيئة خلال النّهار و كيف تتباين شدة الإضانة fluorescence بين هذه الأنواع نفسها، وبين أنواع أخرى ذات صلة قريبة من الهيدروزات hudrozoa.

 
الوهج الأخضر و جائزة نوبل

تُعرف ظاهرة الإضانة ( المضان ) بأنها توهّج بعض البروتينات أو الأصبغة عند تعرّضها لإضاءة خفيفة، ثمّ تلاشيها على الفور بعد زوال الإضاءة. البروتينات المتوهجة ( التي تتمتع بصفة الإضانة) واسعة الانتشار بين شُعَب أنتوزوا antozoa المرجانية و قناديل البحر الهيدروية hydroid jellyfishes و أيضًا وُجدت في بعض اللانسيلات lancelets (كائنات رمحية الشكل، وحيدة الرّأس(Cephalochordata) و فصيلة المشطيّات combjellies )كائنات هلاميّة ذات أهداب تتخذ شكل المشط ( Ctenophora). وقد كان العالم أسامة شيمومورا Osama Shimomura أوّل من عزل البروتين الشهير المتوهج بالأخضر green fluorescent protein الذي يُرمز له اختصارا ب GFP من قنديل البحر إيكوريا فيكتوريا Aequorea victoria ( المعروف بالهلام الكريستالي)، وهذا البروتين تم استخدامه فيما بعد على نطاق واسع في علم الأحياء التجريبي كمعيار توهّج لدراسة وظيفة البروتين في الخلايا. في عام 2008 حصد كل من أسامة شيمومورا و مارتن تشالفي Martin Chalfie و روجر تسين Roger Tsien جائزة نوبل في الكيمياء لاكتشاف و تطوير البروتين الأخضر المتوهّج GFP.



وفقًا لعلماء الحيوان فإنّ المضان من الهيدروزا، قد دُرس منه فقط ستة أنواع، دُرست أحيانًا منذ مراحل النمو الأولى (للبيوض أو قناديل البحر و ذلك قبل ارتباطها بأساس أو مضيف ترتكز عليه)، اذ يتموضع المُضان في بعضها على المخالب أو السيقان و ليس حول الفم، أو تحوّل إلى درجة أخرى من الطيف. كما أن الحد الأقصى لطول الموجة المنبعثة من المضان للأنواع الجديدة من جنس سايتيس هو 518 نانو متر.



قال فياتشيسلاف إيفانينكو: "إن المقارنة بين مضان الهيدرا الموجودة في البحر الأحمر و الهيدرات الأخرى من نفس الجنس الموجودة في مكان آخر، وبتحليل الحمض النووي الخاص بالنواة والميتوكندريا (الحبيبة الخيطية) للهيدرا، و بتقييم البيانات المقدّمة في بنك الجينات، كل ذلك يسمح بالكشف عن أنواع محددة من المضانات التي لايمكن تمييزها شكلا عن أنواع من السايتيس . وهكذا بإستخدام الهيدرات كمثال، أظهر الباحثون أولًا القدرة على استخدام خصائص تموضع المضان للتمييز يين اللافقاريات المتشابهة (أي تحديد فصيلة الكائن اللافقاري عن طريق خريطة أماكن التوهج في جسمه). يمكن أن يكون المضان مفيدًا للتعرف على الأنواع صعبة التحديد، وكذلك للدراسات التي تهتم بالخصائص البيئية و توزُّع الهيدرات والرخويات الحاضنة لها".



قريبون جدًا من العجائب


وفقًا لفياتشيسلاف إيفانينكو مكتشف تلك السلالات الغير عادية، فإن عددًا كبيرًا من الأنواع الجديدة التي تمتلك خصائص نادرة مازال ينتظر الباحثين في مياه البحار الضحلة، التي يمكن بلوغها بمعدات الغوص، بما في ذلك روسيا.
 

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات