كاشف نيوترينو عملاق يبدأ مرحلة الاختبارات

النموذج الأوّلي لتجربة النيوترينو في أعماق الأرض هو نسخة تجريبية للتجربة الأساسية في المستقبل

المصدر: Reidar Hahn


ستحتاج تجربة النيوترينو في أعماق الأرض (Deep Underground Neutrino Experiment)، أو اختصارا DUNO المخطط لها 70,000 طن من الأرغون السائل، مما يجعلها أكبر تجربة من نوعها، فهي أكبر 100 مرة من أجهزة كشف الجسيمات التي تحتوي الأرغون السائل التي جاءت قبلها.

وقبل بناء هذا الجهاز غير المسبوق، يريد العلماء التأكد من قدرته على العمل. ولهذا السبب بدأ أعضاء التعاون الدولي لتجربة DUNE جمع البيانات باستخدام نسخة تجريبية من الكاشف الخاص بالتجربة مؤخرا.

و يقول ميشيل ستنكاري Michelle Stancari، المنسق المشارك للنموذج الأولي: "كيف يمكننا التأكد من أنّ ما نريد القيام به في التجربة سينجح؟"، وأضاف: "هذا هو ما سيقودنا إليه النموذج الأولي الذي يزن 35 طنا".

الهدف من التجربة


إن أجهزة الكشف الخاصة بالتجربة الكاملة، والتي سيتم بناؤها على مسافة ميل تحت الأرض في منشأة بحوث ستانفورد (the Sanford Underground Research Facility)، ستحل بعض أهم الأسئلة التي لم تحل في الفيزياء. وستساعد على معرفة ما إذا كانت النيوترينوهات (neutrinos) هي سبب وجود المادة التي تملأ كوننا، وستساعد على مشاهدة تشكّل ثقب أسود في مجرة مجاورة، و البحث عن إشارات عن تفكك البروتون؛ لتجعلنا أقرب من تحقيق حلم آينشتاين في نظرية موحدة للمادة والطاقة.


ويقول سيليو مورا Célio Moura الأستاذ في الجامعة الاتحادية ABC في البرازيل الذي يعمل على النموذج الأولي: "من بين جسيمات النموذج العياري (Standard Model) تعتبر النيوترينوهات واحدة من الأجسام الأكثر غموضا بالنسبة لنا، فنحن بحاجة إلى تجارب ضخمة للحصول على هذه المعلومات الصعبة المتعلقة بالنيوترينوهات. ولكن علينا أن نبدأ شيئا فشيئا."




إن حجرات الإسقاط الزمني للأرغون السائل، التي تعتبر الأكبر حتى الآن بين تلك الخطوات القليلة، ساعدت العلماء في رؤية أول مسارات الأشعة الكونية.

بني النموذج الأولي للتجربة الذي يبلغ وزنه 35 طنا في مختبر فيرمي الوطني، واختير له لقب "عربة DUNE"، وذلك بعد أن قام فنان فوتوشوب داخل مجموعة العمل بإضافة عجلات شاحنة كبيرة لصورة النموذج، ويذكر أن هذا النموذج يمكن أن يستوعب سيارة صغيرة في وعاء الأرغون السائل.

ولكن، كيف يعمل هذا النموذج؟


حين تمر الأشعة الكونية عبر الأرغون السائل، تنبعث الإلكترونات والضوء، ويعتبر هذا الأمر إشاراة واضحة على أن هناك جسيمات غير مرئية قد مرت خلاله. وبعد ذلك يتم جمع موقع هذه المسارات وشدتها، ثم تحويلها إلى بيانات رقمية، مما يمكّن العلماء من إلقاء نظرة على اتجاه الجسيمات، وكمية حركتها (دفعها)، وطاقتها، ونوعها.

إن النموذج الآن قيد التشغيل، وسيتحقق الباحثون من أن مكونات الكاشف المختلفة تعمل بشكل صحيح، ثم يبدؤون في الدراسات الرسمية. ويخطط العلماء أيضا لاستخدام النموذج الأولي لتقييم مكونات الكاشف التي لم يتم تجريبها من قبل.

يقول آلان هاهن Alan Hahn من مختبر فيرمي، وهو المنسق المشارك في النموذج الأولي: "يتمثل الهدف من ذلك في إيجاد نقاط الضعف لإصلاحها، وأيضا نأمل في اكتشاف الأجزاء التي نجحت في عملها".

تشمل الأجزاء الجديدة كاشفًا ضوئيًا معادًا تصميمه، وموشورات مستطيلة طويلة، مع طلاء خاص بحيث تغير الضوء غير المرئي إلى مرئي، وتعكس الضوء المُجمّع إلى المكونات الإلكترونية لجهاز الكشف.

 




 

يهتم العلماء أيضا اهتمامًا خاصًا بالأسطح السلكية الخاصة بالنموذج الأولي، وهي القطع التي تمسك بالأسلاك الرقيقة المربوطة بالكاشف لالتقاط الإلكترونات. ويخطط العلماء لاستخدام سلسلة من الإطارات الصغيرة لضمان ملاءمة الإطارات للنفق العمودي الضيق، وتجنب الحاجة لمد الأسلاك عبر أجهزة الكشف الطويلة الخاصة بالتجربة، وأيضا لتجنب خطر الارتخاء. وعلى النقيض من الكواشف الأخرى، ينبغي لهذه الأسطح السلكية قياس مسارات الأرغون السائل في كل مكان به.

يقول هاهن: "لا أحد يمتلك هذه التقنية، لأن أحد أهم الأهداف الرئيسة للنموذج الأولي هو البرهان على أنّ بإمكاننا إعادة بناء المسارات من هذا السطح السلكي."

وقد نقل المهندسون أيضا بعض الشرائح الإلكترونية الصغيرة الخاصة بأجهزة الكشف داخل منظّم درجات حرارة فائق البرودة، والذي يحفظ الأرغون السائل عند درجة حرارة 300 درجة فهرنهايت تحت الصفر (أي 184 درجة مئوية تحت الصفر).


ومثل الكثير من أجهزة الكشف الكاملة، يعتمد تطوير الأجزاء والقطع الخاصة بالنموذج الأولي ذي الـ 35 طنا على العمل الجماعي؛ إذ يعمل في تجربة DUNE نحو 800 عضو من 26 بلدا من جميع أنحاء العالم.

يقول كارل اربورتون Karl Warburton، وهو طالب دكتوراه من جامعة شيفيلد في المملكة المتحدة والذي يعمل على النموذج الأولي: "لا بدّ أن يكون الأمر دوليا، وإلا فإنه لن ينجح، فنحن بحاجة إلى أفضل العقول من كل مكان؛ فالأمر مثال لـ LHC".

وقد وفّر كل من المختبرين الوطنين بروكهافن و SLAC الكثير من المعدات الإلكترونية للنموذج الأولي ذي الـ 35 طنا، حيث عملت جامعة ولاية إنديانا، وجامعة ولاية كولورادو، وجامعة ولاية لويزيانا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على أجهزة الكشف عن الضوء. وساهمت جامعات أكسفورد، وساسكس، وشيفيلد في صنع الكاميرات الرقمية الخاصة التي يمكنها العمل في الأرغون السائل وكتبوا البرنامج الخاص بها لجعل البيانات منطقية. أما مختبر فيرمي فكان مسؤولا عن منظم درجات الحرارة فائق البرودة، ونظم دعمه.

و سيستخدم العلماء ما تعلموه من هذا النموذج لبناء وحدات واسعة النطاق لنموذج أولي أكبر وزنه 400 طن في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية CERN . وسيكون ذلك الاختبار النهائي قبل بناء أول جهاز من ضمن أربعة أجهزة كشف ضخمة للتجربة الفعلية من المقرر أن تبدأ في عام 2024.

يقول مارك تومسون Mark Thomson المتحدث المشارك باسم تعاون DUNE، الأستاذ في جامعة كامبريدج: "كان من المهم للغاية أن يمتلك التعاون هذا النموذج الأولي كقفزة كبيرة على الطريق." ويُضيف: "إنه بكل تأكيد خطوة جوهرية."

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات