ليزر حلقي يكشف الحركة الزلزالية بالغة الدقة

حول الزلازل: تحت أعماق هذه الجبال

أجرى جيروسكوب (مدوار) ليزريّ أسفل جبل غران ساسو Gran Sasso في وسط إيطاليا، أول القياسات في أعماق الأرض للحركة الدورانية التي تولدها الموجات الزلزالية لدى عبورها القشرة الأرضية، يقول العلماء الذين نفذوا هذه الأبحاث: "يمكن لهذه القياسات أن تزيد من فهمنا للإجهاد الذي تخضع له الصخور قبل حدوث الهزة الأرضية".

تحرّر الزلازل كمية كبيرة من الطاقة الكامنة على شكل أمواج زلزالية، والتي تنتشر في جميع الاتجاهات اعتباراً من مركز البؤرة الزلزالية، عندما تصل هذه الأمواج إلى سطح الأرض يمكنها أن تجعل سطحها يتحرك على طول واحد أو أكثر من المحاور المتعامدة للأعلى والأسفل، ذهاباً وإياباً، ومن جانب إلى جانب، ولكن يمكن أن تسبب الأمواج الزلزالية بحركاتٍ دائريةٍ أصغر بكثير تدور الأرض فيها حول محورٍ أو أكثر من محاورها الثلاثة.


وفقا لغيلبيرتو ساكوروتي Gilberto Saccorotti من المعهد الوطني للجيوفيزياء وعلم البراكين في إيطاليا(National Institute for Geophysics and Volcanology) او اختصاراً INGV، فإنه من المهم قياس الحركة الدائرية لعدة أسباب، أحدها تمكين علماء الزلازل من تحديد سرعة الأمواج الزلزالية -وبفهمٍ أفضل لنوع الصخور التي تنتشر خلالها- عبر مقارنة كميات الحركات الدورانية والانتقالية التي يتم توليدها.ا


إضافةً إلى ذلك، فإن قياسات أفضل لدوران سطح الأرض أثناء هزةٍ أرضيةٍ قويةٍ سيؤدي إلى إيجاد معايير أبنيةٍ أقوى، ويقول: "يمكن للحركة الدائرية أن تكون شديدة الخطورة كالحركة الأفقية، ولم يؤخذ ذلك بالحسبان لدى تصميم الأبنية، ولكن بالمقابل كان الهدف مقاومة القوى العمودية، أي وزنها".

لم توجد مقاييس الزلازل أساساً لقياس هذه الحركة الدائرية، فهي تقوم على البندولات (رقاص الساعة) أو الكتل المعلقة بالنوابض، والتي تستجيب لنفس الطريقة الأساسية، سواء كانت حركة جسم الجهاز أعلى أو أسفل أو مائلة.

في الوقت الذي يمكن لأنظمة أجهزة قياس الزلازل أن تقوم بقياس هذه الحركة الدائرية، فإن الطبيعة الضعيفة نسبياً لهذه الأحداث تعني أنه يمكن بهذه الطريقة الكشف فقط عن الإشارات الأقوى.

 (يمكن للحركات الدائرية أن تكون شديدة الخطورة كالحركات الأفقية) غيلبيرتو ساكوروتي من المعهد الوطني للجيوفيزياء وعلم البراكين في إيطاليا 


تبديل التردد Frequency shift.


من ناحية أخرى، فإن الجيروسكوب ذو الحلقة الليزرية مصممٌ لقياس الحركات الدائرية بشكلٍ خاص، تقوم هذه الأجهزة بتسجيل الفروق الصغيرة جداً في الترددات بين شعاعي ليزر، مرسلان في اتجاهين متعاكسين حول دائرة بصرية يتم تثبيتها بإحكامٍ في الأرض، فارق التردد يعكس معدل الحركة الدائرية للأرض.

كشفت أجهزة الليزر الحلقية في ألمانيا ونيوزيلندا والولايات المتحدة، عن الحركات الدائرية للأرض في الهزات الأرضية التي حدثت في العقدين الأخيرين، ولكن حقيقة وجود هذه الأجهزة عند أو تحت مستوى سطح الأرض، يجعلها عرضةً للتشويش -سواء من مصدر طبيعي أو بشري- الناشئ قرب سطح الأرض.


في العمل الأخير، قام ساكوروتي وزملاؤه في معهد INGV والمعهد الوطني للفيزياء النووية National Institute for Nuclear Physics او اختصاراً INFN في إيطاليا، باستخدام ليزر حلقي يدعى جينجيرينو GINGERino، يتألف من أربعة جوانب يبلغ طول كل منها 3.6 متراً، مثبتةً بإحكام على كتلةٍ من الجرانيت، يقع الجهاز في مخبر غران ساسو الوطني على عمق 1400 متر تحت سطح الأرض، الجهاز محميّ بشكلٍ كبيرٍ من الاختلافات الصغيرة في ضغط الهواء الذي يمكن أن يسبب اضطراب الحلقات الليزرية على أعماق أقل، وهو الرائد في تجربةٍ تسمى تحديد الاتجاهات في النسبية العامة GINGER، والتي ستقوم باستخدام ثلاث حلقاتٍ ليزريةٍ كبيرة على الأقل مرتبة حسب الزوايا الصحيحة فيما بينها، في محاولةٍ لقياس التأثيرات الطفيفة لإطار السحب الذي تنبأ به أينشتاين في نظريته النسبية العامة.

باستخدام جيرينو، كان فريق كل من INFN وINGV، قادراً على تسجيل سبع هزاتٍ أرضيةٍ بالغة الأهمية وقعت تحت المحيط الأطلسي خلال أسبوعٍ من أخذ البيانات في يونيو/حزيران من العام 2015، يقول الباحثون إنه بالرغم من أن بياناتهم تعطي إشاراتٍ ضعيفة جداً على معدل الاضطراب، إلا أنه لا يزال بإمكانهم الكشف عن الحركة الدائرية الناتجة عن الأمواج الزلزالية للهزة الأرضية في الصخور المحيطة بالمختبر.

إشارات تدل على احتمال حدوث هزة أرضية Potential earthquake precursors


يذكر ساكاروتي أن النتائج تبين الجدوى من إنشاء تجارب طويلة المدى في مخبر غران ساسو، سواء كانت كتجربة جينجر GINGER أو باستخدام حلقةٍ ليزريّة واحدةٍ وكبيرة.


و أضاف: "سيقوم مثل هذا الجهاز بتسجيل الحركات الأرضية الدائرية لمدةٍ تزيد عن سنتين أو أربع سنواتٍ بشكلٍ منهجي، وسيتيح ذلك الدراسة التفصيلية للتشوه المرن للصخور الذي يسببه التراكم التدريجي عبر صدع جيولوجي قبل وقوع الهزة الأرضية، يمكن للتشوه أن يتضمن حركة دائرية، وبذلك فإن وجود جهازٍ شديد الحساسية في بيئةٍ منخفضة التشويش، يفتح إمكانياتٍ مثيرة للاهتمام لدراسة احتمالات وقوع هزاتٍ أرضية". لافتاً إلى وجود غران ساسو في واحدة من أكثر المناطق النشطة زلزالياً في إيطاليا.

يشير أولريخ شرايبر Ulrich Schreiber من الجامعة التقنية في ميونيخ Technical University of Munich، الذي يتعاون مع المجموعة الإيطالية، إلى أن علم الزلازل الدورانية هو علمٌ راسخٌ تماماً اليوم، ويعود الفضل في ذلك إلى توفر جيروسكوب الحلقة الليزرية المتطور، ولكنه مع ذلك يثني على العمل الأخير، حيث يقول شرايبر: "جينجيرينو هو أداة نموذجية عليها أن تنضج لتصل إلى كامل إمكانياتها، ولكن رصد هزة أرضية متحكم بها من مخبر عميق تحت الأرض، هو خطوة مهمة للأمام".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات