أيمكن للنجوم المُسافرة بسرعةٍ قريبة من سرعة الضوء أن تنشر الحياة في أرجاء الكون ؟

 

يمكن للنجوم المُسافرة بسرعةٍ قريبة من سرعة الضوء أن تنشر الحياة في أرجاء الكون


قد يكون للطريقة الجديدة لتسريع النجوم إلى سرعاتٍ هائلةٍ نتائج (تضمينات) عميقة في علم الحياة الفلكية (Astrobiology).

إنّ جُلَّ ما نعرفه تقريباً عن الأماكن القصية في الكون قد وصل ألينا عن طريق الرُّسل الكونية التقليدية، مثل: الفوتونات، والنيوترينوات، والأشعة الكونية... ولكنَّ إحدى مثالب هذه الطريقة تتمثَّل في أنها تصلح فقط عندما تتجه هذه الرُّسل إلينا مباشرةً من مصدرها.


اليوم، يعتقد إبراهام لويب (Abraham Loeb) وجيمس جويلّوشون (James Guillochon) ــ وهما من جامعة هارفارد في كامبردج ــ يعتقدان بوجود نمطٍ آخر من الرُّسل الكونية التي تَعْبُر الكون، والتي أيضاً بإمكانها أن تزوَّدنا بالمعلومات عن الأماكن القصية في هذا الكون. وهذه الرُّسل هي النجوم التي لفَظَتْها مجرَّاتُها بسرعاتٍ كبيرةٍ، لدرجةِ أنها تنطلق بسرعةٍ تزيد على نصف سرعة الضوء، الأمر الذي يجعلها بسرعتها هذه قادرةً على تغطية مسافات شاسعة.


والأمر الأكثر أهميةً أن هذه النجوم غير مضطرةٍ للانتقال بخطٍ مستقيمٍ نحونا، فهي تُصدر الضوء الخاص بها، الأمر الذي يمكننا من دراسته عن بُعد؛ وهذا ما يُعطي الفلكيين قدرةً أكبر على دراسة الكون.

تنتقل النجوم في مجرة درب التبانة بسرعة بضعة مئات من الكيلومترات في الثانية الواحدة بالنسبة إلى أقرانها من النجوم المجاورة. ولكن، وفي عام 1988 تنبَّأ الفلكي جاك هيلز (Jack Hills) بأنّ بعض النجوم يمكن أن تزيدَ سرعتَها وفق آلية «المقلاع الثقالي» لتصل إلى سرعةٍ تبلغ 1000 كيلومتر في الثانية.
 

وفي السنوات الماضية، اكتشف الفلكيون عدداً من هذه النجوم التي تُدعى «النجوم فائقة السرعة». وينتقل العديد من هذه النجوم بسرعةٍ تكفي للانفلات كليًا من مجرتنا. وهذا ما قدَّم دليلًا قويًا على وجود جسمٍ متراصٍّ وثقيلٍ في مركز مجرتنا، يُعتقد أنه ثقبٌ أسود هائل الكتلة.
 

المُثير للدهشة أن هذه النجوم فائقة السرعة تنتقل بما يعادل جزءٌ صغير من سرعة أسرع النجوم المعروفة، وهي النجوم التي يأسرها الثقب الأسود الفائق الكتلة في مدار حوله، وتتجاوز سرعة بعض هذه النجوم 10000 كيلومتر في الثانية الواحدة؛ أي ما يعادل 3 بالمئة من سرعة الضوء.


واليوم، يشير لويب وغويللوشون إلى أنه إذا كانت هناك آليةٌ ما لإطلاق النجوم، فإننا حينها يجب أن نكون قادرين على رؤية نجومٍ غير مرتبطة تنتقل بهذه السرعات العالية. وبالفعل، فقد وجدا هذه الآلية. 


يقول هذان الرجلان أنّه عندما تتصادم مجرتان، فإنه يمكن للثقبين الأسودين هائلي الكتلة في مركزيهما أن يتبادلا التأثير بطريقةٍ تتسبب بقذف أية نجمةٍ في مداريهما إلى خارج المجرة الناجمة عن هذا الاندماج، وبسرعةٍ كبيرةٍ للغاية.


حَسَب لويب وغويللوشون سرعة قذف هذه النجوم، ووجدا أنها يمكن أن تتجاوز 100000 كيلومتر في الثانية، أي حوالي ثُلث سرعة الضوء؛ ولهذا أطلقا عليها إسم «النجوم فائقة السرعة شبه النسبوية». ووفقاً لحساباتهما أيضاً وجدا أن هذه الآلية منتشرةٌ إلى حدِّ أنها تملأ الكون بهذه النجوم المقذوفة، بكثافة تصل إلى مئات الآلاف في الجيجا فرسخ المكعب.
وتتطور هذه النجوم لتُصبح أكبر وأكثر سطوعاً، مثلما هو الحال مع النجوم العادية، وهذا ما يجعل عملية رصدها سهلة.


ويقول لويب وغويللوشون أن الجيل القادم من مَقَارِيب (تلسكوبات) الفضاء سيكون بمقدورها الكشف عن هذه النجوم أثناء عبورها الفضاء الكامن بين المجرات (بين المجري intergalactic). وهذا ما يستدعي من الفلكيين ان يبقوا مترقّبين من أجله، فالاكتشاف ستكون له نتائج هامة؛ إذ أنه سيمّكن الفلكيين من تحديد المجرة التي تنتمي إليها هذه النجوم من خلال اقتفاء أثرها، في حين أن الخصائص المطيافية لها ستعطيهم معرفةً بالظروف الكائنة هناك، ومدى اختلاف هذه الظروف عن مثيلاتها في مجرتنا. وهذا ما يُعَدّ اسلوبًا جديدًا تمامًا في دراسة أقاصي الكون البعيدة.

ولهذه الرُّسل أيضاً تأثيرات حيوية (بيولوجية). لأنه وبحسب لويب وغويللوشون فإنّه: "يمكن للنجوم الفائقة السرعة شبه النسبوية نشر بذور الحياة خارج حدود مجرتها المضيفة". وإذا كان هذا الكلام صحيحاً، فهو ما سيصبح هدفاً مشروعاً للعلماء المتخصصين في علم الحياة الفلكي.

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات