الفيزياء الكمية وعلاقتها بنظرية الألعاب: الإلكترونات وسرب الأسماك!

نظرية الألعاب (Game theory) هي قسم من الرياضيات يدرس قدرة المجموعات على حلّ المسائل المعقدة؛ أما معادلة شرودينجر (Schrödinger equation) فهي المعادلة الأساسية في ميكانيك الكم - قسم الفيزياء الذي يركّز على دراسة الجسيمات الأصغر في الكون. وبناءً على ذلك لا يوجد سبب يدفع للتفكير بوجود علاقة بين الاثنين.

لكن وفقًا لفريق من علماء الفيزياء الفرنسيين، من الممكن ترجمة عدد كبير من المسائل الموجودة في نظرية الألعاب إلى لغة ميكانيك الكم. وفي ورقة علمية نُشرت مؤخرًا، برهن أولئك العلماء أنّ الإلكترون والسمكة يخضعان لنفس الرياضيات.

يشتهر شرودينجر في الثقافة الشعبية بفضل قطته الغريبة، لكنّه مشهور لدى علماء الفيزياء لكونه أول من كتب معادلة تصف بشكل كامل الأشياء الغريبة التي تحصل عندما تحاول إجراء تجربةٍ على المكونات الأساسية للمادة. أدرك شرودينجر أنه ليس بمقدورك تحديد مكان وجود الإلكترونات، أو الذرات، أو أي من الأجزاء الصغيرة في الكون ككرات البلياردو، بدقة في الوقت الذي تريده.

وعوضًا عن ذلك، يجب أن تفترض أن لدى الجسيمات مواقع منتشرة في الفضاء، وبالتالي هناك احتمالية معينة لظهور هذه الجسيمات في المكان الذي تتوقع ظهورها فيه في كل لحظة. إذا أردت العمل مع هذه الاحتمالات الواسعة -بدلًا من المواضع المحددة- يُمكنك حينها التنبؤ تمامًا بنتائج مجموعة من التجارب التي حيّرت علماء الفيزياء في بداية القرن العشرين.

تُعطيك معادلة شرودينجر العلاقة بين كيفية تغيُّر تلك الاحتمالات بمرور الزمن، والطريقة التي تتغير فيها في المكان؛ قد يبدو العمل مع الاحتمالات، بدلًا من المواقع، أمرًا غريبًا لكنّه يفي بالغرض؛ ولن يجادل علماء الفيزياء بنجاحه.

يبدو أن نظرية الألعاب لا صلة لها بأي من تلك الأمور. وبشكلٍ عام، تُركز هذه النظرية على مجموعة من العوامل المرتبطة باتخاذ القرارات للوصول إلى أقرب مكان من الهدف المنشود. يعني ذلك (كما هو مأمول) عمل الناس معًا بازدحام، أو عملهم ضدّ بعضهم كما هي الحال في اللعبة.

في نظرية الألعاب متوسطة المجال (mean-field game theory)، وهي القسم الذي تُركز عليه هذه الدراسة، تقوم بتحليل ما تفعله العوامل المختلفة بشكلٍ وسطي -لذلك يمكن تطبيق ذلك بسهولة على الناس العاملين وسط الزحام، لكنّ الأمر سيكون أصعب بالنسبة للعبة "مونوبولي" وحيدة.

المثال الذي قدّمه علماء الفيزياء، بقيادة إيغور سفيزيسكي Igor Swiecicki من المختبر الفرنسي للفيزياء النظرية في أورسي، هو سرب أسماك تُريد البقاء بالقرب من بعضها، وفي الوقت نفسه تبحث عن طعامها بشكلٍ منفرد.

تتحرّك الأسماك عمومًا في مجموعات منفردة مع وجود أجزاء منها تتحرك بشكلٍ عشوائي داخل المجموعة. وفي كل لحظة، قد تشاهد سمكة قطعةً صغيرة من الغذاء بعيدة عن الآخرين وتسبح لوحدها لتصل للغذاء قبل العودة بأمان إلى السرب.

يعني ذلك أن هناك توزعًا ما يحكم الأسماك، فهي متمركزة بشكلٍ أساسي في المجموعة، وتصبح نادرة كلما ابتعدت عنها أكثر. بكلماتٍ أخرى، إذا أخذت حجمًا معينًا من الفضاء، سيكون هناك قيمة احتمالية محددة تنصّ على أنك اخترت مكانًا فيه سمكة، وقيمة أخرى تخبرك باحتمال أن المكان خالي من السمك. ومع مضي السرب بالسباحة عبر هذا الحجم الذي اخترته، فإن احتمالية إيجاد سمكةٍ ما داخله تزداد. وبعد رحيل السرب عن تلك البقعة، تتناقص هذه الاحتمالية.

من الممكن لاحتمالية إيجاد سمكة داخل ذلك الحجم أن تتطور لتأخذ أي قيمة؛ وهذا التطور قد يحدث بطرق معقدة ووفقًا لمعادلات لم يكتشفها أحد سابقًا. لكن ذلك لا يحصل؛ فاحتمالية اكتشاف سمكة ما تتغير تمامًا بالطريقة نفسها التي يخضع لها الإلكترون. إذًا وفقًا لسفيزيسكي وفريقه، تخضع الأسماك لمعادلة شردوينجر!

من المحتمل أن نشاهد خلال الأعوام القليلة القادمة مضي نظرية الألعاب قُدمًا جرّاء استفادتها من هذا الاتصال الجديد مع ميكانيك الكم. يستمر علماء الفيزياء منذ قرنٍ كاملٍ من الزمن في توسيع معادلة شرودينجر، وقد وُفقوا في الحقيقة بشكلٍ جيد في استخدامها لحل حتى أكثر المسائل تعقيدًا؛ لكن لم يمضِ على نظرية الألعاب متوسطة المجال إلا نحو 10 أعوام، ما يعني وجود الكثير من الأسئلة المفتوحة التي يمتلئ بها المشهد.

قد تجري الآن ترجمة الكثير من تلك المسائل المفتوحة إلى إطار عمل ميكانيك الكم. وبالنظر إلى الجهد المبذول في حلّ كل مسألة من مسائل ميكانيك الكم المعقدة، فإنّه لايزال هناك فرصةٌ لحلّ هذه المسائل الجديدة، والوصول في نهاية المطاف إلى مشاهدة شيء أَلِف علماء الفيزياء مشاهدته سابقًا.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات