كيف نعرف أن الضوء هو موجة؟ - الجزء الثاني

لفهم جيد للمعلومات، يفضل الإطلاع على الجزء الأول من السلسلة تحت عنوان: السلوك الموجي للضوء. من هنا

 

تداخل مصدرين نقطيّين- الجزء الثاني


التداخل الموجي (Wave interference) هو ظاهرة تحدث عندما تلتقي موجتان تتحركان في نفس الوسط. إن تداخل الموجات يدفع الوسط ليأخذ شكلاً ناتجاً عن التأثير الصافي لكلا الموجتين المنفردتين على جسيمات الوسط. هذا التداخل قد يكون بنّاءً أو هداماً في الطبيعة. يحدث التداخل البنّاء (Constructive interference) في أي موقع على طول الوسط حيث تمتلك كلا الموجتين المتداخلتين نفس الإزاحة في نفس الاتجاه. 

على سبيل المثال: في أي لحظة معطاة في زمان وموقع عبر الوسط فإن قمة الموجة الأولى تتطابق مع قمة الموجة الثانية، فهما تتداخلان بهذه الطريقة لتشكلا ما يسمى القمة الفائقة (super-crest)، وبشكل مماثل تطابق قاع موجة مع قاع موجة آخر ينتج عنه تداخل بنّاء يسمى القاع الفائق (super-trough). يحدث التداخل الهدام عند أي موقع عبر الوسط عندما تكون الإزاحة الناتجة عن تداخل الموجات باتجاه مختلف. على سبيل المثال: تداخل قمة مع قاع يسبب تداخلاً هدّاماً. يمتلك التداخل الهدّام الميل لتقليل مقدار الإزاحة الكلية الناتجة في الوسط.

حدثت لحظة حاسمة في التاريخ حول النقاش المحتدم حول طبيعة الضوء في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر. أظهر ثوماس يونغ Thomas Young أن نمط التداخل يحدث عندما يلتقي الضوء من مصدرين مختلفين أثناء الحركة عبر نفس الوسط. ولفهم تجربة يونغ من المهم العودة عدة خطوات لمناقشة تداخل موجات الماء التي تصدر من نقطتين.

إن حدوث اضطرابين متزامنين في بركة سيولد موجات دائرية، والتي سوف تتداخل أثناء تحركها عبر سطح البركة.
إن حدوث اضطرابين متزامنين في بركة سيولد موجات دائرية، والتي سوف تتداخل أثناء تحركها عبر سطح البركة.


إذا اهتز جسم صعوداً ونزولاً في بركة، سينتج عندها سلسلة من الموجات الدائرية متحدة المركز في الماء. إذا اهتز جسمان صعوداً ونزولاً بنفس التردد عند نقطتين مختلفتين عندها سيتم إنتاج مجموعتين من الموجات الدائرية متحدة المركز على سطح الماء. ستتداخل هذه الموجات المتحدة المركز مع بعضها البعض أثناء تحركها عبر سطح الماء.

 

إذا قمت يوماً بقذف حصاتين في وقت واحد في بحيرة (أو قمت بشكل ما بعمل اضطراب في البركة في مكانين مختلفين في نفس الوقت) فإنك بلا شك لاحظت تداخل الموجات. ستتداخل قمة إحدى الموجتين بشكل بنّاء مع قمة الموجة الأخرى لينتج بذلك إزاحة كبيرة نحو الأعلى. وقاع إحدى الموجتين ستتداخل بشكل بنّاء مع قاع الموجة الثانية لتنتج إزاحة كبيرة نحو الأسفل.

 

وأخيراً ستتداخل قمة إحدى الموجتين بشكل هدّام مع قاع الموجة الأخرى عندها لا تنتج أي إزاحة. في حوض الأمواج ripple tank يمكن ملاحظة كلا التداخلين البنّاء والهدّام والتحكم بهما بسهولة. وهذا ما يمثل سلوكاً أساسياً لموجة يمكن توقعه في أي نوع من الأمواج.

أنماط تداخل مصدرين نُقطيّين


نمط تداخل مصدريين نقطيين
نمط تداخل مصدريين نقطيين


إن تداخل مجموعتين من الأمواج الدورية والمتحدة المركز والتي تمتلك نفس التردد تُنتج نمطاً مثيراً في حوض الأمواج. تظهر الصورة على اليمين نمط تداخل ناتج عن اضطرابين دوريين. القمم مرمزة بخطوط سميكة بينما القيعان مرمزة بخطوط رفيعة. وهكذا، يحدث التداخل البنّاء حيثما يلتقي خط سميك بخط سميك آخر أو خط رفيع مع خط رفيع آخر، هذا النوع من التداخل يؤدي إلى تشكيل بطون الموجة [1] antinode  وتظهر البطون هنا باللون الأحمر.

 

ويحدث التداخل الهدّام عندما يلتقي خط سميك بخط رفيع، هذا النوع من التداخل يؤدي إلى تشكل العقد [2] node  تظهر العقد هنا بنقاط زرقاء. يسمى هذا النمط موجة واقفة standing wave، ويتميز بوجود العقد والبطون والتي تقف مستقرة دائماً standing still، أي أنها توجد في نفس الموقع في الوسط. يبدو أن البطون (النقاط حيث الموجات تتداخل باستمرار بشكل بناء) تظهر على طول خطوط بطن الموجة. كما أن العقد توجد على طول الخطوط التي تسمى الخطوط العقدية.

يتميز نمط التداخل الناتج عن مصدرين نقطيين بالتناوب بين خطوط العقد والبطون. يوجد خط مركزي في النمط – وهو الخط الذي يشطر الخط المستقيم المرسوم بين المصدرين والذي هو خط بطن الموجة. هذا الخط المركزي لبطون الموجات هو خط النقاط التي تعزز بعضها دائماً من كل مصدر عن طريق التداخل البنّاء. خطوط البطون والعقد موجودة في الرسم أدناه.

إن نمط تداخل مصدرين يتناوب دائماً بين خطوط العُقد والبطون. هناك بعض الملامح في النمط يمكن تعديلها.

  • أولاً: التغير في الطول الموجي (أو التردد) للمصدر والذي بدوره سيغير عدد الخطوط في النمط ويغير من المسافة التقريبية بين الخطوط. إن زيادة التردد frequency سيزيد عدد الخطوط لكل سنتيمتر ويقلل المسافة بين الخطوط البناءة. بينما تؤدي زيادة التردد إلى تقليل عدد الخطوط لكل سنتيمتر وتزيد المسافات بين خطوط التداخل البناء.
     

يعتمد التقارب بين خطوط البطون لنمط تداخل مكون من مصدرين نقطيّين على الطول الموجي للموجات.
يعتمد التقارب بين خطوط البطون لنمط تداخل مكون من مصدرين نقطيّين على الطول الموجي للموجات.

 

  • ثانياً: التغيير في المسافة بين المصدرين سيعمل أيضاً على تغيير عدد الخطوط وقربها من بعضها. عندما تتحرك المصادر بعيداً عن بعضها تنتج العديد من الخطوط لكل سنتيمتر وتصبح الخطوط أقرب لبعضها. هاتان العلاقتان بين السبب والتأثير تطبقان لأي نمط تداخل ذو مصدر نقطي، سواءً كان موجات ماء، أو موجات صوت، أو أي نوع آخر من الموجات.

أنماط تداخل الضوء من مصدرين نُقطِيّين 

إن أي نوع من الموجات سواءً كان موجات ماء أم موجات صوتية ينتج نمط تداخل من مصدرين نقطيين إذا عمل المصدران بشكل دوري على إحداث اضطراب بالوسط وبنفس التردد. يتميز هذا النمط بالتناوب بين خطوط البطون والعقد. وبالطبع، فإن السؤال الذي يجب أن يظهر وقد ظهر بالفعل في القرن التاسع عشر هو: هل يستطيع الضوء إنتاج نمط من التداخل من مصدرين نقطيين؟ إذا وجد أن الضوء ينتج هكذا نمط من التداخل فإن ذلك سيقدم دليلاً إضافياً لدعم الطبيعة الموجية للضوء.

وقبل البحث في الدليل بالتفصيل، دعونا نناقش ما الذي قد يلاحظه شخص ما لو كان الضوء خاضعاً لنمط تداخل من مصدرين نقطيين. ما الذي يمكن أن يحصل لو أن قمة إحدى الموجات الضوئية تداخلت مع قمة الموجة الضوئية الأخرى؟ وكذلك الأمر لو تداخل قاع الموجة الضوئية مع قاع الموجة الضوئية الأخرى؟ وأخيراً ما الذي يحصل لو تداخلت قمة الموجة الضوئية مع قاع الموجة الضوئية الأخرى؟

حيثما يحدث تداخل بنّاء للضوء (وذلك عندما تتقابل قمة مع قمة، أو قاع مع قاع) فإن الموجتين تعززان بعضهما وتنتُج موجة ضوئية فائقة super light wave. وحيثما يحدث تداخل هدّام (عندما تتقابل قمة مع قاع) فإن الموجتين تعملان على تدمير بعضهما البعض وبالتالي لا تنتج موجة ضوئية. وهكذا فإن نمط التداخل الناتج من مصدرين نقطيين سيكون مُكوناً من أنماط متبادلة من خطوط البطون وخطوط العقد.

 

على أي حال، فيما يتعلق بموجات الضوء فإن خطوط البطون تكون مكافئة للخطوط المضيئة، وخطوط العقد مكافئة للخطوط المعتمة. إذا أمكن إنتاج هذا النمط من التداخل بواسطة موجات الضوء وإسقاطه على شاشة، فسيظهر حينها نمط متبادل من الحزم المضيئة والمعتمة على الشاشة. وبما أن الخط المركزي في هكذا نمط من التداخل هو خط بطن فإن الحزمة المركزية على الشاشة يجب أن تكون حزمة مضيئة.

نمط من التداخل من مصدرين نقطيين يخلق نمطاً متبادلاً من الخطوط المضئية والمعتمة والتي يتم إسقاطها على الشاشة.
نمط من التداخل من مصدرين نقطيين يخلق نمطاً متبادلاً من الخطوط المضئية والمعتمة والتي يتم إسقاطها على الشاشة.


في عام 1801 أظهر توماس يونغ Thomas Young بنجاح أن الضوء ينتج نمط تداخل من مصدرين نقطيين. ومن أجل إنتاج هذا النمط يجب استخدام ضوء أحادي اللون monochromatic light. الضوء أحادي اللون هو ضوء مكون من لون واحد فقط، وباستخدام هكذا ضوء فإن المصدرين سيهتزان بنفس التردد. من المهم أن تهتز موجتا الضوء مع بعضهما بنفس الطور phase، وهذا يعني أن تنتج قمة الموجة الأولى بنفس الوقت تماماً الذي تنتج فيه قمة الموجة الثانية (غالباً ما يسمى هذا بالضوء المترابط coherent light). 

لتحقيق ذلك، استخدم توماس يونغ مصدراً أحادي الضوء وأسقط الضوء من خلال ثقبين صغيرين. عندها سيحدث حيود diffract للضوء خلال الثقبين، وسيظهر النمط على شاشة. وبما أن هناك فقط مصدراً واحداً للضوء فإن مجموعة مكونة من موجتين منبعثتين من الثقبين الصغيرين ستكون بنفس الطور مع بعضها البعض. وكما هو متوقع فإن استخدام مصدر ضوئي أحادي اللون بالإضافة إلى شقين صغيرين لتوليد موجات ضوئية متوافقة في الطور نتج عنه نمط متبادل من الحزم المضيئة والمعتمة على الشاشة. ويوضح الشكل أدناه نموذجاً لذلك.


نمط تداخل لمصدرين نقطيّين
نمط تداخل لمصدرين نقطيّين


غالباً ما نجد تجربة شِقّي يونغ في كتب الفيزياء مع ضوء الليزر. ووُجد أن نفس المبادئ التي تنطبق على موجات الماء في حوض الأمواج تنطبق كذلك على تجارب موجات الضوء. على سبيل المثال: يجب أن يُنتج مصدر ضوئي عالي التردد نمط تداخل يحتوي على المزيد من الخطوط لكل سنتيمتر وفراغات أقل بين الخطوط. وبالفعل هذا ما تم ملاحظته في هذه الحالة. وعلاوة على ذلك، فإن المسافة الأكبر بين الشقين يجب أن تُنتج نمط تداخل يحتوي على المزيد من الخطوط لكل سنتيمتر وفراغات أقل بين الخطوط. ومرة أخرى كان الأمر كذلك.

 

نتائج تجربة يونغ
نتائج تجربة يونغ

 

الأمر المذهل في كل هذا هو أن توماس يونغ كان قادرا على استخدام مبادئ الموجات لقياس الطول الموجي للضوء. التركيز الآن على كيفية رصد تماثل خصائص موجات الماء في حوض الأمواج مع موجات الضوء. قدمت اكتشافات توماس يونغ المزيد من الأدلة للعلماء التي بيّنت أن الضوء يتصرف كموجة. بعد كل ذلك، هل يمكن لتيار من الجسيمات أن يقوم بكل هذا؟

 

النظرية الجسيمية
النظرية الجسيمية

ملاحظات

[1] antinode البطون: هي مواضع في الموجات الواقفة تكون فيها سعة الاهتزاز أكبر ما يمكن. 

[2] node العقدة: هي موضع في الموجة الواقفة تكون عنده سعة الاهتزاز لجزيئات الوسط صفراً.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات