كيف نعرف أن الضوء هو موجة؟ - الجزء الثالث

حتى تستطيع مواصلة فهم المعلومات والمصطلحات بشكل واضح، يرجى الاطلاع على الجزء الأول والثاني
 

التداخل في الأغشية الرقيقة 


يركّز الدّرس الأوّل من هذه الوحدة على إظهار بعض الأدلّة التي تدعم تاريخيًًّا بأنّ الضوء ينتشر كموجة، فانعكاس وانكسار وحيود موجات الضّوء هو الشّق الأوّل من هذه الأدلة، أمّا تداخلها فهو الشق الثاني. في بدايات القرن التاسع عشر أظهر توماس يونغ Thomas Young بأنّ تداخل الضّوء الذي يمر عبر شقّين يُنتج نمط تداخلٍ عندما يسلط على شاشة. في هذا القسم من الدرس الأول، سوف نتحقق من مثالٍ آخر للتداخل الذي يقدم المزيد من الأدلّة على السلوك الموجي للضّوء.

قد شاهدت ربما ظهورَ بقعٍ ملونةٍ على الزجاج الأمامي للسيارة لفترةٍ قصيرةٍ بعد مسحها بمساحة الزجاج الخاصة بالسيارة أو في محطّة الوقود، هذه البقع اللحظية الملونة هي نتيجةٌ لتداخل الضوء في غشاءٍ رقيقٍ من الماء أو الصّابون المتبقيان على الزجاج. وربما شاهدتَ أشرطةً ملونّةً فوق طبقةٍ خفيفةٍ من الزيت على بركة ماءٍ أو طريقٍ خرساني، فهذه الأشرطة الملونة هي نتيجةٌ لتداخل الضوء عن طريق طبقةٍ رقيقةٍ جدًًّا من الزيت المنتشر على سطح الماء.

 

هذا الشكل من التداخل يسمى عادةً بالتداخل في الأغشية الرقيقة (thin film interference) والذي يقدّم دليلًا آخر حول السلوك الموجي للضوء. 

يحدث تداخل موجات الضوء عندما تنتقل موجتان عبر وسيطٍ ويلتقيان في المكان نفسه. إذًا، ما الذي يسبب بالتحديد التداخل في الأغشية الرّقيقة؟ ماهو مصدر الموجتين؟ عندما تصل موجةٌ ما (بما في ذلك موجات الضوء) إلى حدود بين الوسيطين، ينعكس جزءٌ من الموجة خارج الحدود وينتقل جزءٌ آخر عبر الحدود. يبقى الجزء المنعكس من الموجة في الوسيط الأصلي.

 

أما الجزء المنتقل من الموجة فينتقل إلى الوسيط الجديد ويستمر في الانتقال عبره إلى أن يصل إلى الحدّ التالي. إذا كان الوسط الجديد غشاءً رقيقًا فلن تنتقل الموجة المنتقلة أبعد منها حتى تصل إلى حدٍّ جديدٍ وتمر بالسلوك الانعكاسي والانتقالي. وبالتالي، فهناك اندماجٌ لموجتين من خلال غشاءٍ، موجةٌ منعكسةٌ فوقه (الموجة رقم 1 في الرسم التوضيحي) والأخرى تحته (الموجة 2 في الرسم التوضيحي).


اندماجٌ لموجتين من خلال غشاءٍ، موجةٌ منعكسةٌ فوقه
اندماجٌ لموجتين من خلال غشاءٍ، موجةٌ منعكسةٌ فوقه


يمكن لهاتين الموجتين أن تتداخلا بشكلٍ بناءٍ إذا وافقت شرطين اثنين. أحد الشرطين هو أن تكون الموجتان قريبتين من بعضهما البعض نسبيًًّا بحيث يمكن أن تلتقي قمتيهما وقاعيهما ويحدث التداخل. وللإيفاء بهذا الشرط يجب أن يُسلط الضوء بزاويةٍ قريبةٍ من الصفر بالنسبة للعمود المُقام على السطح. (لا يظهر هذا الأمر في الرسم أعلاه لغايات التوضيح).

 

والشّرط الثّاني الذي يجب إيفاؤه أن تقطع الموجة، التي تنتقل عبر الغشاء وتعود إلى الوسيط الأصلي، المسافة الصحيحة بحيث تكون في الطور نفسه مع موجةٍ منعكسةٍ أخرى، وتتزامن موجتان عندما تلتقيان في النقطة نفسها في كل طور، لهذا يجب على الموجتين أن تشكلا قمةً في المكان نفسه واللحظة نفسها من الوقت وتشكل قاعَين في المكان نفسه وفي اللحظة نفسها، ومن أجل أن يحدث الشّرط الثاني يجب أن تكون سماكة الغشاء مثالية.

إذا وفّت الموجتان الأولى والثّانية هذين الشّرطين بانعكاسهما وخروجهما من الغشاء فإنّهما تتداخلان بطريقةٍ بنّاءة. وكما سنرى في الدّرس الثّاني يتكوّن الضّوء المرئيّ لنا من مجموعةٍ من الأمواج الضوئية متعدّدة الأطوال الموجيّة بحيث أنّ كلّ طولٍ موجيٍّ يتميّز بلونه الخاص. فالطول الموجي للأحمر يختلف عن مثيله للبرتقالي المختلف بدوره عن الأصفر.

 

في حين أنّه ربّما لا تسمح سماكة الغشاء في مكان ما للطول الموجي للأحمر والبرتقالي من اختراقه، ستسمح للطول الموجي للأصفر من الاختراق بشكل مثالي. إذًا، في مكان ما من الغشاء، تمر موجة الضوء الأصفر عبر التداخل البنّاء الذي يصبح أسطع من الألوان الأخرى في الضوء الساقط، وبذلك يظهر الغشاء باللون الأصفر عندما تسقط عليه أشعة الشّمس، وربّما تكون أماكن أخرى من الغشاء مثالية بشكل قوي للضوء الأحمر، تبقى أماكن أخرى من الغشاء ذات سماكةٍ مثاليةٍ لمرور الضوء الأخضر. ولأنّ مختلف الأماكن من الغشاء قد تكون بسماكةٍ مناسبةٍ لتسمح بمرور مختلف ألوان الضّوء، سيظهر الغشاء الرّقيق أشرطةً ملونةً عندما يستعرض من الأعلى.

في حين أن رياضيات تداخل الغشاء يمكن أن تصبح معقّدةً جدًًّا، فإنّه من الواضح من خلال هذا النّقاش أنّ تداخل الغشاء الرّقيق هي ظاهرةٌ أخرى لا يمكن شرحها إلا باستعمال النّموذج الموجي للضّوء.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات