روسيا تخطط لمهمة مريخية تصل في 45 يوماً

خلال الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفياتي يمتلك أكثر من ثلاثين قمراً صناعياً يعمل بالانشطار، مثل Rorsat 
الحقوق : Smithsonian/DIA

هل فكرت يوماً بالذهاب إلى المريخ؟ بالتأكيد لن ترغب بذلك باستخدام المحركات الحالية إذا علمت أنها تعتمد على الدفع الكيميائي، بالإضافة إلى كونها رحلة بلا عودة تستغرق 18 شهراً! إن السفر عبر الفضاء لمدة طويلة كهذه يجعلك عرضة لمجموعة من التحديات، كالملل والإشعاعات والتسمُّم والسرطان، الأمر الذي قد يكون قاتلاً. تخيّل أنك قررت خوض المغامرة! هنيئاً لك كونك المريخي الأول الذي يموت بعد التقدم بالسن، لأن العودة من الكوكب الأحمر مستحيلة في الوقت الراهن بسبب الافتقار للخدمات اللوجيستية المطلوبة كالوقود.

يعتقد الروس أن بإمكانهم تحقيق ذلك، فقد أعلنت الشركة الوطنية للطاقة النووية روساتوم Rosatom عن البدء ببناء محرك نووي يستطيع الوصول إلى المريخ خلال شهر ونصف، مع احتوائه على الوقود اللازم لرحلة العودة. ربما لن تكون روسيا قادرة على تحقيق هدفها في إطلاق النموذج الأولي بحلول عام 2025، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو الوضع المالي للبلاد أكثر من كونه بسبب التحديات التقنية للمحرك النووي.

لقد حلّ العلماء السوفييت الكثير من هذه التحديات بحلول عام 1967، عندما بدؤوا بإطلاق أقمار صناعية تعمل بالانشطار. كان للأمريكيين في ذلك الوقت برنامجهم الخاص المسمى SNAP-10A، والذي أُطلق في سنة 1965 أثناء الحرب الباردة.

ألغى كل من البلدين برامج الدفع الحرارية النووية باكراً، على الرغم من أن السوفييت استمروا حتى الثمانينات. السبب وراء الإلغاء المبكر هو أن هذه الأنظمة الانشطارية صُنِعت للأقمار الصناعية المدارية خفيفة الوزن نسبياً، وليست للسفن الفضائية عالية التوجه التي تؤمِّن الحياة للمسافرين عبر الفضاء. يقول نيكولاي سوخوف Nikolai Sokov، وهو زميل رئيسي في مركز مارتن جيمس لدراسات منع الانتشار النووي في مونتيري، كاليفورنيا: "مع ذلك، يجب ألا يكون الحدث النووي بعيداً ولا معقداً جداً، ولكن الأمر المكلف حقّا هو تصميم سفينة فضائية يحيط بها كل ذلك".

إن الدفع الحراري النووي هو نوع من أنواع الدفع النووي. لم تجب روساتوم على الأسئلة الموجهة لها بخصوص مواصفات نظامها، ولكن إعلانها يلمح إلى نوع من الانشطار الحراري، وذلك قد يعني أن المحرك سيولد الحرارة عن طريق انقسام الذرات، وستستخدم الحرارة المتولدة لحرق الهيدروجين أو بعض المواد الكيميائية الأخرى، بحيث ستنطلق المركبة بعكس اتجاه انطلاق المواد المحترقة.

إن المبدأ ليس بعيداً عن الدفع الكيميائي. إن أسرع الصواريخ الكيميائية تُنتج الدفع عن طريق إشعال نوع واحد من المواد الكيميائية (المادة المُؤكسِدة) لحرق مادة أخرى (المادة الدافعة)، وبذلك تنشأ قوة الدفع. يقيّم علماء الصواريخ أنظمة الدفع سواء الكيميائية أو غيرها استناداً إلى معيار يسمى الدفع النوعي specific impulse، يفسر هذا المفهوم روبرت كينيدي Robert Kennedy، وهو مهندس نظم لدى تيترا تيك في أوك ريدج، تينيسي، وزميل سابق في الكونغرس لممثلي لجنة الفضاء الفرعية لمجلس النواب الأمريكي، حيث يقول: "إن الدفع النوعي يعني أنه إذا كان لدي رطل من الوقود، فكم ثانية سيستغرق هذا الرطل من الوقود لينتج رطلاً من الدفع". على سبيل المثال، ينتج الرطل الواحد من الخليط الكيميائي المشغّل لنظام الإطلاق الفضائي في صاروخ البعثة المزمعة إلى المريخ التابعة لوكالة ناسا، حوالي 269 ثانية من الدفع في الفراغ. 

لكن محصلة النظامين مختلفة جذرياً، يرجع ذلك إلى معضلة ترسانة الصواريخ الكيميائية. تتلخَّص هذه المعضلة في أننا إذا أردنا الانطلاق بسرعة أكبر، علينا التزود بكمية أكبر من الوقود، وحمل المزيد من الوقود سيؤدي إلى زيادة وزن الصاروخ، وكلما ازداد الوزن، احتجنا إلى وقود أكثر... 

في نهاية المطاف، سنتوصل إلى المعادلة التي توازن الدفع إلى الوزن، والتي تستغرق معدل سنة ونصف على الأقل لإرسال صاروخ كيميائي محمَّل بطاقم إلى المريخ. (حتى يقوم أحفاد إيلون ماسك Elon Musk ببناء محطات للوقود بين الكواكب الصخرية). هذا إن لم نأخذ بعين الاعتبار تكلفة وقود الإطلاق وهي حوالي 3,000 دولار للرطل الواحد، إنها باهظة بالتأكيد ولكن السياسات الأمريكية المتعلقة بالنووي تجعله أصعب بكثير، لذا فإن ناسا عالقة الآن بين نظام الإطلاق الفضائي وخزاناتها المتعطشة للوقود.
 
من ناحية أخرى، لقد كان الدفع النوعي للمحركات التي كانت قيد التطوير من قبل الأمريكيين والسوفييت أثناء السباق الفضائي ضعف الدفع النوعي لأي صاروخ كيميائي. أما بالنسبة للإصدارات الحديثة، فمن المتوقع أن تقدم أفضل من ذلك، بمعنى أنه يمكن للسفن الفضائية حمل المزيد من الوقود، وبالتالي إطلاق الصواريخ إلى أجزاء أبعد من الرحلة المريخية. أما الأفضل من ذلك كله، هو السفن الفضائية التي تعمل بالانشطار الحراري، والتي لديها وقود يكفي للتسارع والوصول إلى مدار المريخ، ومن ثم العودة إلى الأرض!

إن الحديث عن مهمة انشطارية نحو المريخ يُلهم حالمي الفضاء، ولكن من المحتمل أن تتوفر تطبيقات عملية للمحرك الروسي في المدى القريب. يتوجب على الأقمار الصناعية أن تحرق دفاعاتها بين حين وآخر للبقاء في مداراتها المثلى، ومنع سقوطها على الأرض. يعتقد سوخوف أن السبب الرئيسي وراء تطوير محرك نووي حراري هو السماح للمركبة بالمزيد من التصحيحات المدارية، بالإضافة إلى زيادة عمر القمر الصناعي بشكل كبير، كما أن القوة الانشطارية تعطي المسابر قدرة أكبر على المناورة. يقول سوخوف: " إحدى التطبيقات المدنية هي جمع كل النفايات الفضائية، أنت حر في التفكير بتطبيقات أخرى، والتي لن يكون بعضها خاليا من المساوئ". 

ربما لدى روسيا الرغبة في استخدام الطاقة النووية، ولكنها تفتقر إلى الموارد. لقد خصصت روساتوم ميزانية مقدارها 15 مليار روبل للمشروع، والذي بدأ فعلياً عام 2010، ومن المقرر إطلاقه بحلول عام 2025. إن 15 مليار روبل تعادل 700 مليون دولار، وهو مبلغ زهيد بالنسبة لمشروع فضائي يمتد لخمسة عشر عاما. بالإشارة إلى نظام الإطلاق الفضائي التابع لناسا، فمن المتوقع أن تكون تكلفة جزء الصاروخ فقط ما يقارب 10 مليار دولار.

إن هذه التكلفة (15 مليار روبل) لا تشمل تكاليف الإطلاق، لهذا السبب أعلنت روساتوم عن مشروع الأسابيع الستة نحو المريخ في وقت مبكر. يقول سوخوف: "إن الإعلان للجمهور يخدم عدداً من الأهداف، بما في ذلك الحصول على التمويل، وزيادة الشفافية، والمستهدفون هم الساسة والقراء وغيرهم من الذين يستهويهم هذا الأمر". تعتزم روساتوم البدء باختبار مفاعل أرضي بحلول 2018.

إذا ما نجح الاتحاد الروسي في ذلك، فإن المعاهدات الدولية لن تستطيع إيقافه؛ لأنها تنطبق على الأسلحة النووية فقط، لكن هذا لا يعني أن المحرك سيكون آمناً تماماً. إن انبعاثات الصواريخ لا تتحرر دائماً في الفضاء، بالإضافة إلى احتمالية وقوع الأشياء من المدار نحو الأرض. في عام 1978، تحطم القمر الصناعي السوفيتي الذي يعمل بالطاقة النووية في شمال كندا، قاذفاً النفايات المشعة على مدى يقارب 50,000 ميل مربع. لكن استمع إلى الحكمة التي تقول: لا يمكننا صنع العجة بدون كسر البيض، أليس كذلك؟
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات