للمرة الأولى ناسا ترصد عملية أساسية في الطبيعة بشكل مباشر

تظهر الصورة مركبات المجال المغناطيسي الأربع متعددة النطاقات أو MMS (تظهر هنا من منظور فني) وقد نفذت حتى الآن أكثر من 4000 رحلة عبر حدود المجال المغناطيسي للأرض لتجمع بذلك المشاهدات حول البيئة الحركية لفضائنا.

المصدر:NASA/Goddard/Conceptual Image Lab

أطلقت ناسا أربع مركبات فضائية خلال إعصار هائل غير مرئي في الفضاء، يدعى إعادة الربط المغناطيسي. تشبه عملية الإطلاق هذه عملية إرسال حساسات إلى وسط إعصار كما يفعل العلماء على الأرض. 

أما بالنسبة لإعادة الربط المغناطيسي فهي واحدة من المحركات الأساسية للإشعاع الفضائي لذلك يعد من العوامل الرئيسية في السعي لمعرفة المزيد عن بيئتنا الفضائية وحماية مركباتنا الفضائية ورواد الفضاء لدى قيامنا بالبحث أبعد وأبعد عن كوكبنا.

يمثل الفضاء فراغاً أفضل من أي فراغ بإمكاننا خلقه على الأرض، ولكنه يحتوي بعض الجسيمات - أضف إلى أنه يعج بالنشاط. كما أنه يفيض طاقةً وحقولاً مغناطيسيةً معقدة الأنظمة. يحدث أحياناً عند اتصال مجموعتين من المجالات المغناطيسية رد فعل انفجاري يجري خلاله إعادة اصطفاف الحقول المغناطيسية من جديد واستقرارها في تشكيلات جديدة تقوم بطرد الجسيمات على شكل تدفقات بسرعة كبيرة.

قدمت ورقة جديدة طبعت في دورية العلوم Science بتاريخ 12 أيار/مايو من العام 2006 المشاهدات الأولى من داخل حدث إعادة الربط المغناطيسي. ويظهر البحث تحكم فيزياء الإلكترونات بإعادة الربط المغناطيسي. وبالتالي توفر معلومات حاسمة عن المصدر الذي يمد هذه العمليات الأساسية في الطبيعة بالطاقة.



المصدر: NASA's Goddard Space Flight Center/Duberstein


لوحظت عواقب هذا الانطلاق المفاجئ للطاقة والجسيمات في جميع أنحاء النظام الشمسي وما بعده، من مثل الانفجارات العملاقة على الشمس، والشفق، والعواصف الإشعاعية في الفضاء القريب من الأرض والجسيمات الكونية عالية الطاقة القادمة من مجرات أخرى. ولكننا لم نكن قادرين أبداً على أن نشهد ظاهرة إعادة الربط المغناطيسي مباشرة. وقد رصدت الأقمار الصناعية ومضات خاطفة سريعة لجسيمات عابرة مسرعة، ولكن ليس الزخم - أي بشكل مشابه لمشاهدة اندفاع الحطام خارج الإعصار، وليس الإعصار نفسه.

يقول "جيم برتش" Jim Burch، الباحث الرئيسي لـ MMS في معهد أبحاث الجنوب الغربي في سان أنتونيو، تكساس، Southwest Research Institute والمؤلف الأول لورقة البحث في مجلة العلوم: "طورنا البعثة، بعثة المجال الكروي المغناطيسي متعدد النطاقات، حيث إنها للمرة الأولى ستمتلك الدقة المطلوبة لجمع المشاهدات من قلب إعادة الربط المغناطيسي، تلقينا نتائج بشكل أسرع مما توقعنا. برؤيتنا لحدث إعادة الربط المغناطيسي على أرض الواقع نكون قد شهدنا إحدى القوى الأساسية في الطبيعة".

تتألف MMS من أربع مركبات فضائية متماثلة أطلقت في شهر آذار/مارس من العام 2015. تطير هذه المركبات في تشكيل هرمي لخلق خارطة ثلاثية الأبعاد لأي من الظواهر التي تقوم برصدها. في 16 تشرين الأول/أكتوبر من عام 2015 سارت المركبة الفضائية بشكل مباشر عبر حدث لإعادة ربط مغناطيسي على الحد الفاصل حيث يصطدم مجال الحقل المغناطيسي للأرض مع المجال المغناطيسي للشمس. في غضون ثوان فحسب، قامت الحساسات الـ 25 في كل مركبة بجمع آلاف المشاهدات. فتح هذا الإيقاع غير المسبوق البابَ لتتبع أفضل من أي وقت مضى لكيفية تغير المجالات المغناطيسية والكهربائية، إضافة إلى سرعات واتجاهات مختلف الجسيمات المشحونة.

ينشأ علم إعادة الارتباط من علوم الكهرومغناطيسية الأساسية، التي تهيمن على معظم الكون وهي قوة أساسية في الفضاء كما الجاذبية على الأرض. يمكن اعتبار أي مجموعة من المجالات المغناطيسية كصف من الخطوط. تتجه خطوط الحقل هذه دائماً نحو جسم ما -ككوكب أو نجم- مولدة شبكة مغناطيسية هائلة تحيط به. وبالتالي عندما تلتقي شبكتان كتلك تحدث ظاهرة إعادة الربط المغناطيسي.


إعادة الربط المغناطيسي، وهي ظاهرة تحدث في الفضاء عند التقاء خطوط المجالات المغناطيسية مع بعضها، تعود للاصطفاف وتطلق الجسيمات باتجاه الخارج  المصدر: NASA/Goddard/Conceptual Image Lab
إعادة الربط المغناطيسي، وهي ظاهرة تحدث في الفضاء عند التقاء خطوط المجالات المغناطيسية مع بعضها، تعود للاصطفاف وتطلق الجسيمات باتجاه الخارج المصدر: NASA/Goddard/Conceptual Image Lab


تخيل صفوفاً من خطوط حقل مغناطيسي تتحرك باتجاه بعضها البعض عند حد فاصل ما. ( فعلى سبيل المثال تنتقل مركبات MMS عبر الحدود التي يلتقي فيها الحقل المغناطيسي للأرض مع حقل الشمس). في بعض الأحيان تنتقل خطوط الحقل في الاتجاه نفسه، ولا يكون لها كبير التأثير على بعضها البعض، كتياري ماء يسيران إلى جانب بعضهما.

 
ولكن إذا اتجهت مجموعتان من خطوط الحقل باتجاهين متعاكسين، فإن عملية إعادة الاصطفاف تغدو أكثر إثارة. إذ يمكنها أن تكون انفجارية بشكل كبير، مرسلة جسيمات تندفع بعيداً بسرعة قريبة من سرعة الضوء. بإمكانها أيضاً أن تكون بطيئة ومستقرة، لكنها على كل الأحوال تطلق كميةً هائلةً من الطاقة.

يقول "توم مور" Tom Moore،عالم بعثة MMS في مركز غودارد للطيران الفضائي التابع لناسا في غرين بيلت، ميريلاند NASA's Goddard Space Flight Center: "إن أحد ألغاز ظاهرة إعادة الربط المغناطسي هو لماذا تكون انفجارية في بعض الأحيان ومستقرة في أوقات أخرى، وفي بعض الحالات لا تحدث إعادة الربط المغناطيسي على الإطلاق".

سواء كانت انفجارية أم لا، تعلق الجسيمات المحلية خلال الحدث إذ تندفع خارجاً باتجاه مناطق بعيدة، عابرةً حدوداً مغناطيسيةً ما كان لها أن تعبرها لولا ذلك.

تسمح مثل هذه الأحداث التي تحصل على حواف المحيط المغناطيسي للأرض (المجال الكروي المغناطيسي) بدخول الإشعاعات الشمسية إلى الفضاء القريب من الأرض

يقول بورش: "نعلم من قياسات سابقة للأقمار الصناعية أن المجالات المغناطيسية تسلك سلوك مصيدة، مرسلة الإلكترونات إلى الخارج بشكل متسارع، أما اللغز الذي له من العمر عقود هو ما الذي تفعله الإلكترونات في الحقيقة، وكيف يرتبط الحقلان المغناطيسيان فعلياً فيما بينهما. أبطئَت قياسات الأقمار الصناعية على الإلكترونات 100 مرة لتشابه منطقة إعادة الربط المغناطيسي. ومع ذلك فإن سرعة ودقة قياسات MMS فتحت نافذة جديدة على الكون، نظرة مجهرية جديدة لمشاهدة إعادة الارتباط".

تتبعت MMS ما يحدث للإلكترونات خلال إعادة الربط المغناطيسي مع هذه المجموعة من المشاهدات. حالما عبرت المركبات الفضائية الأربع حدود المجال الكروي المغناطيسي طارت مباشرة عبر ما يسمى منطقة التبدد حيث تحدث إعادة الارتباط المغناطيسي. تمكنت المشاهدات من متابعة تبدل أو تحول الحقول المغناطيسية وكذلك كيفية ابتعاد الجسيمات.


الفضاء هو خلاء أفضل من أي خلاء يمكننا خلقه على الأرض، لكنه يعج بالنشاط والجزيئات وخطوط الحقل المغناطيسي، تدرس ناسا بيئتنا الفضائية لتحمي تقنياتنا ورواد الفضاء، بينما نقوم بالاكتشاف أبعد وأبعد عن كوكبنا الأرضي  المصدر: NASA/Goddard/Conceptual Image Lab
الفضاء هو خلاء أفضل من أي خلاء يمكننا خلقه على الأرض، لكنه يعج بالنشاط والجزيئات وخطوط الحقل المغناطيسي، تدرس ناسا بيئتنا الفضائية لتحمي تقنياتنا ورواد الفضاء، بينما نقوم بالاكتشاف أبعد وأبعد عن كوكبنا الأرضي المصدر: NASA/Goddard/Conceptual Image Lab


بينت المشاهدات أيضاً أن الإلكترونات تنطلق مبتعدة عن منشها في خط مستقيم بسرعة مئات الأميال في الثانية. لتعبر الحدود المغناطيسية التي كانت لتحرفها في الحالة الطبيعية. لدى عبورها الحدود، تنحني الجسيمات عائدة رداً على المجالات المغناطيسية الجديدة التي صادفتها، لتصنع منحنياً على شكل حرف U. تناسب هذه المشاهدات محاكاةً حاسوبيةً تعرف باسم "النموذج الهلالي" نسبةً إلى الأشكال الهلالية المميزة التي تبديها المنحنيات التي تمثل البعد المتوقع للإلكترونات عند عبورها الحدود المغناطيسية قبل أن تلتف عائدة من جديد.

حدثت نتيجةٌ مثيرة للدهشة لحظة الارتباط المتبادل بين خطوط المجال المغناطيسي للشمس وخطوط المجال المغناطيسي للأرض حيث استدارت هذه الأهلّة (المنحنيات الهلالية) فجأة لتطفو الإلكترونات على طول خطوط الحقل. بمشاهدة آثار هذه الإلكترونات، حصلت MMS على المشاهدة الأولى للانفصال المتوقع والربط المتبادل بين المجالات المغناطيسية في الفضاء.

يقول "مايكل هيس" Michael Hesse، عالم الفضاء في غودارد وهو أول من طور النموذج الهلالي: "أظهرت البيانات كامل عملية إعادة الربط المغناطيسي على أنها منظمةٌ وأنيقةٌ إلى حد ما، لا يبدو وجود الكثير من الاضطراب أو على الأقل لا يوجد ما يكفي منه لتعطيل أو تعقيد العملية".
 
يشير اكتشاف استمرار الشكل الهلالي المميز لتوزيع الإلكترونات إلى أن فيزياء الإلكترونات هي الأساس لفهم كيفية قيام خطوط الحقل المغناطيسي بتسريع الجسيمات.

يقول "روي توربيرت" Roy Torbert، وهو عالم في مركز علوم الفضاء في جامعة نيو هامبشير في دورهام Space Sc
ience Center at the University of New Hampshire ومؤلف مشارك في الورقة : "يبين لنا ذلك أن الإلكترونات تتحرك بطريقة تنشأ بها حقول كهربائية، تقوم بدورها بإنتاج تحول ومضي للطاقة المغناطيسية، قدم لنا الالتقاء الذي كانت معداتنا قادرة على قياسه رؤية أوضح عن تحرر طاقة إعادة الربط الانفجارية والدور الذي تلعبه فيزياء الإلكترونات".

نفذت MMS منذ انطلاقها أكثر من 4000 رحلة عبر حدود المجال المغناطيسي حول الأرض، في كل مرة كانت تجمع معلومات عن كيفية تحرك الحقول المغناطيسية والجسيمات، بعد رصدها الأول لإعادة الربط المغناطيسي، عبرت مثل هذا الحدث لأكثر من خمس مرات أخرى، موفرة المزيد من المعلومات حول هذه العملية الأساسية.

بينما تواصل البعثة مهمتها، يمكن للفريق أن يضبط تشكيل المركبة الفضائية MMS بجعلها تقترب أكثر من بعضها، ما يوفر رؤية أفضل لمسارات الإلكترونات، وبالنتيجة رؤية أفضل لمسارات البروتونات، تساهم كل مجموعة من المشاهدات في توضيح الجوانب المختلفة لإعادة الربط المغناطيسي. ستساعد مثل هذه المعلومات مجتمعةً العلماء على رسم تفاصيل بيئتنا الفضائية - لتعطي معلومات حاسمة بينما نبتعد أكثر مما مضى عن كوكبنا الأرضي.
 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات