يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
اكتشاف سر حاسة الشم

اكتشف باحثون من كلية الطب في جامعة بطرسبورغ الآلية الكامنة وراء طريقة عمل حاسة الشم لدى البشر، وهو أمر حيّر الباحثين لعقود طويلة. ففي مقالة نشرت على موقع Proceedings of the National Academy of Sciences، أشار فريق الباحثين إلى أنهم اكتشفوا على نحو مدهش أن الآلية تتبع مبدأ فيزيائيًا بسيطًا يدعى التعاضدية (cooperativity). 

تؤدي عملية استنشاق رائحة معينة إلى إرسال خليط معقد من جزيئات الرائحة التي تدور باتجاه الجزء الخلفي من الأنف، وهناك ترتبط بمستقبلات متخصصة موجودة فوق ملايين الخلايا العصبية الشمية. وبالتالي فإن تنشيط هذه المستقبلات يؤدي إلى إرسال إشارات من الخلايا العصبية الشمية إلى الدماغ، حيث يتم هناك فك شيفرة الرائحة (أي التعرف عليها). 

تمتلك الخلايا العصبية الفردية نوعًا واحدًا فقط من المستقبلات، وبالتالي فإنها تميز فقط جزيء رائحةٍ معيّنًًا. ومع ذلك، توجد هناك مئات الأنواع المختلفة من مستقبلات حاسة الشم، أو يُعبر عنها، بأعداد متساوية تقريبًا عبر كامل مجموعة الخلايا العصبية، ما يسمح للشخص بالتعرف على مجموعة واسعة من الروائح، وذلك وفقًا للشرح الذي قدمه كبير الباحثين الدكتور "جيان هو زينغ" Jianhua Xing، وهو أستاذ مساعد في الأنظمة البيولوجية والحاسوبية في كلية بيت Pitt للطب. ومن جهة أخرى، كلّ من "ريتشارد أكسل" Richard Axel من جامعة كولومبيا، و"ليندا باك" Linda Buck التي تعمل حاليًا في مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان، حصلا على جائزة نوبل في الطب أو الفيزيولوجيا بسبب اكتشافهم المستقبلات والقيام بهذه الملاحظات. 

يقول زينغ: "على مدار العقود الماضية، حاول علماء الأعصاب أن يكتشفوا كيف تستطيع الطبيعة تحقيق هذين الهدفين: أي اختيار واحد فقط من مستقبلات حاسة الشم لكل واحدة من الخلايا العصبية، بينما في الوقت ذاته ضمان تمثيل جميع أنواع المستقبلات في كامل الخلايا العصبية". 

وبالطبع أنتجت الأسرار التي تكتنف طريقة عمل حاسة الشم لدينا العديدَ من الملاحظات التجريبية حول كيفية عمل مستقبلات حاسة الشم. وفي الدراسة الجديدة، استخدم زينغ وزملاؤه البيانات التجريبية الموجودة لتصميم نموذج حسابي يوضح كيف أن التعبير الجيني لمستقبلات حاسة الشم يمكن أن يكون موحدًا عبر خلية عصبية واحدة، ولكنه في المقابل مختلف عبر كامل عدد الخلايا العصبية. وبعد ذلك، استخدموا هذا النموذج كي بتنبؤوا بشكل صحيح بعدة نتائج إضافية أثبتت صحتها مجموعات بحثية أخرى، وهذا يؤكد بالتالي صحة نموذجهم. 

وعلى نحو مثير للدهشة، يقترح نموذج الفريق نظاما ثلاثي الأبعاد من التعبير الجيني لمستقبلات حاسة الشم، والتي تتبع مبدأ فيزيائيًا أساسيًا يدعى بالتعاضدية، وفيه تؤثر العناصر الموجودة في نظام ما على سلوك نظام آخر عوضًا عن أداء وظيفتها بشكل مستقل. ويمكن لمبدأ التعاضدية أن يفسر العديد من الظواهر من قبيل الانتقال من الحالة السائلة إلى حالة البخار، ولماذا لا يمتزج الماء والزيت، وحتى العمليات البيولوجية مثل طريقة طي البروتين. 

يقول الدكتور زينغ: "نحن مندهشون جدًا من قدرة الطبيعة على معالجة العملية الهندسية المعقدة ظاهريًا في مستقبل حاسة الشم، ومن ثم التعبير عنها بطريقة بسيطة للغاية". 

ومن المتوقع أن تمهد النتائج الطريق أمام توقعات جديدة حول طريقة عمل مستقبلات حاسة الشم، والتي يمكن اختبارها في تجارب مستقبلية، كذلك ستساعد النتائج الفريق في تحسين نموذجهم، وفي السعي وراء مزيد من التوقعات. 

 

ملاحظات


التعبير الجيني: هو عملية تحويل الخلية للشيفرة الموجودة في الجينات إلى بروتينا

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات