طريقة جديدة للتحكم بالضوء عند الأحجام النانوية

اكتشف باحثون من مختبر لورانس الوطني في بيركلي ومن جامعة كاليفورنيا سبيلًا جديدًا في طريق الوصول إلى دارة ضوئية مدمجة بالغة الكثافة وشديدة الاكتناز، إذ طوّر الفريق تقنية جديدة للتحكم الفعال بنبضات الضوء باستخدام أدلة موجية نانوية الحجم ومدمجة بشكل حزم، وهو مطلب أساسي للوصول إلى الاتصالات البصرية عالية الأداء، وإلى الحوسبة الكمومية على مستوى الرقاقات.

قاد شانغ تشيانغ Xiang Zhang، مدير قسم علوم المواد في مختبر بيركلي، دراسة طُبق من خلالها مفهوم رياضي يُعرف بالإقصاء الأدياباتي  [1] (adiabatic elimination) على أدلة موجية بصرية نانوية (nanowaveguides)، وهي النسخة الضوئية للدارات الإلكترونية.

عبر الجمع بين الأنظمة المزدوجة -التقنية القياسية للتحكم بحركة الضوء عبر زوجين من الأدلة الموجية-، والإقصاء الأدياباتي، تمكّن شانغ وزملاؤه من القضاء على مشكلة الانتقال العرضي غير المرغوب به، والمتأصل في الأدلة الموجية عالية الكثافة.

تقترب الآن الدارات الإلكترونية كثيراً من حدودها بسبب مشاكل التبديد الحراري (heat dissipation) والاستهلاك الطاقي. تُعتبر الإلكترونيات الضوئية (Photonics)، التي تستخدم نبضات الضوء الناقل للبيانات عبر الألياف البصرية عوضاً عن الإشارات الكهربائية المنتقلة داخل الأسلاك النحاسية والكابلات، بديلاً مهماً وقادرًا على حمل كميات أكبر من البيانات وبسرعات أكبر بكثير، مُطلقةً في الوقت نفسه كمية أقل من الحرارة، ومستخدمةً طاقة أقل بكثير. مع ذلك، فإن مسألة الانتقال العرضي غير المرغوب به للإشارة (crosstalk problem) في الأدلة الموجية النانوية البصرية المزدوجة تُمثل حاجز تقنيًا رئيسيًا أمام هذا الإنجاز.


في هذا المخطط للإقصاء الأدياباتي، يجري التحكم بحركة الضوء داخل الدليليْن الموجييْن الخارجييْن بواسطة الدليل الموجي الوسطي المظلم الذي لا يُراكِم أيَّ كمية من الضوء.   Credit: Zhosia Rostomian, Berkeley Lab
في هذا المخطط للإقصاء الأدياباتي، يجري التحكم بحركة الضوء داخل الدليليْن الموجييْن الخارجييْن بواسطة الدليل الموجي الوسطي المظلم الذي لا يُراكِم أيَّ كمية من الضوء. Credit: Zhosia Rostomian, Berkeley Lab


يقول شانغ: "عندما تكون الأدلة الموجية النانوية المتقاربة مقترنةً في أزواج، يؤثر الضوء الموجود في دليل موجي على ذلك الموجود في الآخر. يصير هذا الاقتران خطيراً بشكلٍ خاص عندما تكون مسافة الفصل أقل من حد الانعراج (diffraction limit)، ما يضع قيداً على مدى قرب الأدلة الموجية من بعضها".

ويتابع: "استطعنا، تجريبياً، أن نعرض إقصاءً أدياباتيًا يقطع الانتقال العرضي بين القنوات بشكلٍ فعال، ويُمكننا من التحكم الديناميكي بالاقتران بين الأدلة الموجية القريبة جداً من بعضها. يُقدم نهجنا هذا طريقة جذابة للتحكم بالمعلومات البصرية في الضوئيات النانوية المدمجة (integrated nanophotonics)، ويُقدم أيضاً طريقة جديدة لتصميم المكونات الضوئية نانوية الحجم والفعالة طاقياً، والكثيفة مثل المشكلات المدمجة (compact modulators)، والموجهات البصرية عالية السرعة، والروابط (interconnects)".

شانغ، الذي استفاد من معهد علوم الطاقة النانوية كافلي (ENSI) في بيركلي، هو أحد مؤلفي الورقة العلمية المنشورة في مجلة Nature Communications، تحمل الورقة عنوان "Adiabatic elimination based coupling control in densely packed subwavelength waveguides"، والمؤلفون الرئيسيون هم ميشيل ميرجين Michael Mrejen، وهايم سوشكوفيسكي Haim Suchowski، وتايكي هاتاكياما Taiki Hatakeyama، إضافة إلى شين-هوي وو Chih-hui Wu، وليانغ فينغ Liang Feng، وكيفن أوريان Kevin O'Brien، ويوان وانغ Yuan Wang.

يقول شانغ: "إحدى الطرق العامة لإنجاز التحكم الفعال بأنظمة الأدلة الموجية المزدوجة هو استغلال اللاخطيات البصرية الناتجة عن نبضة تحكم قوية. على أي حال، تُعاني هذه الطريقة من الامتصاص اللاخطي المُحفز من قبل نبضة التحكم الشديدة أثناء انتشار الإشارة والتحكم بها في نفس الدليل الموجي".

حوّل شانغ ومجموعته اهتمامهم نحو مفهوم الإقصاء الأدياباتي، الذي سجل رقماً قياسياً في الفيزياء الذرية وحقول بحثية أخرى، والفكرة الأساسية وراء هذا المفهوم هي تفكيك الأنظمة الديناميكية الكبيرة إلى أنظمة أصغر عبر استخدام الديناميكا البطيئة مقابل السريعة.

يقول المؤلف المشارك ميرجين: "تخيل ثلاثة دِلاء موضوعةً بجانب بعضها البعض، بحيث يكون الأول مليئاً بماء الصنبور، والأوسط يتغذى من الدلو الأول عبر ثقب، في حين يتغذى الثالث من ثقب موجود في الثاني. إذا كان معدل التدفق إلى الدلو الأوسط مساوياً لمعدل التدفق الخارج منه، فإن الدلو الثاني لن يُجمِّعَ الماء، والإقصاء الأدياباتي مشابه لهذا الأمر في جوهره، إذ يسمح الدلو الأوسط بالوصول إلى تحكم غير مباشر بالديناميكا مقارنةً بالحالة التي يتجه فيها الماء مباشرة من الدلو الأول إلى الثالث".

يُطبق شانغ ومجموعته البحثية هذا المفهوم على النظام المزدوج المكون من أدلة موجية نانوية بصرية عبر إدخال دليل موجي ثالث إلى وسط الزوج؛ وبوجود مسافة فصل بين كل دليلين تصل إلى 200 نانومتر فقط، وهي مسافة تؤدي في العادة إلى توليد الكثير من الانتقال العرضي للإشارة، إلى حد تمنع معه أي تحكم بالنظام المزدوج. على أي حال، يعمل الدليل الموجي الأوسط بالوضعية "المظلمة"، أي يبدو وكأنه غير مشترك في عملية تبادل الضوء بين الدليلين الموجيين الخارجيين لأنه لا يُراكم أي كمية من الضوء.

يقول المؤلف المشارك سوشوفيسكي، الموجود حالياً في جامعة تل أبيب: "على الرغم من أن الدليل الموجي المظلم الموجود في الوسط يظهر وكأنه غير موجود في العملية، إلا أنه يؤثر على ديناميكا النظام المزدوج".

ويتابع: "عبر الاختبار المتروي للهندسة البينية للأدلة الموجية الخارجية والوسطى، أنجزنا الإقصاء الأدياباتي، الذي مكّننا بدوره من التحكم بحركة الضوء داخل أدلة موجية نانوية عالية الكثافة. وحتى وقتٍ قريب، كان ذلك الأمر شِبه مستحيل".


ملاحظات


[1] أدياباتي أو "مكظوم الحرارة" adiabatic: أي أنه يحدث بدون كسب أو فقدان أية حرارة.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً
  • معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية. (IKI): معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية.

اترك تعليقاً () تعليقات