كيف نستكشف الكواكب التي تدور حول نجومٍ بعيدة!

إليكم المقالة الأولى ضمن سلسلةٍ مكونةٍ من مقالين (الجزء الثاني)، والتي تبحث في ما يمكن لعلماء الفلك معرفته عن الكواكب المكتشفة، والتي تدور حول نجومٍ أخرى واقعةٍ في مجرتنا.

يكمن التحدي حالياً -بعد اكتشاف أكثر من 3300 من الكواكب التي تدور حول نجومٍ أخرى حتى الآن- في معرفة المزيد عن هذه العوالم البعيدة. إن مجرد اكتشاف كوكب خارج المجموعة الشمسية (exoplanet) يعطي بعض المعلومات عن طبيعته، حيث وباستخدام تقنيتين أساسيتين للكشف عن الكواكب -طريقة السرعة الشعاعية (the radial velocity) وطرق العبور (transit methods)- نرى نجماً يتذبذب أو يومض في إضاءته بشكلٍ دوري.

تخبرنا مدة التذبذب، أو الفترة الزمنية بين الومضات، بالمدة المدارية -أي الفترة التي يستغرقها الكوكب ليدور دورة كاملة حول نجمه- وبمعرفتها يمكن أن نحسب حجم مدار الكوكب حول نجمه، فكلما قل بعد الكوكب عن نجمه قلت الفترة المدارية.

أما بالنسبة للكواكب المكتشفة باستخدام تقنية السرعة الشعاعية، فيمكننا أن نتعلم أكثر عن مدار الكوكب، من خلال دراسة الطريقة التي يتذبذب بها النجم المضيف. 


كلما كان مدار الكوكب حول نجمه دائرياً أكثر، كلما كان تذبذبه أكثر انتظاماً، إلا أن عمليات الرصد التي قمنا بها، كشفت أن بعض الكواكب تتحرك في مداراتٍ بعيدةٍ كل البعد عن الشكل الدائري، وكما ناقشناه من قبل، مثل هذه الكواكب هي جزء هام من أفضل تفسير لدينا لأصل بعض أغرب الكواكب المكتشفة حتى الآن.

القياس


تتيح لنا طريقة السرعة الشعاعية تقدير كتلة الكوكب، ففي حال وجود كوكب ذو كتلة أكبر ويدور على نفس المدار، فمن شأن ذلك أن يتسبب في تذبذب أكبر لضوء النجم، ولكن لأننا لا نرى هذا الكوكب في الحقيقة، فإننا لا نعرف ميل مداره عن خط بصرنا. 


ونتيجةً لذلك، فإن الكتلة التي نقدرها للكوكب، تكون في الحد الأدنى الذي نتوقع أن تكونه كتلة الكوكب، على افتراض أن مداره دقيق، وليس لدينا فكرة عن الحجم الفعلي للكوكب، وإنما مجرد تقدير لكتلته.

تسمح طريقة العبور -على النقيض من السابقة- باكتشاف الحجم الفعلي للكوكب، عن طريق قياس كمية الضوء الذي يُحجب خلال العبور، وكلما كان الكوكب أكبر فإنه يحجب ضوءاً أكثر، ويتسبب في ومضةٍ أكبر لنجمه المضيف، إلا أن هذا لا يعطينا أي معلوماتٍ حول كتلة الكوكب.

ويتمثل الوضع المثالي في تلك الكواكب التي يمكن أن نرصد لها كلاً من العبور وتذبذب السرعة الشعاعية، حيث يخبرنا التذبذب عن الكتلة الحقيقية ويخبرنا العبور عن حجم الكوكب. ضع الاثنين معاً، وبذلك يمكن معرفة كثافة الكوكب، وهو المفتاح لتحديد ما إذا كان عالماً صخرياً أو معدنياً، أو عملاقاً غازياً.

لهذا السبب، فإن عمليات الرصد المتتابعة للكواكب التي وجدت باستخدام طريقة العبور، هي ذات أهمية كبيرة لعلماء الفلك. وهذا يدفعنا إلى بناء العديد من المنشآت الجديدة المخصصة لدراسة السرعة الشعاعية، بما في ذلك منشأة منيرفا-أستراليز MINERVA-Australis.

 الطبيعة الحقيقية "للمشتريات الحارة"


لا تمثل معرفة كثافة الكواكب سوى البداية، حيث يطبق علماء الفلك الآن تقنيات جديدة ومبتكرة للتعلم أكثر عن بعض أغرب الكواكب الخارجية المعروفة، وهي "كواكب المشترى الحارة" hot jupiters.

تمثل الصورة تصوراً فنياً لأحد كواكب المشتريات الحارة، وهو يعاني متأذياً بينما يغلي من حرارة نجمه المضيف.  مصدر الصورة: NASA/GSFC/Frank Reddy
تمثل الصورة تصوراً فنياً لأحد كواكب المشتريات الحارة، وهو يعاني متأذياً بينما يغلي من حرارة نجمه المضيف. مصدر الصورة: NASA/GSFC/Frank Reddy


تغطي هذه العوالم الضخمة والمنتفخة تقريباً سطح النجوم المضيفة، وتدور بفترات من أيام، وليس أسابيع أو سنوات، ولأنها ضخمة وعلى مقربة من مضيفها، فإنها تحرض عبورات وتذبذبات كبيرة في السرعة الشعاعية يمكن اكتشافها بسهولة. 


تعتبر هذه الكواكب من نواح كثيرة، أسهل ما يمكن الوصول إليه من عالم الكواكب خارج المجموعة الشمسية، وتمثل فرصةً مثاليةً لصقل الأدوات التي من شأنها أن تتيح لنا دراسة عوالم شبيهة بالأرض يوماً ما. 

استخدام الدوران بين النجمي (بين النجوم)


تمثل حقيقة دوران النجوم حول محاورها واحدةً من العديد من العوامل التي تجعل من الصعب العثور على كواكب باستخدام طريقة السرعة الشعاعية، إلا إذا كان قطب النجم موجهاً إلى الأرض، وهذا يعني أن جزءاً من النجم يدور دائماً نحو كوكبنا، في حين أن الآخر يدور بعيداً. 


ونتيجةً لذلك، فإن الضوء القادم من أحد جانبي النجم سيكون مائلاً للأزرق قليلاً، في حين أن الضوء القادم من الجانب الآخر سيكون مائلاً للأحمر قليلاً.  وتكون النتيجة هي اتساع أو زيادة عرض الخطوط الطيفية للنجم (الميزة الأساسية المستخدمة لقياس السرعة الشعاعية الخاصة به)، مع مراعاة أن الضوء المرصود يشكل مجموع ما ينبعث من كل جزء من سطح النجم الذي يتجه إلينا، وكلما زادت سرعة الدوران ازداد عرض الخطوط.

أما بالنسبة للكواكب العابرة، فإن هذا السلوك هو في الحقيقة مفيد، إذ يقدم لعلماء الفلك أداة إضافية ويسمح لهم بقياس درجة اصطفاف مدار الكوكب (أو انحرافه) مع خط استواء النجم المضيف له. ولتحديد ذلك، يقوم علماء الفلك بعمليات رصد سريعة ومتكررة للسرعة الشعاعية للنجم أثناء العبور.

تخيل كوكباً يدور في نفس اتجاه عزم دوران نجمه (مدار متوافق مع مدار النجم prograde orbit)

الكوكب والنجم يدوران في نفس الاتجاه، مدار متوافق  مصدر الصورة: Wikipedia/Autiwa, CC BY
الكوكب والنجم يدوران في نفس الاتجاه، مدار متوافق مصدر الصورة: Wikipedia/Autiwa, CC BY


أولاً، سوف يحجب الكوكب جزءاً من جانب النجم المتجه نحو الأرض، ونتيجةً لذلك، فإننا سوف نتلقى من الضوء القادم من الجانب المائل للأحمر أكثر من ذلك القادم من الجانب المائل للأزرق، وستظهر جميع الخطوط الطيفية للنجم مائلةً قليلاً إلى اللون الأحمر.

وبينما يتحرك الكوكب مبتعداً على طول مداره، فإنه سيحجب أجزاء من النجم تقترب منا ببطء أكثر، ومن ثم الأجزاء المبتعدة عنا، وبذلك فإن خطوط النجم ستتحول تدريجياً إلى موقعها الطبيعي، ثم ستنتقل إلى اللون الأزرق. وعندما ينتهي العبور أخيراً، ويعود النجم مرة أخرى غير محجوب، فإن خطوط الطيف ستتحول إلى مكان انطلاقها.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الكوكب الذي يدور بعكس اتجاه دوران نجمه (مدار معاكس retrograde orbit)، فإن خطوط طيفه ستميل إلى اللون الأزرق أولاً، ثم إلى اللون الأحمر وتعود مرةً أخرى.

كوكب يتحرك بعكس اتجاه دوران نجمه، على مدار معاكس  مصدر الصورة Wikipedia/Autiwa, CC BY
كوكب يتحرك بعكس اتجاه دوران نجمه، على مدار معاكس مصدر الصورة Wikipedia/Autiwa, CC BY


يمكن لهذه التقنية أن تكشف حتى عن الكواكب التي تعبر بعيداً عن المركز، ولا سيما إذا كانت تلك الكواكب تتحرك أيضاً في مدارات مائلة (وبالتالي فإنها تحجب فقط الجانب الأحمر أو الأزرق للنجم وليس كلاهما).



 


لوحظ هذا التأثير المتمثل قي التبدل السريع بين الطيف الأحمر والأزرق للضوء أثناء عبور رُصد لأول مرة لنجوم ثنائية، قبل قرنٍ من الزمان تقريباً، وهو معروف باسم تأثير روسيتر-ماكلولين (Rossiter-McLaughlin effect). وعن طريق قياس السرعة الشعاعية لنجم ما خلال العبور، يتم معرفة ميلان مدار الكوكب عن خط استواء النجم بوضوح.

يستخدم واحد منا -وهو بريت- هذه التقنية مع بعض من أكبر التلسكوبات في العالم، ليساهم بذلك في فهرس متزايد لكواكب وجدت في مدارات غير اعتيادية. وكانت النتائج مذهلة: فمن بين 91 كوكب مشتري حار قيست درجة ميلان مداره، فإن أكثر من ثلثها تنحرف إلى حد هام في مدارها، وتميل أكثر من 20 درجة، إضافةً إلى تسعة من تلك الكواكب وجدت تتحرك في مدارات معاكسة.

هل سيكون الحال نفسه عندما ننتقل من عصر الكواكب الخارجية إلى عصر الكواكب الأرضية الخارجية (ExoEarth)، والبدء في العثور على كواكب شبيهة بالأرض حول هذه النجوم البعيدة؟ 

سنعرف ذلك بمرور الوقت، إلا أن هذه النتائج تقدم لمحةً مثيرةً عن كونٍ أكثر تعقيداً بكثير مما نتخيل!

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • السرعة القطرية أو الشعاعية (Radial velocity): هي سرعة حركة الجسم اتجاه نصف القطر.
  • مركز غودارد لرحلات الفضاء (GSFC): هو واحد من المراكز العلمية التي تقوم ناسا بتشغيلها. المصدر: ناسا
  • معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية. (IKI): معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات