ربما يكون الزمن موجودًا في رؤوسنا فقط

الزمن الكوني ليس منطقياً!

لا شك أنّ طبيعة الزمن لها التأثير الأكبر على حياتنا اليومية، فبينما تجري الأيام والأسابيع والأشهر والسنين، يجري الزمن من الماضي إلى الحاضر ثم إلى المستقبل، ولا يفعل العكس أبداً.

ولكن، وفقا للفيزياء التي تحكم كوننا، ستحصل نفس الأشياء بغض النظر عن الاتجاه الذي يسافر فيه الزمن، ويقترح الفيزيائيون الآن، أنّ الجاذبية ليست قوية كفاية لإجبار كل جسم في الكون على أن يتحرك في اتجاه متقدم للأمام في أي حال.

إذا هل الزمن الذي نألفه موجودٌ حقًا؟ أم هو وهم في رؤوسنا؟


أولاً: دعنا نُنعش معلوماتنا بخصوص ما يدعى بسهم الزمن.

بفضل سهم الزمن الذي يتجه للأمام، يصبح الشباب كبارًا في السن، ويصبح الحاضر، الذي كان يومًا ما المستقبل، ماضيًا. فلا يمكنك أن تعيد البيض المخفوق إلى طبيعته، كما لا يمكنك أن تعيد قدمًا مكسورة إلى حالتها السليمة بضغط (control + Z) كما في لوحة المفاتيح.

لكن لنتجاهل وجهة نظرنا لثانية ولننظر للكون ككلّ، فحسب ما نعرفه الآن، فالشيء الوحيد الذي يحكم تصرفات الكون هو قوانينُ الفيزياء، ولكنّ تكمن المشكلة في أنّ كلّ هذه القوانين، ما عدا واحدا، تعدّ قابلة للعكس بالنسبة للزمن -بمعنى أنّ كلّ التأثيرات ستحصل، بغض النظر عمّا إذا كان الزمن يجري للأمام أم للخلف.

يقول لي بيلينغز Lee Billings لموقع Scientific American: "لا يهم إن كانت معادلات جاذبية نيوتن، أو معادلات ماكسويل الكهروديناميكية، أو نظرية أينشتاين النسبية العامة والخاصة، أو حتى ميكانيكا الكم، فإن أفضل المعادلات المختصة في وصف الكون تعمل بشكل مثالي بحال كان الزمن يجري للأمام أو للخلف أي قابلاً للعكس."
 

أحد الأمثلة على خاصية قابلية العكس بالنسبة للزمن في الكون هو مسار كوكب يدور حول نجم، تبعاً لقوة الجاذبية. يشرح برندن كول Brendan Col: "سواء كان الزمن يجري للأمام أم للخلف، تتبع مدارات الكواكب نفس المسار، والفرق الوحيد هو اتجاه المدار."

إذًا، هل الزمن شخصي (ذاتي)؟ ربما يكون هذا ما تقوله النظرية النسبية الخاصة، لكن هناك شيء صغير يدعى قانون الديناميكا الحرارية الثاني، إذ يقول هذا القانون، أنه أثناء مرور الزمن تزيد الفوضى (أو الإنتروبيّة وهي مقدار الاضطراب في نظام ما) دائما في الكون، وهذا يرجعنا لمثال البيض المخفوق -فور أن يصبح نظام ما في حالة فوضى، لا يمكنك العودة للخلف وتقليل مقدار الاضطراب الحاصل في ذاك النظام.

يشرح كول: "لهذا السبب اعتبر الفيزيائيون مجبرين أن قانون الديناميكا الحرارية الثاني هو مصدر سهم الزمن، إذ يجب أن تزيد الفوضى دوماً بعد حدوث شيء، وهذا يتطلب تحرّك الزمن في اتجاه واحد فقط".

إن بدأت الأمور تبدو مشوشة لك بعض الشيء، فالسّبب في ذلك أنها مشوشة فعلاً!

يظن العديد من الفيزيائيين الآن أنّه عندما تجبر قوةُ الجاذبية عددًا كافيًا من الجسيمات الصغيرة لتتفاعل مع بعضها، يظهر اتجاه سهم الزمن للأمام، ويمكن للفوضى والاضطراب عندها أن يزداد، ثم عندما تبدأ هذه الجسيمات الصغيرة بالتفاعل مع أشياء أكبر حجمًا بكثير، تتغير القوانين لتُفضّل كوناً بلا اتجاه، لكن ليعمل ذلك، يجب أن تكون الفوضى قد زادت، مما يعني أنه يجب على الكون أن يكون قد بدأ منظمًا أكثر مما هو الآن وهو شيء حاول الفيزيائيون تفسيره باقتراح فكرة وجود أكوان موازية حيث يجري الزمن للأمام أو للخلف أو للجانب أو أي اتجاه آخر.

في محاولة لحل أحد أكبر الألغاز في العلم الحديث، قرر عالما فيزياءٍ اختبار افتراض يعتبر أن الجاذبية هي القوة التي تقف خلف كلّ هذا الجنون.

تُعرف النقطة التي يُعتقد أنّ الجسيمات تنتقل عندها من كونها محكومة بسهم الزمن إلى كونها محكومة بقوانين الكون عديمة الاتجاه باسم نقطة فك الترابط decoherence، وكما يشرح نيك ستوكتون Nick Stockton لموقع وايرد Wired، أكثر النظريات التي تشرح فك الترابط بروزًا هي معادلة ويلر وديويت Wheeler-DeWitt، والتي تتنبأ بالنقطة التي تُلغى عندها الحدودُ بين ميكانيكا الكم والميكانيكا الكلاسيكية بفضل الجاذبية.

لكن عندما أجرى الفيزيائي ديمتري بودولسكي Dmitry Podolsky، من جامعة هارفارد، والفيزيائي روبرت لانزا Robert Lanza رئيس مؤسسة Astellas Global Regenerative Medicine قياسات للجاذبية عبر معادلة ويلر-ديويت، وجدا أنّه عند حساب نتائج المعادلات الرياضية، فإن المعادلة لا تفسر كيفية ظهور حركة الزمن أمامية الاتجاه فعلاً.
 

في الحقيقة، وحسب النتائج، فإن تأثيرات الجاذبية تبدأ ببطء شديد وهذا يستبعد أن تكون هي سبب سهم الزمن الكوني. ويشير ستوكتون، إن كانت الجاذبية ضعيفة جدًا لتكون الشيء الذي يسبب تفاعل الجزيئات مع بعضها البعض بينما تتفكك لشيء أكبر، فمن غير المحتمل أن تكون قوية كفاية لإجبارها على السير بنفس الاتجاه، الذي يجري به الزمن.
 

أمّا لانزا فيقول لمجلة Discover: "يُظهر بحثنا أن الزمن لا يوجد فقط لينقلنا من الماضي إلى المستقبل، لكنه خاصية ناشئة تعتمد على قدرة الراصد على الحفاظ على المعلومات بخصوص الأحداث التي عاشها." يشير ذلك إلى أن سهم الزمن أمر شخصي أو ذاتي، ويحدده الراصد الذي هو نحن.

يقول لانزا لموقع وايرد Wired: "أثبت أينشتاين في بحثه عن النسبية أنّ الزمن نسبي للراصد، أما بحثنا يتقدم بالأمر خطوة للأمام، بافتراضه أن الراصد هو في الحقيقة من يخلق الزمن".

إنّ الفكرة جدلية بالطبع، إذ يُشير ياسونوري نومورا Yasunori Nomura، وهو فيزيائي في جامعة كاليفورنيا في بركلي ولم يشارك في هذه الدراسة، أنّ عالمي الفيزياء فشلا بأخذ نسيج الزمكان بعين الاعتبار، واضطرا لتقديم خاصية في المعادلة -وهي زمن الراصد- والتي لا أحد متأكد من وجودها.

يقول نومورا: "يعتمد الجواب على ما إذا كان مفهوم الزمن ممكن التعريف رياضيًا دون تضمين راصدين في النظام". 

إن كنا نريد تفسير غرابة الزمن في الكون، فإننا لم نصل لذلك حتى الآن، لكن كما يقترح لانزا وبودولسكي ربما قد نكون أغفلنا شيئًا ما، وكما أشار الفيزيائيون سابقاً هذه السنة، هل يمكن أن يكون ذلك الشيء هو الطاقة المظلمة؟

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات