كم عدد الكلاب التي سافرت إلى الفضاء؟ - الجزء الأول

أن تُصبح رائد فضاء، هو شرفٌ نادر الحدوث، فذلك يتضمن نظام الاختيار الصارم وعمليات التدريب الصعبة، وبعد ذلك.. شرف الذهاب إلى الفضاء!  يتمتع قلةٌ من الأشخاص بالمزايا التي تخولهم لاختبار هذه التجربة، لكن ماذا عن الأنواع الأخرى من الحيوانات التي ذهبت إلى الفضاء؟ أليس من الغرور أن ننسب كل المديح لأنفسنا؟ 

ماذا عن تلك السعالي simians والفئران الشجاعة التي تم إرسالها إلى الفضاء؟ ماذا عن الخنازير الغينية والجرذان؟ وماذا عن "أعز صديقٍ للإنسان" تلك الأنياب الشجاعة التي مهدت الطريق أمام رحلات الفضاء البشرية؟ 

تمكن السوفييت خلال خمسينات وستينات القرن الماضي من إرسال أكثر من 20 كلباً إلى الفضاء، حيث لم يعد بعضها أبداً. وسنستعرض في هذا المقال ما نعرفه عن تلك الأنياب الجريئة التي ساعدت في جعل البشر جنساً مسافراً عبر الفضاء. 

 نظرة تاريخية


خلال خمسينات وستينات القرن الماضي، وجد الأمريكيون والسوفييت أنفسهم في خِضم سباقٍ فضائي، وكانت تلك فترة منافسة شديدة حاولت خلالها كل منهما التغلب على الأخرى عبر تحقيق أول رحلةٍ فضائية وإطلاق مهماتٍ مداريةٍ مأهولة، وفي نهاية المطاف، الهبوط بطاقم بشري على سطح جرم فضائي آخر (أي القمر). 

ألبرت 2 Albert II أثناء عملية التحضير لرحلته التاريخية.  حقوق الصورة: NASA
ألبرت 2 Albert II أثناء عملية التحضير لرحلته التاريخية. حقوق الصورة: NASA


قبل إطلاق مهماتٍ مأهولة، أجرى كلٌ من برنامج الفضاء السوفيتي بالإضافة لوكالة ناسا، اختباراتٍ شديدةٍ على الحيوانات لقياس الضغوط الجسدية اللازم تحملها للذهاب إلى الفضاء، ولم تكن تلك التجارب هي الأولى من نوعها، حيث تم استخدام الحيوانات لإجراء اختبارات جويةٍ في القرون الماضية. 

على سبيل المثال، استخدم الأخوان مونقولفيي Montgolfier عام 1783، خروفاً وبطةً بالإضافة إلى ديكٍ لاختبار منطادهما ذي الهواء الساخن وذلك لمعرفة تأثيراته، وبين عامي 1947 و1960، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية العديد من صواريخ V-2 الألمانية التي تم الاستيلاء عليها (حيث تضمنت حيوانات اختبار) لقياس تأثير السفر إلى ارتفاعاتٍ شديدةٍ على الكائنات الحية. 

وبسبب قلة عدد الصواريخ، أطلقوا أيضاً بالونات لارتفاعاتٍ عالية، وقد تم إجراء هذه الاختبارات باستخدام ذباب الفاكهة والخنازير الغينية والقطط والضفادع والفئران وقوارض الهاميستر، بالإضافة للأسماك الذهبية والقرود، وكان أكثر الاختبارات شهرةً ذلك الذي أُجري على القرد الريسوسي ألبرت الثاني، والذي أصبح أول قردٍ يصل إلى الفضاء في 14 يونيو 1949. 

وبالعودة إلى السوفييت، فقد كانت الكلاب الخيار الأفضل بالنسبة لهم لإجراء الاختبارات، وذلك لأسبابٍ عدة، فأولاً، اعتقدوا أن الكلاب ستكون أكثر راحةً خلال فترات الخمول الطويلة، كما قام السوفييت باختيار إناث الكلاب (نظراً لكون مزاجها أفضل من مزاج الذكور) و أصروا على اختيار الكلاب الضالة (عوضاً عن الكلاب المنزلية)، وذلك لأنهم شعروا أنها ستكون قادرةً على تحمل الضغوط الشديدة لرحلات الفضاء بشكلٍ أفضل. 

صورةٌ لنوعٍ من وحدات السلامة التي تم استخدامها لإرسال "كلاب الفضاء" الروسية في مداراتٍ حول الأرض. WIkipedia Commons/Bricktop/Russia in Space حقوق الصورة:
صورةٌ لنوعٍ من وحدات السلامة التي تم استخدامها لإرسال "كلاب الفضاء" الروسية في مداراتٍ حول الأرض. WIkipedia Commons/Bricktop/Russia in Space حقوق الصورة:


 عمليات التدريب


احتجز السوفييت الحيوانات داخل صناديق صغيرة ذات حجم يتناقص باستمرار لفتراتٍ تتراوح بين 15 و20 يوماً في كل مرةٍ بهدف تجهيز الكلاب لاختبارات الطيران، وقد تم تصميم ذلك لمحاكاة الوقت الذي ستقضيه الكلاب داخل وحدات السلامة خلال رحلتهم.

تم ابتكار تمارين أخرى لتجهيز الكلاب لرحلات الفضاء، وتضمنت جعل الكلاب يقفون لفتراتٍ زمنيةٍ طويلة، كما قاموا يتعويد الكلاب على ارتداء البزّات الفضائية، ووضعوها أيضاً داخل أجهزة الطرد المركزي لمحاكاة التسارع الكبير خلال عملية الإطلاق. 

 الرحلات شبه المدارية


استخدم الروس بين عامي 1951 و1956 الكلاب لإجراء أول اختبارات الطيران الخاصة بهم، باستخدام صواريخ R-1، وجرى إطلاق 15 مهمة شبه مدارية إلى ارتفاعات بلغت 100 كيلومترٍ تقريباً (60 ميلاً) فوق مستوى سطح البحر، وتم إلباس الكلاب التي حلقت على متن هذه الرحلات بزات ضغطٍ مزودةٍ بخوذٍ زجاجيةٍ أكريليكيةٍ ذات مظهرٍ فقاعي.

نموذجٌ لصاروخ R-1 في مدينة زنامينسك، بالقرب من موقع كابوستين يار لإطلاق الصواريخ.  حقوق الصورة: Wikipdia Commons/function.mil.ru
نموذجٌ لصاروخ R-1 في مدينة زنامينسك، بالقرب من موقع كابوستين يار لإطلاق الصواريخ. حقوق الصورة: Wikipdia Commons/function.mil.ru


في 22 يوليو/تموز 1951، أصبح دزيك Dezik وتصيغان Tsygan أول كلبين يسافران إلى الفضاء، وذلك على متن صاروخ R-1، وقد وصلت المهمة لارتفاعٍ أقصاه 110 كم، ومن ثم جرى استرجاع الكلبين دون إصابات. 


وفي 29 يوليو/تموز من نفس العام، أُرسل ديزيك في رحلة شبه مداريةٍ أخرى برفقة كلبةٍ تُسمى ليزا Lisa، لكن كلا الكلبين لم ينجوا بسبب فشل فتح مظلة الكبسولة أثناء العودة. 

تم إطلاق العديد من المهمات خلال صيف وخريف عام 1951، والتي تضمنت الإطلاق والاسترجاع الناجحين للكلبين ماليشكا Malyshka وزيب ZIB، وكان هذان الكلبان بديلين للكلبين الأصليين سميلايا Smelaya وبوليك Bolik، الذين تمكنا من الفرار قبل موعد الإطلاق.

وبحلول عام 1954، تم إرسال الكلبين ليزا-2 وريزهيك Ryzhik في أول مهمةٍ لهما (كلمة ليزا تعني"ثعلب أو ثعالة" في اللغة الروسية، حيث تُعتبر ليزا-2 الكلبة الثانية التي تحمل هذا الاسم بعد موت الكلبة الأولى، وكلمة ريزهيك تعني "زنجبيل" وسمي ريزهيك بهذا الاسم نسبةً إلى لون فرائه)، أُطلقت مهمتيهما في 2 يونيو/حزيران عام 1954، حيث وصلا لارتفاعٍ بلغ 100 كيلومتر، وتم استرجاع كلا الكلبين بنجاحٍ بعد ذلك. 


وفي السنة التالية، قُذف الكلبين ألبينا Albina وتصيغنكا Tsyganka (الفتاة الغجرية) خارج الكبسولة من على ارتفاع 85 كيلومتراً وهبطا بسلام.

وبين عامي 1957 و1960، جرى إطلاق 11 رحلةً باستخدام الكلاب على متن سلسلة صواريخ R-2A، والتي وصلت لارتفاعاتٍ بلغت 200 كم تقريباً (124 ميلاً)، تبعتها عام 1958 ثلاث رحلاتٍ باستخدام صواريخ R-5A، حيث وصلت لارتفاع بلغ 450 كيلومتراً (280 ميلاً)، وقد وُضعت الكلاب في كلٍ من صواريخ R-2 وR-5 داخل حُجرة ضغط. 


صورة لأتفزهنيا Otvazhnaya ومفروشا Mafrusha، وهما اثنين من أصل ثلاث رواد فضاءٍ شجعان انطلقوا سويةً في 2 يوليو/تموز 1959. Wikipedia Commons (.ru) حقوق الصورة:
صورة لأتفزهنيا Otvazhnaya ومفروشا Mafrusha، وهما اثنين من أصل ثلاث رواد فضاءٍ شجعان انطلقوا سويةً في 2 يوليو/تموز 1959. Wikipedia Commons (.ru) حقوق الصورة:


وشاركت أتفزهنيا (الشجاعة) مع الأرنبة المسمى مفروشا (مارثا الصغيرة) بالإضافة لكلبٍ آخر اسمه سنيزينكا Snezhinka (ندفة الثلج)، في تحليق فضائي حصل في 2 تموز 1959، لتعود أتفزهنيا وتُجري خمس رحلاتٍ أخرى بين عامي 1959 و1960.

سنتابع في الجزء الثاني من هذه السلسلة، الحديث عن الرحلات المدارية والحيوانات التي استُخدمت في هذا المجال. 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية. (IKI): معهد أبحاث الفضاء في روسيا، و هو تابع لأكاديمية العلوم الروسية.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات