التحليل الطيفي النيوتروني: الجزء الأول

سنتعرف في هذه السلسلة المكونة من جزأين واحدةً من أهمّ طرق التحليل الطيفي المستخدمة لسبر ودراسة الموادّ، إضافة إلى عديد من التطبيقات الأخرى. 

نعرف جميعنا، شكليًّا على الأقلّ، أن الضوء (أو الإشعاع الكهرومغناطيسي electromagnetic radiation) ليس المستكشف الوحيد الممكن للمادَّة وسلوكها، إذ تُستخدم النيوترونات في نوع آخَر من التحليل لسبر الموادّ، ويُعَدّ شكلًا من أشكال "التحليل الطيفي النيوتروني" (neutron spectroscopy)، أو الاسم الأكثر شيوعًا "تشتُّت النيوترونات" (neutron scattering). 

ينقسم تشتُّت النيوترونات إلى نوعين: تشتُّت النيوترونات المرن elastic، وتشتُّت النيوترونات غير المرن inelastic. في تشتُّت النيوترونات المرن تمتلك النيوترونات عند خروجها نفس الطاقة التي دخلت بها، أما في تشتُّت النيوترونات غير المرن فتتغير طاقة النيوترونات بسبب تفاعلاتها مع المادَّة. سوف أعرض بإيجاز كلا النوعين من التشتت.

 مصادر النيوترونات


النيوترونات هي نوع من الجسيمات دون الذرية التي توجد عادةً في نواة الذرات، ومِن ثَمَّ فإن إنتاج النيوترونات يتطلب دائمًا عمليات نووية. أحد مصادر النيوترونات المعروفة لأغراض البحث (بدلًا من توليد الطاقة) هو مفاعل نووي صغير يستخدم اليورانيوم منخفض التخصيب، أو اختصارًا LEU. ويعرف اليورانيوم منخفض التخصيب بأنه يورانيوم مخصَّب في \(U^{235}\) بتركيزات أقلّ من 20٪ (يتكون اليورانيوم الطبيعي من 0.7٪ \(U^{235}\)). وحتى كتابة هذه السطور يوجَد 235 مفاعلًا في جميع أنحاء العالَم تزوَّد فيها النيوترونات لأغراض البحث، وَفْقًا لموقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

الطريقة الأخرى لتوليد النيوترونات هي عن طريق "التَّشَظِّي" (spallation)، وهو الاسم الذي يُطلَق على العملية التي يُضرَب فيها الهدف بواسطة قذيفة وتُلفَظ شظايا من الهدف نتيجة لذلك. في التَّشْظِيَة النووية، تُسرِع أيونات الهيدريد (H-) بواسطة معجِّل الجسيمات، ثم تتجرَّد من إلكتروناتها وصولًا إلى البروتون المجرَّد، الذي يتسارع بوتيرة أكبر، ويوجَّه إلى الهدف المكوَّن من معادنَ ثقيلة (مثل التنتالوم أو الزئبق).

 

تُنتِج نواة المعدن ما يصل إلى 20-30 نيوترونًا لكل بروتون يستهدف هذه النوى. ثم توجَّه النيوترونات نحو مختلف التجارِب. وقد كان جلين سيبورج Glenn Seaborg أول من تَصوَّر فكرة التَّشْظِيَة النووية.

في كثير من الظروف، تمتلك النيوترونات التي تُنتَج في كلتا الطريقتين، طاقةً مرتفعة جدًّا، لذلك يجب أن تنخفض طاقتها قبل استخدامها. وهنا نقول إن النيوترونات يجب أن تخضع للتعديل (moderation)، وتشمل الموادّ التي تعدِّل النيوترونات الضوء والماء الثقيل والبريليوم والجرافيت.

تُصَنَّف النيوترونات حَسَب طاقاتها (يعبَّر عنها بـ eV "إلكترون فولت")، التي ترتبط مباشرة بسرعاتها (بالأمتار أو الكيلومترات في الثانية) ودرجات الحرارة (بالكلفن). فمثلًا لجُسَيم يماثل حجم النيوترون (\(1.675 × 10^{-27}\) كلغ)، 1 فولت من الطاقة يتوافق مع سرعة 13.8 كم/ث؛ نضع في اعتبارنا أن طاقة النيوترون تعتمد على مربَّع السرعة (تَذكّر، K=½ \(mv^2\)). على هذا النحو يمكن للتصنيف أن يجيب عن سرعة النيوترونات أو درجة حرارتها. النيوترونات السريعة لديها طاقة من 0.1-1 MeV (ميجا إلكترون فولت)، أو سرعة 4000-14.000 كم/ث.

 

النيوترونات البطيئة لديها طاقة 100 إلكترون فولت أو أقلّ، المقابلة لسرعة 138 كم/ث. (خذ هذه الأرقام بحذر شديد، يمكن أن تختلف المراجع كثيرًا حول أرقام الطاقة والسرعة. على أي حال يجب أن يكون واضحًا أن النيوترونات السريعة أكثر سرعة ونشاطًا من النيوترونات البطيئة).

يبلغ متوسط درجة الحرارة لدى النيوترونات الحرارية (Thermal neutrons) درجة حرارة الغرفة، أو نحو 295 كلفن. هذا يتوافق مع طاقة تساوي 0.025 فولت وسرعة 2.2 كم/ث. وتُعرَف النيوترونات التي تمتلك طاقة/سرعة/درجة حرارة أعلى من هذه بالنيوترونات الساخنة، وتعرف النيوترونات ذات الطاقة/السرعة/درجة الحرارة الأقلّ من هذه بالنيوترونات الباردة. 


وحتى ضمن النيوترونات الباردة، توجد تصنيفات أخرى، إلى أن نصل إلى النيوترونات شديدة البرودة، التي تمتلك طاقات في نطاق نانو إلكترون فولت وسرعات بالمتر في الثانية الواحدة.

بقي أن نتذكر أن النيوترونات لها طول مَوجيّ متكافئ حَسَب العلاقة التي قدّمها دي برولي:


\(λ = h/p = h/mv\)
 

حيث λ هو طول موجة دي برولي بالمتر.
وh هو ثابت بلانك بوحدات الجول.ثانية.
وm هو كتلة الجسيم بالكيلوجرام.
وv هو سرعة الجسيم بالمتر في الثانية الواحدة. 

بالنسبة إلى النيوترون، فإن الكتلة m وثابت بلانك h ثابتان (على افتراض أن معظم السرعات غير نسبية، أو أن التصحيحات النسبية -التي تصل إلى 1.5٪ على الأكثر لهذه النيوترونات- يمكن تجاهلها)، هذا يختصر علاقة دي برولي لتصبح:


\(λ = (3.956 × 10^{–7})/v \)
 

وهكذا، تتراوح أطوال النيوترون الموجية من\( 2.8 × 10^{-14}\) م (0.00028 Å) أو أصغر للنيوترونات السريعة، مرورًا بـ \(1.8 × 10^{-10}\) م (1.8 Å) للنيوترونات الحرارية، وحتى \(4.95 × 10^{-8}\) م للنيترونات شديدة البرودة (495 Å، الذي يعادل الطول الموجي للأشعة فوق البنفسجية الفائقة EUV).

 

بعض أشكال تشتُّت النيوترونات من الطبيعة الموجيَّة للنيوترونات. سنتابع في الجزء الثاني الحديث عن أنواع التشتُّت وأيضًا عن التحليل الطيفي النيوتروني.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • التحليل الطيفي (Spectroscopy): التحليل الطيفي ببساطة هو علم قياس شدة الضوء عند الأطوال الموجية المختلفة. وتُسمى المخططات البيانية الممثلة لهذه القياسات بالأطياف (spectra)، وهي المفتاح الرئيسي لكشف تركيب الأغلفة الجوية للكواكب الخارجية. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات