هل سنشهد انطلاق الرحلة الأولى إلى الفضاء بين النجمي خلال حياتنا؟

أسس الملياردير الروسي يوري ميلنر Yuri Milner في عام 2015، مبادرات (Breakthrough) بنيّة دعم الأبحاث حول وجود الحياة خارج الأرض، ومنذ ذلك الحين، أعلنت هذه المنظمة غير الربحية -التي يدعمها كل من ستيفن هوكينغ ومارك زكربيرغ- عن مجموعة من المشاريع المتقدمة. ولعل أكثر تلك المشاريع طموحاً هو مشروع (Project Starshot) المثير للجدل، والذي يعد عبارة عن بعثة فضائية ستنطلق في رحلة عبر الوسط بين النجمي للوصول إلى أقرب نجم خلال 20 سنة فقط.


من المخطط أن يكون مشروع (Project Starshot) -وهو مبادرة ترعاها مؤسسة (Breakthrough)- أول رحلة للفضاء بين النجمي في تاريخ البشرية.  المصدر: breakthroughinitiatives.org
من المخطط أن يكون مشروع (Project Starshot) -وهو مبادرة ترعاها مؤسسة (Breakthrough)- أول رحلة للفضاء بين النجمي في تاريخ البشرية. المصدر: breakthroughinitiatives.org


وينطوي المفهوم الأساسي لهذا المشروع على استخدام مركبة نانوية خفيفة الوزن للغاية، والتي ستعتمد على شراع ضوئي يستخدم الليزر كقوة دافعة من أجل تحقيق سرعاتٍ تعادل ما نسبته 20% من سرعة الضوء. وبالطبع، لابد من التغلب على بعض العقبات الهندسية لإنجاح بعثة شبيهة بهذه، فقد أكدت دراسة حديثة أجراها فريق من الباحثين الدوليين، أن أهم المسائل التي ينبغي معالجتها تتجلى في شكل الشراع نفسه، ونوع الليزر المستخدم.

ويضم فريق الباحثين كلاً من إيلينا بوبوفا Elena Popova من معهد سكوبلتسين للفيزياء النووية في موسكو، ومسعود إيفينديف Messoud Efendiev من معهد علم الأحياء الحاسوبي الموجود في مركز الأبحاث الألماني للصحة البيئية، وإلدار غابيتوف من مركز سكولتيك لعلوم الفوتونيك (الضوئيات) والمواد الكمومية في موسكو. وتضافرت خبرات أولئك الباحثين لإجراء دراسةٍ هدفت لفحص عدد من نماذج الاستقرار المختلفة الخاصة بهذه البعثة المقترحة. 




 

ويشير الفريق في دراسته المعنونة بـ (On the Stability of a Space Vehicle Riding on an Intense Laser Beam) إلى أنه أجرى عمليات محاكاة للاستقرار تتعلق بهذا المفهوم، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المركبة التي تعادل حجم الرقاقة (المعروفة بالرقاقة النجمية) إضافةً للشراع (المعروف بالشراع النجمي) وطبيعة الليزر نفسه. وقد عمل الفريق من أجل تنفيذ عمليات المحاكاة على تحليل عدد من الاقتراحات بخصوص تصميم ستارشوت. 

وتضمنت الاقتراحات الفكرة القائلة بكون الرقاقة النجمية عبارة عن جسم صلب (أي مكون من مادة صلبة)، بحيث يكون الشراع الدائري إما مسطحاً أو كروياً أو مخروطياً (أي مقعر الشكل)، هذا فضلاً عن قيام سطح الشراع بعكس الضوء الليزري. وعلاوةً على ذلك، وضع الباحثون عدداً من التشكيلات للتصميم وخرجوا بنتائج أهم إلى حدٍّ ما.

 

وتقول الدكتورة إيلينا بوبوفا، الكاتبة الرئيسة في الدراسة، في حديثها مع Universe Today عبر الإيميل: "أخذنا بالاعتبار أشكالاً مختلفة للشراع، أولها الشكل الكروي المتطابق مع القطع المكافئ للأحجام الصغيرة، وهو الأكثر ملائمة للتشكيل الأخير للمركبة النانوية أثناء رحلتها. أما الشكل الثاني فهو المخروطي، في حين كان الشكل الثالث مسطحاً (وهو أبسط الأشكال جميعاً، ويُنظر إليه على أنه عديم الاستقرار بحيث لن يفلح حتى في تدوير المركبة الفضائية)".

وبناءً على ذلك، وجد الباحثون أن التشكيل الثابت الأبسط ينطوي على استعمال شراع كروي الشكل، وسيتطلب الأمر أيضاً تثبيت الرقاقة على مسافة كافية من الشراع تكون أطول من شعاع الانحناء الخاص بالشراع نفسه.

نرى في الصورة نموذجاً لمصفوفة ليزرية متوافقة الطور ستوضع ربما في صحراء تشيلي من أجل دفع أشرعة المركبة أثناء الرحلة.   المصدر: Breakthrough Initiatives
نرى في الصورة نموذجاً لمصفوفة ليزرية متوافقة الطور ستوضع ربما في صحراء تشيلي من أجل دفع أشرعة المركبة أثناء الرحلة. المصدر: Breakthrough Initiatives


وتقول بوبوفا: "فيما يتعلق بحالة الشراع الشبيه بالمخروط، فقد حققنا وضعاً مماثلاً من الاستقرار، أما المركبة النانوية ذات الشراع المسطح فهي غير مستقرة في جميع الحالات، ولكنها ببساطة تتوافق مع حالة الشعاع اللامتناهي لانحناء الشراع، وعلى هذا، ليس هناك مجال لتمديد مركز الكتلة إلى أبعد من ذلك". 

أما بالنسبة لليزر، فقد أخذوا بالاعتبار كيف يؤثر كل من الشكلين الرئيسين في استقرار المركبة، وشمل هذا أجهزة ليزر منتظمة (متوافقة الطور) لها حوافّ حادة وأشعة "غاوسية Gaussian"، وتتميز بكثافة عالية في الوسط، وتتضاءل بسرعة باتجاه الحواف. وكما ذكرت الدكتورة بوبوفا، فقد قرروا أن أجهزة الليزر المنتظمة هي الطريقة المثلى لضمان استقرار المركبة وعدم ضياعها في الفضاء.

وتعلق بوبوفا على هذا الأمر قائلة: "تُدفع المركبة النانوية بواسطة ضغط شعاع ليزري كثيف يوجه تأثيره إلى شراعها الضوئي، وهي حساسة لقوى العزم والقوى الجانبية التي تتفاعل على سطح الشراع. وتؤثر هذه القوى على توجيه المركبة وانزياحها الجانبي وبالتالي على ديناميكيتها. وإذا كانت المركبة غير مستقرة فقد تُلفظ خارج منطقة الشعاع الليزري نفسها، ولعل أخطر الاضطرابات في موقع المركبة داخل الشعاع وتوجهها بالنسبة لمحور الشعاع هي تلك التي يقترن فيها الدوران بشكل مباشر مع الانزياح (اقتران السبين-المدار)". 

كانت هذه النتائج في نهاية المطاف مماثلة لما خلص إليه البروفسور أبراهام لوب Abraham Loeb وزملاؤه في مشروع ستارشوت. وقد حاز لوب على درجة أستاذ فرانك بي بيرد الابن (Frank B. Baird, Jr) للعلوم في جامعة هارفارد، هذا فضلاً عن كونه رئيس مجلس إدارة الهيئة الاستشارية لمؤسسة Breakthrough. 


وفي دراسة نشرت في التاسع والعشرين من شهر سبتمبر/أيلول تحت عنوان (Stability of a Light Sail Riding on a Laser Beam)، عمل الباحثون أيضاً على تفحص ما يلزم لضمان أن تكون البعثة مستقرة. 


 

وشمل ذلك فوائد استخدام شراع مخروطي مقابل شراع كروي، وشعاع موحد مقابل شعاع غاوسي، ويقول البروفيسور لوب في حديثه مع موقع (Universe Today) عبر الإيميل: "وجدنا أن دفع الشراع الشبيه بالبارشوت باستخدام شعاع ليزري غاوسي سيؤدي إلى عدم استقرار المركبة ... ونبيّن في دراستنا أن الشراع الذي يتخذ شكل صدفة كروية (مثل كرة بينغ بونغ كبيرة) يمكن أن يُدفع بصورة مستقرة باستخدام شعاع ليزري يشبه الأسطوانة (أو 3-4 من أجهزة الليزر التي تنشئ إضاءةً بشكل دائري تقريباً". 

ومن ناحية أخرى، يمتلك البروفسور لوب وزملاؤه رأياً مخالفاً بخصوص جعل الرقاقة النجمية (StarChip) على بعد كافٍ من الشراع الضوئي، ويقول لوب: "يجادل الباحثون أنه في حال أضفنا للشراع وزناً مفصولاً بشكلٍ كافٍ جداً عن الباراشوت، فيمكننا عندئذ جعله ثابتاً. وحتى لو صح هذا، فليس من الواضح إن كان اقتراحهم مفيداً، وذلك لأن هذا التشكيل أعقد من أن يتمّ بناؤه وإطلاقه". 

هذه مجرد أمثلة على التحديات التي تواجه بعثة متوجهة إلى الفضاء بين النجوم. ومن ناحية ثانية، صدرت دراسة أخرى في شهر سبتمبر/أيلول من أجل تقدير خطر الاصطدامات وكيف يمكن أن تؤثر على بعثة ستارشوت. وقد أشار الباحثون إلى أن يزوَّد الشراع بطبقة واقية لتحمل تأثيرات الاصطدام، وأن تستخدم المصفوفة الليزرية لإزالة الحطام من طريق الشراع الضوئي.



وأسفرت هذه النتائج عن دراسة مماثلة أجراها البروفيسور فيليب لوبين Phillip Lubin وزملاؤه. ويشغل لوبين منصب أستاذ في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا UCSB، هذا فضلاً عن كونه أحد المخططين الرئيسيين لمشروع ستار شوت، والعقل المدبر للمشروع الذي تموله ناسا "الدفع الموجّه للطاقة في سبيل استكشاف النجوم" (Deep-In) ودراسة: استكشاف الفضاء بين النجمي بالطاقة الموجهة (Directed Energy Interstellar). 

وفي الواقع، قوبل ميلنر والفريق العلمي لستارشوت بكمّ هائل من الحماسة والتشكيك حين أعلنوا لأول مرة عن نيتهم إنشاء مركبة فضائية نجمية (في أبريل/نيسان 2016). ومن الواضح، أن الكثيرين اعتقدوا بأن هذه البعثة طموحة للغاية نظراً للتحديات المنوطة بها، لكن بنية البعثة كانت تتطور بشكل أكبر مع كلّ تحدٍّ واجهه فريق ستارشوت والعلماء خارجها على حدّ سواء.
 
وعلى هذا المعدل، قد نشهد انطلاق بعثة إلى الفضاء بين النجوم في غضون عقد تقريباً إذا لم تحدث أي تعقيدات خطيرة، وإذا نجح العلماء في تذليل العراقيل التي تواجهها البعثة، فقد نشهد استكشاف ألفا سينتوري (Alpha Centauri) أو بروكسيما بي (Proxima b) خلال حياتنا!

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات