يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
مصدر إشارات فضائية غريبة

تأتي تلك الإشارات الغامضة من مجرةٍ صغيرة في كوكبة ممسك الأعنة Aurigia.


حقوق الصورة: Gemini Observatory/AURA/NSF/NRC


حيرت التدفقات الراديوية السريعة FRB علماء الفلك طوال عقدٍ من الزمن. والآن رصد فريقٌ من العلماء أحد هذه التدفقات في مجرةٍ بعيدة.

لعقدٍ من الزمن، احتار العلماء من ظاهرةٍ تُعرف باسم التدفقات الراديوية السريعة FRB. وهي إشارات راديو تستمر لأجزاءٍ من الثانية تأتي من مصدرٍ واحدٍ أو عدة مصادرٍ غامضةٍ في أرجاء الكون. من انفجار الثقوب السوداء، والنجوم المغناطيسية magnetars (نوع من النجوم النيوترونية يتمتع بحقلٍ مغناطيسي قويٍ جداً) والبليتزارات Blitzars (أجسامٌ افتراضية تنتج عندما ينهار نجم نيوتروني نابض و يتحول لثقبٍ أسود)، بل وحتى من الفضائيين، كلها كانت ضمن الاحتمالات المُقترحة لتفسير هذه الظاهرة. و الآن ولأول مرة، يقول العلماء أنهم تمكنوا من تعقب مصدر أحد هذه الانبعاثات، و لكن يبدو أنّ هذا الكشف لم يزد إلا من غموضها!

يرجع الفضل في رصد أولى الانفجارات الراديوية السريعة لفريقٍ من جامعة غرب فرجينيا عام 2007 باستعمالهم لبياناتٍ مؤرشفة جمعت من قبل تلسكوب باركس في أستراليا عام 2001. وخلال السنوات اللاحقة، كشف عن اثني عشر تدفقاً آخر بواسطة تلسكوبات راديويةٍ مختلفة، إذ بدت جميعها إشاراتٍ عشوائيةٍ قادمة إلى عالمنا من اصطدامات كونية بعيدة، وذلك حتى تم اكتشاف أول إشارةٍ تُكرر نفسها. 

في الرابع من شهر كانون الثاني/يناير في اجتماع الجمعية الفلكية الأمريكية في مدينة غرابفين في ولاية تكساس، أعلن فريق علماء دولي عن تفاصيل كشفٍ كبير: حيث تمكنوا من تعقب أثر تلك الإشارة المٌتكررة إلى مجرةٍ معينة لأول مرة.


قال شريهارش تيندولكر Shriharsh Tendulkar، من جامعة ماكجيل، وعضوٌ من فريق الاكتشاف: "نعلم أنّ أحد هذه التدفقات على الأقل قد نشأ في مصدر منفصل ضمن مجرةٍ قزمة تبعد عنا حوالي 3 ملياراتِ سنة ضوئية".

تتبع علماء الفلك الإشارات المتكررة للتدفق الرادياوي المُسمى FRB 121102، و الذي أاكتشف أول مرةٍ في شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 2012، من مرصد أريسيبو في بورتوريكو، لمجرة صغيرةٍ في اتجاه كوكبة ممسك الأعنة Aurigia باستخدام مجموعةٍ كبيرة من التلسكوبات في المكسيك بالإضافة لتلسكوباتٍ كبيرةٍ أخرى. ولقد زاد هذا الاكتشاف من غموض هذه الظاهرة، إذ أنّ المكان الكوني الذي رصدت منه ليس ما كان متوقعاً على الإطلاق.

قال تيندولكر مجموعةً من الصحفيين و العلماء خلال الاجتماع: "هذا غريب أليس كذلك؟ كنا نتوقع أن نجد هذه الإشارات حيث هناك الكثير من النجوم. إذ أنّ نجوماً أكثر يعني نجوماً نيترونيةً أكثر". ووضح أنّ النجوم النيترونية -بقايا النجوم الضخمة- هي من ضمن أكبر المرشحين لتفسير ظاهرة التدفقات الراديوية السريعة.

نشرت النتائج التي اعتبرها العلماء أول تحديدٍ لموقع تدفقٍ راديوي سريع في مجلة Natureإنّ تحديد مصدر تلك التدفقات الراديوية لأول مرةٍ يفتح أمامنا أيضاً أبواباً جديدة لدراسة أجزاءٍ جديدةٍ من الفضاء خارج مجرتنا. 

أخبرت سارة بيرك سبولير Sarah Burke-Spolaor، التي عملت على تعقب مصدر FRB 121102 في المرصد الوطني الراديوي لعلم الفلك، الحضور: "إنّ هذه الظاهرة مفيدةٌ للغاية في استكشاف الكون، لاسيما الفضاء بين المجري. حيث نستطيع دراسة بنية ومحتوى هذه الفضاء الفارغ".  بكلماتٍ إخرى، قد يوفر هذه الاكتشاف للعلماء تقنيةً جديدة لرصد ودراسة المناطق الغير مرئية بين المجرات بطريقةٍ أخرى.

تُلغي حقيقة انبعاث إشاراتٍ متكررة من FRB 121102 الفرضية القائلة بأنّ كل التدفقات الراديوية السريعة هي في الأساس عبارةٌ عن هزات ارتدادية من ظواهر كارثيةٍ كونيةٍ ضخمة. فقد تبين أنّ FRB 121102 نبع من مجرة صغيرة بشكل متكرر مما نفى احتمالية وجود تصادماتٍ أو انفجاراتٍ تحدث هناك عدة مرات في اليوم الواحد.

إحدى التفسيرات المحتملة هي أنّ هناك أكثر من نوع واحدٍ من الانبعاثات الراديوية السريعة.

 

استُخدم تلسكوب جيميني في هاواي لرصد المجرة القزمة الحاضنة لمصدر الإشارة. حقوق الصورة: Danielle Futselaar
استُخدم تلسكوب جيميني في هاواي لرصد المجرة القزمة الحاضنة لمصدر الإشارة. حقوق الصورة: Danielle Futselaar


قال البروفيسور ماثيو بايلز Matthew Bailes، من جامعة سوينبرن للتكنولوجيا في استراليا والمشارك في أول اكتشاف للتدفقات الراديوية السريعة عام 2007: "أعتقد أنّه اكتشافٌ كبير لكنه أيضاً محيرٌ جداً. فقد صُدمنا قليلاً بطبيعة كون المجرة المضيفة قزمة. كما أنّ حقيقة قرب الإشارات من نواة مجرة نشطة active galactic nucleus مثيرٌ للاهتمام بدرجةٍ أكبر حتى. هل هناك صنفٌ واحدٌ أم صنفان من التدفقات الراديوية السريعة؟ سيتوجب علينا اكتشاف المزيد للإجابة على تلك الأسئلة". 

كما أشار كايسي لاو Casey Law، عالم فلكٍ من جامعة بيركلي وعضوٌ من أعضاء الفريق، أنه يمكن للمجرات القزمة الصغيرة استضافة ظواهر كونيةٍ كبيرة كانفجارات السوبرنوفا شديدة اللمعان superluminous supernovae بالإضافة لانبعاثات أشعة غاما الطويلة المنبعثة من النجوم النيوترونية المغناطيسية، والتي هي عبارة عن نوعٍ جنونيٍ من النجوم النيوترونية ذي مجالٍ مغناطيسيٍ قويٍ جداً منتجةً انبعاثاتٍ قوية من اﻷشعة السينية وأشعة غاما.

ويضيف لاو قائلاً: "يُشير كل هذا إلى الفكرة القائلة بأنّ هناك شيئاً يُولد هذه النجوم النيوترونية المغناطيسية وسط تلك البيئة. ربما انفجارات السوبرنوفا شديدة اللمعان أو انبعاثات أشعة غاما الطويلة. ومن ثم وفي أثناء تطورها في وقتٍ لاحقٍ وانخفاض سرعة دورانها بعض الشيء، فإنها تُنتج هذه التدفقات الراديوية السريعة بالإضافة لانبعاثٍ مستمرٍ من أشعة الراديو نتيجة انخفاض سرعة دورانها".


مع ذلك، فهناك العديد من الاحتمالات الممكنة الأخرى لأصلها. ففي سنة 2013 اقترحت فرضية لتفسير التدفقات الراديوية السريعة، تنص على أنّ جسماً افتراضياً يُسمى بليتزر blitzar نتجٍ عن انهيار نجمٍ نابضٍ pulsar متحولاً إلى ثقبٍ أسود.

ساهم اكتشاف FRB 121102 من قِبل العديد من التلسكوبات الراديوية في استبعاد أكثر الأسباب المثيرة للإحراج. فقبل سنواتٍ قليلة، اعتقد العلماء أنهم التقطوا المزيد من التدفقات الراديوية السريعة، ولكن اتضح لاحقاً أنّ الإشارات نتجت عن فتح شخصٍ ما لباب فرن الميكروويف وهو في وضع التشغيل في مرصد باركس.

كما أنّ هناك تفسيرٌ آخر لم يذكره أيٌ من العلماء العاملين على تحديد موقع FRB 121102، ولكن يبدو أنه سيبقى مرافقاً لتلك الظاهرة حتى يتم حل غموضها.. إنهم الفضائيون! على اﻷقل، توجد جهة واحدة تتبنى هذا الاحتمال، ألا وهي مخابرات الرسائل الفضائية METI. الذين قامو بتوجيه مرصد سيتي SETI البصري الموجود في ولاية باناما نحو FRB 121102 بحثاً عن دليلٍ على وجود حضاراتٍ متقدمة في حينا الكوني.

وقد عقب على هذا رئيس METI، دوغلاس فاكوش Douglas Vakoch قائلاً: "إنّ هذا الوقت غير كافٍ لدراسة ظاهرة تتميز بالتقطع ولا يمكن التنبؤ بها. ولذلك فحتى الآن لم نجد أي أثرٍ لحضارةٍ تكنولوجية خارج كوكبنا".

لا يعتقد فاكوش أنه يجب علينا التسرع في استنتاج أنّ تلك الاشارات قادمةٌ من حضاراتٍ فضائية متقدمة، ولكنه يقول أنّ الاستمرار في أخد هذه اﻷخيرة كاحتمال واردٍ والاستمرار في المراقبة والتحقق أمرٌ جيد سينفعنا في المستقبل عند الكشف عن حضارات خارجية وعندها سنحتاج إلى عمليات الرصد تلك.

ومن المفارقات، فإنّ FRB 121102 نفسه يُساعدنا في الواقع في التشكيك في إحدى المفاهيم السابقة عن التدفقات الراديوية السريعة التي بدت أنها تُشير إلى نمطٍ معينٍ من الانبعاثات، والتي اعتبر البعض أنها لا يمكن أن تكون مجرد صدفةٌ بل ربما هناك شيء ذكي يُسببها، ربما؟

وقد تبين أنّ ذلك النمط ينطبق فقط على أول عشر انبعاثاتٍ تم تسجيلها، أما بالنسبة للانبعاثات التي تلتها، بما في ذلك FRB 121102، فإنها لم تتفق مع ذلك النمط. عذراً أيتها الكائنات الفضائية، فلم نستقبل ندائكم بعد.

وبينما بدأنا للتو في فهم تلك الإشارات الفضائية الغامضة من خلال FRB 121102، فما زال أمامنا الكثير من الفرص على الأرجح، حيث يُعتقد أنه في حالة استطاعتنا مراقبة ومعالجة البيانات الواردة من السماء كلها، فسنجد على الأغلب أنّ اﻷرض تتعرض لقصفٍ مستمرٍ من تلك الإشارات طوال الوقت.

قال شامي تشاترجي Shami Chatterjee، من جامعة كورنيل: "إنّ العثور على المجرة المضيفة لهذه الإشارات وتحديد بعدها عنا خطوةٌ كبيرة للأمام، ولكن رغم ذلك، فما زال أمامنا الكثير من العمل قبل أن نصل إلى فهمٍ كاملٍ لماهية تلك الظاهرة".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernovae): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • النجم النيوتروني المغناطيسي (Magnetar): هو نوع من النجوم النيوترونية التي تمتلك حقلاً مغناطيسياً قوياً جداً.
  • البليتزار (Blitzar): عندما يتباطأ نجم نيوتروني بشكل كافٍ لينهار مشكلاً ثقب أسود

اترك تعليقاً () تعليقات