هل نقترب من فهم المادة المظلمة؟ العلماء التجريبيون غير متأكدين!

لطالما عرف العلماء بأن المادة المظلمة موجودة وتقوم بشكلٍ صامت بضبط إيقاع حركة الكون وبنيته. لكن ما هي المادة المظلمة بالضبط؟ وكيف يبدو جسيم المادة المظلمة؟ لا يزال الأمر لغزا، خصوصاً بعد إجراء تجربة وراء تجربة، وكل تلك التجارب لم تصل إلى شيء يساعد على اكتشاف تلك الجسيمات المراوغة.

بوجود بعض الحظ، قد يتغير هذا الأمر قريباً. الآن، بوجود كواشف أكثر حساسية من القديمة بعشرات الأضعاف، فإنّ ثلاث تجارب حديثة التمويل حول المادة المظلمة ،تلهف العلماءَ بشغف كبير من أجل إلقاء لمحة على هذه الجسيمات التي طالما تمَّ البحث عليها. في محادثات جديدة في مؤسسة كافلي، عبّر العلماء العاملين على هذه التجارب عن أمَلهم بإمكانية التقاط المادة المظلمة ولكنهم اتفقوا أيضاً وفي النهاية، على أن أمر نجاحهم أو فشلهم متروك للطبيعة.

يقول إينستالي فيغوروا فيليسيانو (Enectali Figueroa-Feliciano)، بروفسور مساعد في الفيزياء من معهد كافْلي للفيزياء الفلكية وأبحاث الفضاء في MIT وهو يعمل على تجربة من بين التجارب الثلاث الموجودة: "إن الطبيعة مُتكَتّمة. فهناك شيء لم نفهمه إلى الآن يتعلق بالبنية الداخلية لكيفية عمل المجرات؛ عندما يدوّن النظريون كل الطرق التي يُمكن من خلالها للمادة المظلمة أن تتفاعل مع جسيماتنا، يجدون ووفقاً لأبسط النماذج، أنه يجب مشاهدتها في الواقع، لكن حتى مع عدم مشاهدتنا لها إلى الآن، هناك رسالة نحاول القيام بفك تشفيرها".

تبحث التجربة الأولى المعروفة بـتجربة المادة المظلمة الأكْسيونية (Axion Dark Matter eXperiment) بين التجارب الجديدة، عن نوع نظري من جسيمات المادة المظلمة، ويُعرف هذا الجسيم بالأكسيون. تسعى ADMX إلى الحصول على أدلة خاصة بهذا الجسيم ذي الوزن المنخفض جداً، وذلك عبر تحويله إلى فوتون في الحقل المغناطيسي الهائل للتجربة. من خلال تغيير الحقل المغناطيسي بشكلٍ بطيء، يبحث الكاشف عن الأكسيونات، واحد تلو الآخر.

يقول غراي ريبكا (Gray Rybka)، بروفسور مساعد في الفيزياء من جامعة واشنطن، وهو القائد الثاني لتجربة ADMX Gen 2: " برهنّا على امتلاكنا للأدوات اللازمة من أجل رؤية الأكسيونات، فبوجود Gen 2 نقوم بشراء مُبرّد كبير وقوي للغاية وسنتَسَلّمه قريباً جداً. حال وصوله، سنكون قادرين على المسح بسرعة كبيرة جداً جداً ونشعر بأنه لدينا فرصة كبيرة من أجل إيجاد الأكسيونات –إذا ما كانت موجودة".

تبحث التجربتان الأخيرتان عن نوع آخر من المادة المظلمة النظرية؛ يُعرف هذا النوع بِاْسم WIMP وهو اختصار للعبارة 'Weakly Interacting Massive Particle' (الجسيم فائق الكتلة وضعيف التفاعل)؛ يتفاعل WIMP مع عالمنا بشكلٍ نادر وضعيف جداً. تخضع تجربة الزينون الكبيرة والتحت أرضية (Large Underground Xenon) أو LUX، والتي بدأت في العام 2009، إلى تحديثات في الوقت الراهن من أجل زيادة حساسيتها تجاه WIMP أثقل. في الوقت نفسه، وصل التشارك على البحث حول المادة المظلمة فائقة البرودة، والذي يهدف إلى التفتيش عن إشارات قادمة من الـ WIMP الخفيف باستخدام كاشفه منذ العام 2013، إلى مرحلة إنهاء التصميم لتجربة جديدة ستجرى في كندا.

يقول فيليسيانو، وهو عضو في التجربة المسماة SuperCDMS: "بطريقة ما، يبدو الأمر مشابهاً لعملية البحث عن الذهب، ف'هاري' معه مِقْلاته وهو يبحث عن الذهب في حوض عميق؛ ونحن نبحث في حوض أقل عمق بعض الشيء، لا نعرف من سيجد الذهب لأننا لا نعلم أين يوجد ".

يوافق ريبكا على ما سبق، لكنه يُضيف وجهة نظر أكثر تفاؤلية، فيعتقد أنه من المحتمل أن تقوم التجارب الثلاث معاً باكتشاف المادة المظلمة؛ ويقول: "لا يوجد أي شيء يشترط أن المادة المظلمة يجب أن تكون مصنوعة من نوع واحد من الجسيمات، ما عدا أُمنيتنا أن يكون الأمر بتلك البساطة. يُمكن أن يكون ثلث المادة المظلمة أكسيونات وثلثها WIMPs ثقيلة وثلثها WIMPs خفيفة. هذا الأمر متاح بالكامل ويُمكن مشاهدته".

ومع ذلك كله، تبقى شَذْرة الذهب التي تبحث عنها التجارب الثلاث قيّمة جداً. وحتى لو كان البحث صعباً، فإن العلماء الثلاثة يوافقون على أن الأمر يستحق العناء المبذول في سبيله؛ لأن أخْذ لمحة عن المادة المظلمة سيقودنا إلى إدراك جزء كبير من الكون.

يقول هاري نلسون (Harry Nelson)، بروفسور في الفيزياء من جامعة كاليفورنيا-سانتا باربارا، وهو القائد العلمي لتحديثات LUX المعروفة بـ LUX-ZEPLIN: "نحن كلنا نبحث، وفي مكان ما، وربما في هذا الوقت نفسه لدينا بيانات قليلة قد تدفع أحدهم إلى لحظة الإدراك حين يقول ''آه ها''. فكرةُ وجودِ شيء ما هناك الذي لا يُمكننا الإحساس به حتى الآن، من بين الأمور التي ترسل قشعريرة على طول عمودي الفقري ".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المادة المظلمة (Dark Matter): وهو الاسم الذي تمّ إعطاؤه لكمية المادة التي اُكتشف وجودها نتيجة لتحليل منحنيات دوران المجرة، والتي تواصل حتى الآن الإفلات من كل عمليات الكشف. هناك العديد من النظريات التي تحاول شرح طبيعة المادة المظلمة، لكن لم تنجح أي منها في أن تكون مقنعة إلى درجة كافية، و لا يزال السؤال المتعلق بطبيعة هذه المادة أمراً غامضاً.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات