حصّادة المياه الجديدة مصنوعة من بلورات إطار معدني عضوي مضغوط في صفيحة رقيقة من معدن النحاس موضوعة بين مُمتص الطاقة الشمسية (بالأعلى) و لوح مكثّف (بالأسفل). حقوق الصورة: Wang Laboratory at MIT.
لا يمكننا عصر الدم من الحجر، ولكن أصبح من الممكن الآن استخراج المياه من سماء الصحراء ، وذلك بفضل جهاز جديد شبيه بالإسفنج يستخدم أشعة الشمس لامتصاص بخار الماء من الهواء، حتى في الرطوبة المنخفضة. الجهاز يمكن أن ينتج ما يقرب من 3 لترات من الماء يوميًا لكل كيلوغرام يحتويه من المادة الممتصة الشبيهة بالإسفنج، ويقول الباحثون أن الإصدارات المستقبلية للجهاز ستكون أفضل. وهذا يعني أنّ المنازل في المناطق الأكثر جفافًا في العالم يمكن أن يكون لها قريبًا جهاز يعمل بالطاقة الشمسية قادر على توفير جميع المياه التي يحتاجونها، وتقديم الإغاثة لمليارات من الناس.
هناك ما يقدّر بنحو 13 تريليون لتر من المياه العائمة في الغلاف الجوي، أي ما يعادل 10٪ من جميع المياه العذبة في بحيرات وأنهار كوكبنا. على مر السنين، طوّر الباحثون بعض الحيل للاستفادة من هذه المياه، مثل استخدام الشِباك الناعمة لجلب المياه من أماكن تكوُّن الضباب، أو مزيلات الرطوبة المتعطشة لموارد الطاقة لتكثيف البخار من الهواء. ولكن كلا النهجين يتطلَّبان إما هواءً رطبًا جدا أو الكثير من الكهرباء للاستفادة منهما على نطاق واسع. ولإيجاد حل شامل الغرض، تحوّل باحثون بقيادة عمر ياغي، وهو كيميائي في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، إلى عائلة من مساحيق بلورية تسمى الأطر العضوية المعدنية، أو MOFs. حيث طوّر ياغي أوّل بلورات من هذا النوع - البلورات المسامية التي تشكل شبكات مستمرة ثلاثية الأبعاد - منذ أكثر من 20 عامًا. تتجمع الشبكات بطريقة شبيهة بالتينكرتوي∗ بالذرات المعدنية التي تعمل كمحاور وخطوط عضوية شبيهة بالعصيان تربط المحاور معا. وعن طريق اختيار المعادن والمواد العضوية المختلفة، يمكن للكيميائيين طلب خصائص معينة من الأطر العضوية المعدنية، والسيطرة على ما يرتبط بالغازات ومدى قوة علاقة تركيبهم.
وعلى مدى العقدين الماضيين، قام الكيميائيون بتوليف أكثر من 20 ألف من الأطر المعدنية العضوية، ولكل منها خصائص فريدة من نوعها من حيث انتشار الجزيئات. على سبيل المثال، قام مؤخرا ياغي وآخرون بتصميم مركبات من الأطر المعدنية العضوية لها خصائص قادرة على امتصاص وإطلاق الميثان، مما يجعلها نوعًا من خزانات الغاز عالية السعة للمَركَبات التي تعمل بالغاز الطبيعي.
وفي عام 2014، قام ياغي وزملاؤه بتوليف أطر معدنية عضوية تفوقت في امتصاص الماء، حتى في ظل ظروف الرطوبة المنخفضة. وأدى ذلك إلى الوصول إلى إيفلين وانغ Evelyn Wang، وهي مهندسة ميكانيكية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في كامبريدج، ,الذي كان يعمل معها سابقًا في مشروع لاستخدام الأطر المعدنية العضوية في تكييف الهواء للسيارات. وبعد تركيب الأطر المعدنية العضوية الجديدة القائمة على الزركونيوم، التي أطلق عليها اسم الأطر المعدنية العضوية-801، التقى ياغي ووانغ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وقال: "إيفيلين، علينا أن نصل إلى جهاز لجمع المياه". ووافقت على تجربة ذلك.
جهاز يقوم بسحب الماء من الهواء
يقوم الجهاز بالليل بامتصاص بخار الماء من الهواء، ويستخدم حرارة الشمس لإطلاقه كماءٍ سائلٍ خلال النهار.
المنظومة التي صممتها وانغ وطلبتها تتكون من كيلوغرام من بلورات الأطر المعدنية العضوية بحجم ذرات الغبار مضغوطة على شكل صفيحة رقيقة مسامية من معدن النحاس. يتم وضع هذه الورقة بين مُتلقي الطاقة الشمسية و اللوح المكثف داخل تجويف الأداة. في الليل يتم فتح الأداة، مما يسمح للهواء المحيط بالانتشار من خلال الأطر المعدنية العضوية التي يسهل اختراقها ويتيح لجزيئات الماء الالتصاق بالسطوح الداخلية، وبتجميعها في مجموعات ثمانية لتشكيل قطرات مكعبة صغيرة. في الصباح، يتم إغلاق الأداة، وتدخل أشعة الشمس من خلال نافذة على الجزء العلوي من الجهاز فتُسخِّن الأُطر المعدنية العضوية، وتُحرر قطرات الماء وتحركها- كبخار نحو مكثف لتبريدها. الفرق في درجة الحرارة، فضلًا عن الرطوبة العالية داخل الأداة، يسبب تكثُّف البخار إلى مياه سائلة تتقطر في مُجمِّع.
تعمل المنظومة بشكل جيد بحيث أنها تسحب 2.8 لتر من الماء من الهواء يوميًا لكل كيلوغرام من بلورات الأطر المعدنية العضوية التي تتضمنها، كما في تقرير فريقي جامعة بيركلي و MIT في مجلة العلوم Science. يقول ميركوري كاناتزيديس Mercouri Kanatzidis، الكيميائي في جامعة نورث وسترن في إيفانستون، إلينوي، الذي لم يشارك في العمل: "لقد كان حلمًا طويل الأمد لحصاد المياه من الهواء الصحراوي. إنّ هذا النموذج التمثيلي لدليل مهم على المفهوم". كما أنها تجربة لديها أفق كبير للتحسين كما يقول ياغي. بالنسبة للمبتدئين، يكلف الزركونيوم 150 دولًا لكل كيلوغرام، مما يجعل أجهزة حصاد المياه مكلفة للغاية لتكون مستخدمة على نطاق واسع. ومع ذلك، يقول ياغي إن مجموعته قد حققت نجاحًا مُبكرًا في تصميم أطر معدنية عضوية لاستخراج المياه مستبدلين الزركونيوم بالألمنيوم وهو المعدن الأرخص بـِ 100 مرة. وهذا يمكن أن يجعل حصاد المياه في المستقبل رخيصًا بما فيه الكفاية ليس فقط لرفع العطش عن الناس في المناطق القاحلة، ولكن ربما أيضًا لتزويد المزارعين المتواجدين في المناطق الصحراوية به.
∗ التينكرتوي Tinkertoy: لعبة بناء للأطفال تتكون من القطع التي يتم تركيبها معًا بواسطة أوتاد تتموضع في الثقوب الموجودة بكل قطعة.
