يمكنك الاستماع إلى المقال عوضاً عن القراءة
بالتركيز على الحبيبات، الباحثون يحلون لغزًا متعلقًا بجريان الأنهار

حقوق الصورة: جامعة يال Yale University

من خلال نهجٍ مبسّط لحلّ مشكلة معقّدة، توصّل علماء من جامعة يال لإجابةٍ تفسّر سبب تحرّك الحبيبات الكبيرة بسهولة أكبر من مثيلاتها الأصغر حجماً حين يدفعها جريان الماء في قاع نهري، وهو سؤالٌ أربك العلماء لعقود من الزمن.

يتخّذ معظم العالم الطبيعي شكله بواسطة الماء السائل الذي يقوم بتحريك الرسوبيات والرمل والحصى وغيرها من الحبيبات، وسيكون للفهم الدقيق لزمن وسبب بدء الحبيبات بالتحرّك استجابةً لقوى السائل المركّبة تطبيقاتٌ أساسية في علم البيئة والزراعة ومجالاتٍ أخرى. وقد طور الباحثون ضمن مجموعة كوري أوهيرن Corey O'Hern، البروفيسور المشارك في الهندسة الميكانيكية وعلم الموادّ والفيزياء التطبيقية عمليات محاكاة حاسوبية لمشاهدة كيفية تحرّك الحبيبات وتفاعلها في مجرى الماء فوق قاع حبيبي، كنهرٍ يجري على حوض من الرمل أو الحصى. ونُشرت النتائج التي توصّلوا إليها في 28 آذار/مارس من العام الماضي في مجلّة Physical Review Fluid.

إنّ تحديد كيفية حركة الحبيبات بواسطة جريان الماء أمر شديد التعقيد نظراً للمتغيرات الكثيرة المرتبطة بذلك، ومن ضمنها حجم الحبيبات واحتكاكها ببعضها البعض والحبيبات التي لا يكون شكلها كرويًا واضطراب السائل. وعند دراسة عمليّة معقدة كهذه، غالباً ما يركز العلماء على جوانب من المشكلة هي الأهمّ باعتقادهم، ويبسّطون الجوانب الأخرى قدر الإمكان. وركز كثير من الأبحاث السابقة في هذا المجال على قوى السائل التي تجعل الحبيبات الساكنة تبدأ بالتحرّك، لكن دراسة جامعة يال تقترح تركيز مزيدٍ من الانتباه على ما يحدث حين تكون الحبيبات قيد الحركة بالفعل.

يقول الباحث من جامعة يال أبرام كلارك Abram Clark -وهو كبير كتّاب الدراسة-: "يبالغ الباحثون عادةً في التركيز على ميكانيكا حركة السائل ويتعاملون مع الحبيبات كما لو أنها حوض ساكن، أما نهجنا فيأخذ بالاعتبار مشكلة نقل الرواسب من الاتجاه الآخر، مركزاً أكثر على القاع الحبيبي، وخاصةً الحبيبات المتحركة، ويتعامل مع السائل بشكل بسيط، فبدلاً من التفكير باللحظة التي ستبدأ فيها الحبيبات الساكنة بالحركة أولاً، نحن نطرح السؤال التالي، وهو متى ستتوقف الحبيبات المتحركة عن الحركة؟".

تبحث الحبيبات وهي قيد الحركة بشكل أساسي عن جيب ثابت أو منطقة محلية من قاع الحوض حيث يمكن للحبيبات المجاورة مساندتها في وجه قوى السائل. وقد استخدمت هذه الدراسة حسابات نظرية ومحاكاة حاسوبية لتفسير لغز قائم منذ زمن طويل حول سبب تحرّك الحبيبات الكبيرة بشكل ملحوظ بسهولة أكبر من الحبيبات الصغيرة، حتى بعد الأخذ بعين الاعتبار الاختلاف في الوزن. ووجد الباحثون أنّ التفاعل بين الحبيبات والسائل يتسبّب في تحرّك الحبيبات الكبيرة والصغيرة باتجاهات مختلفة بشكل جوهري، وتتسارع حركة الحبيبات الكبيرة حين تثب عبر الحوض، وهو ما لا تقوم به الحبيبات الصغيرة، ما يسمح للحبيبات الصغيرة للغاية كالطمي أو الرمل الناعم بالتوقّف بسهولة أكبر بكثير من الرمل الخشن أو الحصى. وتلعب جميع العوامل الأخرى كدرجة اضطراب السائل أو الخصائص الأخرى للحبيبات دوراً ثانوياً.

لقد بدأت مجموعة أوهيرن بنموذج لنظام يشمل حركة حبيبات تعتمد على الحجم، لكن فيما عدا ذلك توخّت البساطة قدر الإمكان. ورغم البدء بحبيبات كروية وعديمة الاحتكاك وجريان جدّ مبسّط للسائل، كانت النتائج الصادرة من محاكاة الحاسوب قريبة جدّاً من النتائج في الطبيعة، والعائدة إلى بيانات مأخوذة على مدار مدة تفوق المئة عام من التجارب والدراسات الميدانية. وقد وسّعت المجموعة المحاكاة بتغيير معايير إضافية كاحتكاك الحبيبات وشكلها وحتّى الشكّل الرياضي لتفاعلات الحبيبات بالسائل. لكن طالما أن الدراسة قد شملت الديناميكيات المعتمدة على الحجم الصحيح للحبيبات، فإنّ النتائج أتت متطابقة تقريباً مع تلك الموجودة في الطبيعة.

يقول كلارك، باحث ما بعد الدكتوراه المشارك في مجموعة أبحاث أوهيرن: "نحن لا نضيف للنموذج جميع التأثيرات الفيزيائية دفعةً واحدة، إنّ تبسيط النموذج ليشمل بضع عناصر فقط يمنح العلماء في الواقع فكرةً أوضح عن العناصر الأكثر أهمية"، ويضيف كلارك: "إن قمت بتبسيط مسألة معقّدة لتشمل عنصراً أو عنصرين، وما زلت قادرا على توقع بالسلوك الصحيح، فهذا دليلٌ في غاية القوّة على مسؤولية تلك العناصر عن السلوك الذي تشاهده في الطبيعة".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

اترك تعليقاً () تعليقات