محاذاة كونية نادرة تكشف عن واحد من أبعد النجوم على الإطلاق!

أبعد النجوم التي رصدناها حتَّى الآن، ويُسمَّى هذا النجم إيكاروس Icarus، يبعد عن الأرض 9 مليارات سنة ضوئية تقريبا، وكان اكتشافه قد حدث صدفة بعد محاذاة له مع نجم في المقدِّمة، حقوق الصورة: P. Kelly (University of California, Berkeley) /NASA/ESA


حَطَّم تلسكوب هابل الفضائي رقمًا قياسيًّا آخرَ برصده أبعد نجم حتى الآن، على بعد 9 مليارات سنة ضوئية من الأرض، وهو ما يعني أنَّ الضوء الذي شاهده العلماء قد بدأَ في رحلته من النجم إلى الأرض على الأقلِ منذ 9 مليارات سنة مضت. وبنحو المقارنة، يبلغ عمر الكون 13.8 مليار سنة تقريبًا.

إنَّ رصد النجوم البعيدة جدًّا بشكل فردي، يُعدُّ عادة عملية بالغة الصعوبة، مقارنة برصد المجرَّات أو المستعرات العظمى (Supernovae انفجارات نجمية) وهو أمر أسهل بكثير. ولكنَّ هذا النوع من النجوم الذي يُصنَّف ضمن النجوم العادية، ما يعني بدوره أنَّ النجم في طور التسلسل الرئيس Main Sequence ويقوم بتفاعلات اندماج، محوِّلًا الهيدروجين إلى هيليوم، رُصد بوضوح بفضل محاذاة نادرة، حسبما ذكر الباحثون في دراسة جديدة. 

وحينما يتوقَّف نجم تسلسل رئيس عن حرق الهيدروجين في نواته، فإنَّه يخرج عن التسلسل الرئيس، وهذا يؤدِّي إلى مجموعة من النتائج المختلفة بالنسبة إلى النجوم. فعادة، تنفجر النجوم الكبيرة الخارجة عن التسلسل الرئيس على هيئة سوبرنوفا (مستعر أعظم)، في حين تنهار النجوم الأصغر إلى أقزام بيضاء.

وجد علماء الفلك النجم المُسمَّى بإيكاروس (Icarus)، من طريق ظاهرة التعديس الثقالي (Gravitational lensing) إذ تشير هذه الظاهرة إلى أنَّه يمكن لعنقود مجري ضخم أو أي جسم آخر ثقيل أن يحني ضوء الأجسام الموجودة خلفه، جاعلًا الأجسام الخافتة أكثر سطوعًا بالنظر إليها من الأرض.

وعادة، يمكن للتعديس الثقالي أن يكبِّر الحجم الظاهري للأجسام بما يصل إلى 50 ضعفا، لكن الفلكيين كانوا محظوظين هذه المرَّة، فقد تضاعف النجم المكتشف حديثا أكثر من 2000 مرة؛ بسبب عبور قصير لنجم خط البصر بين هابل والنجم إيكاروس، كما قال الباحثون في بيان من جامعة كاليفورنيا، بيركلي. وقال الفريق: إنَّ هذه اللمحة النادرة للنجم البعيد يمكن أن توفر نافذة جديدة حول كيفية تطور النجوم بشكل عام، ولا سيَّما تلك التي تكون شديدة التألق.

يقول الباحث الرئيس في الدراسة باتريك كيلي Patrick Kelly في البيان: "يمكنك مشاهدة مجرَّات فردية هناك، لكنَّ هذا النجم يبعد بمقدار 100 مرَّة على الأقل عن النجم الفردي التالي الذي يمكننا دراسته، باستثناء انفجارات السوبرنوفا". كان كيلي طالبا بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا ببركلي حين كان يعمل على هذا البحث، لكنه يعمل حاليًّا في المرفق في جامعة مينيسوتا.

ظهر النجم إيكاروس، المعروف بشكل أكثر رسمية باسم (MACS J1149 Lensed Star 1 (LS1، حين كان يتابع المستعر الأعظم المُسمَّى بـ SN Refsdal، الذي اكتشفه في عام 2014. اكتُشِفَ هذا المستعر الأعظم باستخدام عدسات ثقالية في كوكبة الأسد Leo، وقد تشكلت العدسات بواسطة عنقود مجريّ يُعرف باسم MACS J1149 + 2223

يقول أليكس فيليبينكو Alex Filippenko المؤلف المشارك في الدراسة وعالم الفلك في جامعة كاليفورنيا - بيركلي في البيان نفسه: "للمرَّة الأولى على الإطلاق، نشاهد نجمًا فرديًّا عاديًّا ليس مستعرًا أعظم، وليس انفجارًا لأشعة غاما، ولكنَّه نجم مستقرٌّ واحد، وذلك على مسافة تسعة مليارات سنة ضوئية، هذه العدسات هي حقًّا تلسكوبات كونية مذهلة".

فحص فريق كيلي الألوان القادمة من ضوء إيكاروس ووجدوا أنَّه كان عملاقًا أزرق. هذا النوع من النجوم هو أكثر ضخامة وأكبر من الشمس، ويسطع أكثر بمئات الآلاف من المرَّات منها. مع ذلك كان إيكاروس بعيدًا جدًّا لدرجة أنَّ الفلكيين ما كانوا يكتشفونه أبدًا دون عدسة ثقالية قويَّة. كان كيلي يشكُّ في أنَّ النجم كُبِّر أكثر من المستعر الأعظم، وهي فرضية ثبتت صحَّتها فيما بعد بواسطة النمذجة.

وقال ممثلو جامعة كاليفورنيا ببريكلي في البيان: "من خلال نمذجة العدسات، خلُص علماء الفلك إلى أنَّ الإشعاع الفائق الواضح لإيكاروس ربَّما كان ناجمًا عن تأثير فريد للعدسات الثقالية. ففي حين أنَّ عدسة ممتدة كعنقود مجري يمكنها فقط تكبير جسم خلفها إلى حجم ظاهري أكبر بـ 50 مرَّة، فإنَّ الأجسام الأصغر يمكن أن تكبر أكثر بكثير".

وأضافوا: "إذا تحاذى نجم واحد في عدسات أمامية بدقَّة مع نجم الخلفية، يمكنه أن يكبِّر نجم الخلفية آلاف المرَّات، وفي هذه الحالة فإنَّ مرورًا خاطفًا لنجم له حجم شمسنا تقريبًا بحيث يقع في أثناء العبور على خطِّ البصر بين النجم البعيد إيكاروس وهابل، زاد سطوعه بأكثر من 2000 مرَّة".

يبدو النجم إيكاروس مكبَّرًا بمقدار 2000 مرَّة؛ بسبب حدث يُسمَّى التعديس الميكروي الثقالي، حقوق الصورةNASA, ESA, S. Rodney (John Hopkins University) and the FrontierSN team; T. Treu (University of California, Los Angeles), P. Kelly (University of California, Berkeley) and the GLASS team; J. Lotz (STScI) and the Frontier Fields team; M. Postman (STScI) and
يبدو النجم إيكاروس مكبَّرًا بمقدار 2000 مرَّة؛ بسبب حدث يُسمَّى التعديس الميكروي الثقالي، حقوق الصورةNASA, ESA, S. Rodney (John Hopkins University) and the FrontierSN team; T. Treu (University of California, Los Angeles), P. Kelly (University of California, Berkeley) and the GLASS team; J. Lotz (STScI) and the Frontier Fields team; M. Postman (STScI) and


ولحسن حظِّ الفلكيين، فإنَّ إيكاروس في وضعٍ جيِّد بوجود المزيد من عمليات المحاذاة، فبتحرك النجوم في العنقود المجري MACS J1149 + 2223 من الممكن أن يزداد سطوع إيكاروس بقدر 10000 مرة في أثناء أحداث تعديس ثقالي أخرى. وأضاف الفريق أنَّ علماء الفلك ربَّما يكون بمقدورهم التقاط المزيد من هذه الأحداث النادرة بشكل عام إذا نظروا إلى الموقع الصحيح.

يقول فيليبينكو: "توجد محاذاة كهذه في كلِّ مكان، إذ تتحرَّك النجوم في الخلفية أو النجوم في مجرات التعديس الثقالي، مِمَّا يتيح إمكانية دراسة نجوم بعيدة جدًّا تعود إلى الكون المبكِّر، تمامًا كما كنَّا نستخدم التعديس الثقالي لدراسة المجرَّات البعيدة، وبالنسبة إلى هذا النوع من الأبحاث، قدَّمت لنا الطبيعة تلسكوبًا أكبر مِمَّا يمكننا بناؤه". ظهر إيكاروس في صور هابل الملتقطة في المدَّة ما بين نيسان/ أبريل 2016 ونيسان/ أبريل 2017. وقد ظهر نجم آخر في بعض عمليات الرصد، ويمكن أن يكون انعكاسا لإيكاروس أو أنَّه نجم آخر خضع للتعديس الثقالي.

واستكشف الفلكيون المادَّة المظلمة، وهي مادَّة لا نعرف عنها إلَّا قليلًا ولكنَّها تشكِّل معظم الكون، وذلك من طريق عمليَّات رصد إيكاروس. وعلى النقيض مِمَّا ذَكرت بعضُ النظريَّات السابقة، تُشيرُ الأرصاد الجديدة إلى أنَّ المادَّة المظلمة لا تتكوَّن من ثقوب سوداء أوَّلية داخل العناقيد المجرية.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • المفعول العدسي التثاقلي (gravitational lensing): المفعول العدسي التثاقلي: يُشير إلى توزع مادة (مثل العناقيد المجرية) موجودة بين مصدر بعيد والراصد، وهذه المادة قادرة على حرف الضوء القادم من المصدر أثناء تحركه نحو الراصد. ويُترجم أحياناً بالتعديس الثقالي أيضاً.
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernovae): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا
  • المستعرات الفائقة (السوبرنوفا) (supernova): 1. هي الموت الانفجاري لنجم فائق الكتلة، ويُنتج ذلك الحدث زيادة في اللمعان متبوعةً بتلاشي تدريجي. وعند وصول هذا النوع إلى ذروته، يستطيع أن يسطع على مجرة بأكملها. 2. قد تنتج السوبرنوفات عن انفجارات الأقزام البيضاء التي تُراكم مواد كافية وقادمة من نجم مرافق لتصل بذلك إلى حد تشاندراسيغار. يُعرف هذا النوع من السوبرنوفات بالنوع Ia. المصدر: ناسا

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات