اختبر الباحثون العنصر الأبرز في نظرية الثقالة في أقوى الحقول الثقالية التي استخدمها العلماء حتى يومنا هذا، وهو الحقل الناتج عن الثقب الأسود القابع في مركز مجرة درب التبانة.
يتمتع الثقب الأسود ساجيتاريوس أ∗ (Sagittatius A∗) الهائل الكامن في مركز مجرتنا بقوة جذبٍ ثقاليٍ هائلة تجعله مثاليًا للتحقق من صحة النظريات التي توصِّف الثقالة، بما فيها نظرية النسبية العامة. ولكن وحتى يومنا هذا، لم يتمكن الباحثون من إجراء استقصاءاتهم للثقالة إلا على أجرامٍ فلكية صغيرة، من قبيل الشمس أو الأقزام البيضاء. إلى أن أجرى فريقٌ بحثي يحمل الاسم GRAVITY اختبارًا على الثقب الأسود، مستفيدين من الضوء المنبعث من نجمٍ يدور حول الثقب الأسود ساغيتاريوس أ∗.
لقد تحقق العلماء من صحة نظرية النسبية العامة مرارًا وتكرارًا، لكن النظرية نفسها تترك بعض ألغاز الكون دون تفسير. منها على سبيل المثال أنّ الكتلة والطاقة اللتان نستطيع رصدهما في الكون لا تبلغان حدًا كافيًا لتفسير التسارع المشهود للكون. لهذا فإن اكتشاف انتهاكاتٍ للمبادئ التي تتأسس عليها نظرية النسبية العامة يمكنها أن تُلمح إلى حلولٍ لهذه الألغاز.
اختبر فريق GRAVITY أحد هذه المبادئ وهو المعروف باسم عدم تغاير الموضع المحلي أو اختصارًا local position invariance LPI والذي ينص على أن القياسات غير المتعلقة بالثقالة التي يتم إجراؤها على جسمٍ ما تكون مستقلةً عن موقعه في الزمكان، أي يجب أن تكون نفسها بغض النظر عن المكان والزمان. لهذا تتبَّع الفريق البحثي الضوء الصادر من ذرات الهيدروجين والهيليوم في النجم المُسمَّى S2 أثناء دورانه حول الثقب الأسود ساغيتاريوس أ∗. فبسبب الانزياح نحو الأحمر الناتج عن الثقالة، يتغير التردد الظاهري للضوء مع اقترابه من الثقب الأسود، حتى يصل إلى أعظم قيمة للانزياح عندما يكون النجم في أقرب موضعٍ من الثقب الأسود. فإذا طبقنا مبدأ عدم تغاير الموضع المحلي LPI كان لزامًا على التبدُّل في التردد أن يكون نفسه في الضوء الوارد سواء من ذرات الهيدروجين أم من ذرات الهيليوم. وهذا تمامًا ما وجده الفريق البحثي، مع وجود فوارق لا تتعدى حدود الأخطاء التجريبية المقبولة.
تمنحنا نتائج هذا الفريق البحثي خطةً لإجراء اختباراتٍ مستقبلية باستعمال الجيل القادم من التلسكوبات مثلَ التلسكوب فائق الكِبر Extremely Larger Telescope أو اختصارًا (ELT) الذي سيكون قادرًا على رصد النجوم الباهتة التي تدور حول الثقوب السوداء في المجرات البعيدة. ومن المتوقع أن يكون هذا التلسكوب أكثر حساسيةً بمليون مرة من المراصد التي بين أيدينا اليوم، ما يعطي الإمكانية للباحثين باكتشاف أصغر الانتهاكات لمبدأ LPI أو حتى غيره من المبادئ الأساسية لنظرية النسبية العامة.
