ما وراء متفردة الثقب الأسود

صورة: تصور فني للثقب الأسود، في النصف السفلي من الصورة يظهر الثقب الأسود الذي يحبس كل شيء وفقا النسبية العامة، بما في ذلك الضوء. التأثيرات الناتجة من الجاذبية الكمومية الحلقية، وهي نظرية تعزز النسبية العامة لأينشتاين باستخدام ميكانيكا الكم، تتغلب على هذا السحب الهائل وتحرر كل شيء (النصف العلوي من الصورة)، مما يوفر سبيلاً ملموسا لاستعادة المعلومات التي كان يُظن أنها فقدت في متفرد الثقب الأسود.

A. Corichi and J. P. Ruiz



أتاحت لنا نظرية الجاذبية الكمومية الحلقية loop quantum gravity -وهي نظرية تستخدم ميكانيكا الكم لتطوير فيزياء الجاذبية إلى ما وراء نظرية أينشتاين للنسبية العامة، أولى لمحاتنا في قوانين الفيزياء الموجودة بالقرب من مركز الثقب الأسود، إذ فتحت النظرية التي أُنشأت في جامعة ولاية بنسلفانيا وطورها عدد كبير من العلماء في جميع أنحاء العالم، نموذجًا جديدًا في الفيزياء الحديثة، كما ظهرت النظرية كمرشح رائد لتحليل الظواهر الكونية والفيزياء الفلكية في أجزاء من الكون، مثل الثقوب السوداء، حيث تتوقف معادلات النسبية العامة لتكون مفيدة عندها.

أدى العمل السابق في نظرية الجاذبية الكمومية الحلقية الذي كان له تأثير كبير في تحليل الطبيعة الكمومية للانفجار العظيم Big Bang، والآن أصدر كل من أبهاي أشتيكار Abhay Ashtekar وخافيير أولميدو Javier Olmedo من جامعة ولاية بنسلفانيا وبارامبت سينغ Parampreet Singh من جامعة ولاية لويزيانا، ورقتين علميتين جديدتين يوسعان هذه النتائج إلى الأجزاء الداخلية من الثقب الأسود.


وظهرت الورقتان "كإقتراحات المحررين" في مجلة Physical Review Letters ومجلة Physical Review في 10 ديسمبر/كانون الأول 2018، كما تم تسليط الضوء عليهما في مقال في مجلة Physics.

يقول أشتيكار، أستاذ الفيزياء في إيفان بوج، وهو حامل كرسي إبيلي للأسرة في الفيزياء، ومدير معهد بنسلفانيا للجاذبية والكون: "إن أفضل نظرية تصف الجاذبية لدينا اليوم هي النسبية العامة، ولكن ما زال لديها الكثير من القيود، فعلى سبيل المثال ، تتنبأ النسبية العامة بوجود أماكن في الكون تصبح فيها الجاذبية لانهائية وينتهي عندها الزمكان ببساطة، نشير إلى هذه الأماكن على أنها "متفردات" singularities. وحتى آينشتاين وافق على أن قيود النسبية العامة تعود إلى حقيقة تجاهلها لميكانيكا الكم ".

تكون الجاذبية في مركز الثقب الأسود قوية، ووفقاً للنسبية العامة، يصبح الزمكان منحني للغاية بحيث يصبح الانحناء في نهاية المطاف بلا حدود، وينتج عن ذلك فراغ في الفضاء له حافة ممزقة، وعندها لا وجود للفيزياء وهذا ما نطلق عليه بالمتفرد، ومثال آخر على المتفرد هو الانفجار العظيم. إن سؤال ما حدث قبل الانفجار العظيم هو سؤال لا معنى له في النسبية العامة، لأنه لا يوجد زمكان هناك، ولكن التعديلات التي أدخلت على معادلات آينشتاين بواسطة ميكانيكا الكم من خلال نظرية الجاذبية الكمومية الحلقية سمحت للباحثين بتوسيع علم الفيزياء وتعزيزه إلى ما وراء الانفجار الكبير والتنبؤ بتوقعات جديدة، وحققت الورقتان الحديثتان نفس الشيء بالنسبة إلى متفرد الثقب الأسود.

يقول اشتيكار: "يعد أساس نظرية الجاذبية الكمومية الحلقية هو اكتشاف اينشتاين بأن هندسة الزمكان ليست مجرد مرحلة تتم فيها الأحداث الكونية، ولكنها في حد ذاتها كيان مادي يمكن أن ينحني، وكأي كيان مادي، تتكون هندسة الزمكان من بعض الوحدات الأساسية، تمامًا كما تتكون المادة من ذرات".


ويطلق على هذه الوحدات "بالإثارة الكمومية" quantum excitations، وهي أصغر حجماً مما يمكن أن نكتشفه بتكنولوجيا اليوم، ولكن لدينا معادلات كمومية دقيقة تتنبأ بسلوكها، وأحد أفضل الأماكن للبحث عن آثارها هو في مركز الثقب الأسود، ووفقا للنسبية العامة، في مركز الثقب الأسود تصبح الجاذبية لانهائية حتى يتم فقدان كل ما يدخل فيه، بما في ذلك المعلومات اللازمة للحسابات الفيزيائية.


وهذا يؤدي إلى "مفارقة المعلومات" information paradox المشهورة التي ظل علماء الفيزياء النظرية يتصارعون معها لأكثر من 40 عاماً. ومع ذلك، فإن التصحيحات الكمومية للجاذبية الكمومية الحلقية تسمح لهذه القوة أن تطغى حتى على أقوى جاذبية كلاسيكية، وبالتالي يمكن أن تستمر الفيزياء في الوجود هناك، وهذا يفتح السبيل لإظهار إمكانية عدم فقدان المعلومات في مركز الثقب الأسود، وهذا ما يسعى له الباحثون الآن.

ومن المثير للاهتمام، أنه على الرغم من أن الجاذبية الكمومية الحلقية للثقب تستمر في العمل حيث تنهار النسبية العامة في تفسير كل من متفرد الثقب الأسود والانفجار الكبير، إلا أن تنبؤاتها تتطابق مع تنبؤات النسبية العامة بدقة تامة في ظل ظروف أقل تطرفا بعيدا عن المتفرد.


يقول سينغ وهو أستاذ مشارك في الفيزياء في جامعة ولاية لويزيانا: "بالنسبة لتحقيق كلا النظريتين فهي ليست بالمهمة السهلة، في الواقع، قام عدد من الباحثين باستكشاف الطبيعة الكمومية لمتفرد الثقب الأسود على مدى العقد الماضي، فإما أن المتفرد كان سائداً أو أن الطرق التي حُلل بها أطلقت العنان للآثار غير الطبيعية. عملنا الجديد خالٍ من كل هذه القيود".

 

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الجاذبية (gravity): قوة جذب فيزيائي متبادلة بين جسمين.
  • الأيونات أو الشوارد (Ions): الأيون أو الشاردة هو عبارة عن ذرة تم تجريدها من الكترون أو أكثر، مما يُعطيها شحنة موجبة.وتسمى أيوناً موجباً، وقد تكون ذرة اكتسبت الكتروناً أو أكثر فتصبح ذات شحنة سالبة وتسمى أيوناً سالباً

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات