مركبة بيرسيفيرانس الجوالة، أول خطوةٍ في المهمة الجريئة لاسترجاع عيناتٍ مريخية

رسم توضيحي لإطلاق صاروخ يحمل معه عينات من سطح المريخ لتصل إلى كوكب الأرض. حقوق الصورة: ( NASA/JPL-Caltech ©).

 

من المتوقع أن تصل العينات التي جمعتها مركبة بيرسيفيرانس Perseverance الجوّالة إلى الأرض بحلول عام 2031.

تجري الآن أول حملة لإعادة العينات بين الكواكب في تاريخ البشريّة.

أُطلِقت مركبة بيرسيفرانس الجوّالة التابعة لوكالة ناسا NASA والتي يبلغ حجمها حجم السيارة في تاريخ 30 تموز/يوليو الماضي، مستهلةً بذلك رحلةً لمدة سبعة أشهر تقريبًا إلى الكوكب الأحمر.

ستسعى مركبة بيرسيفرانس لتقفّي أثر الحياة القديمة على كوكب المريخ بعد وصولوها لفوهة جيزرو Jezero Crater المقرر في شباط/فبراير العام المقبل 2021، والذي سبق أن وُجِد عليه بحيرة ودلتا نهرية منذ مليارات السنين، حيث ستقوم هذه المركبة الآلية المزودة بطاقةٍ نوويةٍ بجمع وتخزين البيانات من 20 عينةً على الأقل من صخور وتربة الكوكب الأحمر لحين العودة إلى كوكب الأرض، وذلك لأن للعلماء القدرة على تفحص العينات بدقةٍ وبتفاصيلَ أكثر مما ستفعل مركبة بيرسيفرانس لوحدها.

بحسب ما جاء به توماس زوربوتشين Thomas Zurbuchen المدير المساعد في إدارة المهمات العلمية التابعة لوكالة ناسا خلال مؤتمرٍ أخباري لمرحلة ما قبل الإطلاق يوم الثلاثاء الموافق 28 تموز/يوليو، فإنَّ للعينات العائدة من المريخ إمكانية "تغيير مفهومنا حول أصل ونشأة وتوزع الحياة على كوكب الأرض، وفي أماكن أخرى من النظام الشمسي".


حملةٌ رياديّة:


قامت ناسا بمهمةٍ لإرجاع العينات مسبقًا، فقد عاد رواد مهمة أبولو Apollo للأرض حاملين معهم عيناتٍ من صخور القمر بوزن 842 رطلًا أي ما يعادل 382 كيلوغرامًا، وذلك بين عامي 1969 و1972.

كما جلبت مهمة مسبار ستارداست Stardust الفضائي التابعة للوكالة بقايا غبار المذنب لتعود إلى الأرض في كانون الثاني/يناير عام 2006.

علاوةً على ذلك، تستعدُّ أيضًا مهمة أوزيريس ريكس OSIRIS-REx التابعة لناسا لالتقاط عيناتٍ من الكويكب بينو Bennu، وفي حال سارت الأمور وفقًا للخطة المطروحة فقد تصل إلى هنا في أيلول/سبتمبر 2023.

وكالة ناسا ليست الوحيدة في محراب لعبة جلب العينات، إذ سيهبط مسبار هايابوسا2 Hayabusa2 الياباني على أجزاء من كويكب ريوجو Ryugu في كانون الأول/ديسمبر المقبل، وأعاد هايابوسا في مهمته الأساسية حبيبات الكويكب إيتوكاوا Itokawa الحجري إلى الأرض في عام 2010.

كما لم يسبق أن نفّذ أحدٌ بنجاح مهمة إرجاع عينةٍ بين الكواكب إلى الأرض حتى الآن، والسبب ليس عصيًا على الفهم، فمثل هذا الجهد معقدٌ بشكلٍ لا يُصدق، إذ أنه يستغرق وقتًا طويلًا إضافةً لكونه مكلفًا، خاصةً عندما تكون المواد التي تعود إلى الأرض تحمل معها بصمات الحياة الفضائية. (حاولت روسيا إرسال مهمة إرجاع عينات تُسمّى فوبوس-جرونت Phobos-Grunt، وهي مهمة فضاء روسية لمحاولة إعادة عينةٍ من تربة فوبوس، وهو أحد أقمار المريخ كانت عام2011، لكن المركبة الفضائية تحطمت عائدةً إلى الأرض بعد عملية إطلاقٍ فاشلةٍ).

علينا الأخذ في الحسبان أن الحملة التي أطلقتها مركبة بيرسيفرانس هي مجرد مبادرةٍ أولية؛ ستجلب المركبة التي تعمل بالطاقة النووية بضع عشرات من العينات المختارة بعنايةٍ، وستخزّن هذه المواد الثمينة في أنابيبَ معقمةٍ ستخزن مؤقتًا في مكانٍ ما في فوهة جيزرو، وأوضح أعضاء فريق البعثة إن مركبة بيرسيفرانس ستحتفظ أيضًا ببعض العينات.

في حال سارت الأمور وفقًا للخطة الحالية المؤقتة، فإن الخطوة التالية ستتمثل في عمليتي إطلاق مشتركةٍ ستحدث في عام 2026، حيث سيرسل الإطلاق الأول مهمة استرداد العينات من أرض المريخ SRL اختصارًا لـSample Retrieval Lander بهدف أخذ العينات من كوكب المريخ، وهي مهمة تقودها وكالة ناسا، والإطلاق الثاني عبر مهمة إرجاع العينات من المدار للأرض ERO اختصارًا لـEarth Return Orbiter بهدف إرجاع العينات من مدار كوكب المريخ إلى الأرض، والتي تديرها وكالة الفضاء الأوروبية ESA.

ستكون مهمة SRL مزودةً بصاروخٍ ومركبة جلب عينات جوالةٍ صغيرةٍ من وكالة الفضاء الأوربية، والتي ستفعل ما يوحيه اسمها تمامًا أي إيجاد العينات المخزنة وجلبها للأرض؛ ستحمل العينات فيما بعد في علبةٍ صغيرةٍ بحجم كرة القدم على متن الصاروخ الذي سيقوم بعملية إطلاق ذاتي باتجاه المدار المريخي.

سيطرح الصاروخ هناك علبة العينات الصغيرة وسيلتقطها مسبار ERO بدوره من الفراغ ومن ثم يعود بها إلى الأرض؛ سيطرح مسبار ERO علبة العينات الصغيرة التي ستصل للأرض في صحراء يوتا في غضون عام 2031.

ستُنقَل بعد ذلك عينات المريخ إلى منشأة استقبال في موقعٍ لم يُحدَد بعد، حيث سيبدأ العلماء في جرد كنزهم الكوني الذي سيُستلَم قريبًا.

سيشمل جزءٌ كبيرٌ من التقييم الأولي التأكد من أن المريخ بحدّ ذاته لا يشكّل أيّ تهديدٍ للحياة على الأرض؛ هذا الأمر ليس مجرد شأنٍ لا طائلَ منه، فبالنظر إلى الكوكب الأحمر فإنه على الأرجح كان صالحًا للسكن في الماضي القديم ضمن أجزاءٍ منه؛ وعلى سبيل المثال تؤكد طبقات المياه الجوفية ذلك؛ ربما لا تزال هذه الأجزاء قادرةً على دعم إمكانية الحياة كتلك التي نعرفها اليوم.

أوضحت ليزا برات Lisa Pratt، مسؤولة حماية الكواكب في ناسا، أن تصميم وسيلة الاستقبال سيكون على غرار المعامل التي تتعامل مع وتبحث في أخطر مسببات الأمراض المعدية على الأرض.

وقالت برات في مؤتمرٍ صحفيٍّ في 28 تموز/يوليو: "لا يعني قيامنا بهذا أننا نعتقد حقًا بوجود أي شيء مسببٍ للمرض أو خطيرٍ للغاية قادمٍ من المريخ، لكننا سنكون حذرين للغاية".

من جديد، لم يُنتَهَ بعد من خطة جلب العينات المشتركة لوكالتي ناسا والفضاء الأوربية NASA-ESA، إذ أن التواريخ أو التفاصيل الأخرى يمكن أن تتغير، لكن من غير المرجح إجراء إصلاحٍ معماريٍّ شاملٍ.


ستكون عينات صخور المريخ أفضل من تلك المأخوذة من نيازك المريخ:


يدرس العلماء منذ عقود قطعًا من المريخ هنا على الأرض، وهي صخورٌ من الكوكب الأحمر شقت طريقها إلى الأرض بعد أن انفجرت في الفضاء بفعل تأثيراتٍ قويةٍ.

في الواقع فإن أحد نيازك المريخ، المعروف باسم آلان هيلز 84001 Allan Hills 84001 يحمل معه ما فسره بعض العلماء على أنه علاماتٌ محتملةٌ لوجود حياةٍ على الكوكب الأحمر.

فيما يعتبر معظم الباحثين الآخرين أن الأدلة غير حاسمة، ومع ذلك، يستمر الجدل حتى يومنا هذا.

على حدّ تعبير أعضاء طاقم المهمة فإن عينات مركبة بيرسيفرانس الجوالة تُعتبر متفوقةً علميًا على عينات صخور الكوكب الأحمر التي اختُبِرت مسبقًا.

بالنسبة للمبتدئين فإنهم يعتبرون أن نيازك المريخ بالكاد تكون نقيةً، وذلك لأنها قد خاضت رحلاتٍ عبر غلافَيْن جويَّيْن لكوكبَين، وتعمّقت بالفضاء بمسافة تبلغ ملايين الأميال، ناهيك عن فترات تواجدها الطويلة على كوكبنا بسطحه وشكل حياته الفوضوية.

أما بالنسبة للعينات التي اختارتها مركبة بيرسيفرانس الجوالة، فإنها تمثل حجر الأساس لمهمة المريخ لعام 2020 التابعة لناسا التي بلغت تكلفتها 2.7 مليار دولار؛ ستُغلَق هذه العينات بإحكامٍ فور جمعها مباشرة.

علاوةً على ما سبق، فإن نيازك المريخ عبارة عن قطعٍ عشوائيةٍ تميل إلى أن تكون بركانيًة وحديثة التشكّل؛ من ناحية أخرى، يبلغ عمر صخور فوهة جيزرو مليارات السنين وتؤكد إمكانية وجود تاريخ حول بيئة صالحة للسكن، وسيحصل فريق المركبة الجوالة على أكثر العينات إثارةً للاهتمام من هذه المجموعة الواعدة بالفعل.

قال كريس هيرد Chris Herd من جامعة ألبرتا في كندا، وهو أحد العلماء في دراسة العينات التي ستعود للأرض من المريخ في مهمة 2020 خلال مؤتمر صحفي في 28 تموز/يوليو: "إن الشيء العظيم في مركبة بيرسيفرانس هو أنه بدلًا من اختيار الطبيعة لنا، فإننا نحن من سيختار الصخور التي ستعود إلى الأرض، إضافةً إلى توثيقنا الدقيق حول مكانها والسبب الكامن وراء جمعها".

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المصطلحات
  • الغبار (Dust): ليس الغبار الذي يقوم أحدهم بإيجاده حول المنزل فقط (الذي هو في العادة عبارة عن ذرات دقيقة من خلايا الجلد ومواد أخرى)، ولكن بالإضافة إلى ذلك، هذا الغبار في الفضاء عبارة عن الحبيبات شاذة الشكل مكونة من الكربون و/أو السليكون ويبلغ عرضها ميكرون واحد تقريباً، ويمكن إيجادها بين النجوم. يُمكن الاستدلال على وجود الغبار بشكلٍ أساسي عبر قدرته على الامتصاص، الأمر الذي يؤدي إلى تشكل أقسام كبيرة مظلمة في مناطق من مجرتنا درب التبانة ونطاقات مظلمة في كافة أرجاء المجرات الأخرى.

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات