الموجات الثقالية قد تساعد في اكتشاف كواكب خارج مجرتنا

رسم تخيلي لقزمين أبيضين يدوران حول بعضهما ويبعثان موجات ثقالية.
حقوق الصورة: NASA/Tod Strohmayer /Dana Berry.



وجدت دراسةٌ جديدةٌ أنّ العلماء قد يكتشفون يومًا ما كواكبَ غريبةً خارج مجرة درب التبانة باستخدام التموجات في المكان والزمان المعروفة باسم الموجات الثقالية.

في العقود الثلاثة الماضية، أكد العلماء وجود نحو 4200 عالمٍ خارج النظام الشمسي، واكتشف علماء الفلك هذه الكواكب الخارجية باستخدام الأساليب التي تقوم على تحليل الضوء إما من العوالم نفسها أو من نجومها، وعلى هذا النحو، تقتصر هذه الاستراتيجيات بشكلٍ عامٍ على اكتشاف الكواكب داخل مجرتنا، إذ تُعتبر فرص اكتشاف الإشارات الضوئية من العوالم خارج المجرة ضئيلةً بالنظر إلى المسافات الشاسعة التي تفصلنا عنها، فضلًا عن سحب الغبار المتداخلة وغيرها من العوائق.

من بين المشاهدات المحتملة لوجود كوكب خارج مجرتنا، الذي أُطلِق عليه اسم HIP 13044b، تبين فيما بعد أنها كانت إشاراتٍ غير صحيحة، كذلك هنالك العديد من المشاهد والإشارات لم تؤكَّد بعد. في عام 2018، اكتشف علماء الفلك أدلةً على وجود كواكبَ شاردةٍ خارج مجرة درب التبانة، ولكن كانت مجرد تقديراتٍ غير مباشرةٍ.

الآن، يقترح الباحثون أنّ اكتشاف الكواكب خارج المجرة لن يتم عن طريق إشارات ضوئية، بل إشارات الموجات الثقالية. توقع ألبرت أينشتاين لأول مرة وجود الموجات الثقالية في عام 1916، ووفقًا لنظريته النسبية العامة، تنتج الجاذبية عن تشويه وتقعير الكتلة للمكان والزمان. عندما يتحرك جسمان أو أكثر داخل مجال جاذبيةٍ معيّنٍ، فإنهم ينتجون موجاتٍ ثقاليةً تنتقل بسرعة الضوء تضغط وتمدد الزمكان على طول الطريق.

الأهم من ذلك أنّ أنواع العقبات التي تمنع الضوء البعيد جدًا من الوصول إلى الأرض لن تعيق الموجات الثقالية، لكن من الصعب للغاية اكتشاف الموجات الثقالية لأنها ضعيفة للغاية، حتى أينشتاين لم يكن متأكدًا ما إذا كانت موجودةً حقًا أو لا.


مرصد ليغو


بعد عقودٍ من العمل، اكتشف العلماء أول دليلٍ مباشرٍ على الموجات الثقالية في عام 2015 باستخدام مرصد ليغو LIGO. يستخدم ليغو زوجًا من أجهزة الكشف -أحدهما في هانفورد، واشنطن، والآخر في ليفينغستون، لويزيانا- وذلك من أجل استشعار التشوهات التي تسببها الموجات الثقالية أثناء تموجها عبر المادة.

يتخذ كلُّ كاشفٍ شكل حرف L عملاق مع أنبوبين طويلين متعامدين على بعضهما بعضًا، ويبلغ طول الأنبوب الواحد نحو 2.5 ميل (4 كيلومترات)، وكلاهما مُفرغان من الهواء. يوجد في تقاطع الأنبوبين مقياس تداخلٍ ليزريٍّ، ويمتلك الأنبوبان من كلّ كاشفٍ نفس الطول لكي تستغرق أشعة الليزر نفس الوقت للانتقال إلى نهاية كل طرف. إذا مرّت الموجات الثقالية عبر الأرض، سيتغير طول ذراعي الرصد، إذ سينكمش أحد الذراعين وسيتمدد الآخر، ما سيتسبب في انزياح الطور بين شعاعين الليزر وتغيير شدة الضوء التي يسجلها الكاشف، على الرغم من أن مقدار الانزياح يُعادل 0.001 قطر البروتون، ولكن يمكن للساعات الذرية رصد هذه الاختلافات الطفيفة في الوقت الذي يستغرقه شعاع الليزر للوصول إلى نهاية الكاشف.

نظرًا لابتعاد كاشفي ليغو مسافة 1900 ميل (3000 كيلومتر) عن بعضها البعض، قد تستغرق الموجات الثقالية ما يصل إلى 10 ملي ثانية لقطع المسافة بين الكاشفين، ما يمكن العلماء من استخدام الاختلاف في أوقات الوصول لمعرفة من أين تأتي موجات الجاذبية. مع تطوير المزيد من أجهزة الكشف عن الموجات الثقالية في مواقعَ مختلفةٍ -مثل كاشف فيرجو المتقدم بالقرب من بيزا، إيطاليا الذي بدأ العمل في عام 2017– ستتحسن قدرتنا على تحديد مصادر الموجات الثقالية.

تُعتبر مراصد الموجات الثقالية الأرضية الحالية والمُخطط لها مستقبلًا حساسةً لجميع الأطوال الموجية التي تبلغ نحو 60 ميل (100 كيلومتر)، وتنتج مثل هذه الإشارات عن النجوم النيوترونية والثقوب السوداء التي تبلغ كتلتها بضع عشرات كتلة الشمس. مع ذلك، لطالما حلم العلماء بطريقةٍ فضائيةٍ لرصد الموجات الثقالية، مع أجهزة كشف تفصل بينها مسافاتٌ شاسعةٌ يمكن أن تستشعر موجاتٍ أطول. تقودنا هذه الأنواع من الإشارات إلى مصادرَ مهولةٍ، بما في ذلك الثقوب السوداء الفائقة.

مرصد ليزا الفضائي


ثمة مرصد فضائي يجري تطوّره حاليًا وكالة الفضاء الأوروبية، ألا وهو هوائي مقياس التداخل الليزري الفضائي (ليزا LISA) المقرر إطلاقه عام 2034؛ سوف يتكون ليزا من ثلاثة أقمار صناعية في مدارٍ حول الشمس خلف الأرض، وداخل كل قمر صناعي سيوجد مكعب سوف يسقط بحرية عبر الفضاء ليتبع مسارًا يتعرض للاضطراب بفعل الموجات الثقالية فقط، وسوف ترصد هذه الكوكبة من الأقمار الصناعية بعنايةٍ مكان كلّ مكعبٍ للبحث عن تموجاتٍ في الزمكان.

ستكون أقمار ليزا الصناعية على بعد ملايين الأميال من بعضها البعض؛ من حيث المبدأ، سوف يكون ليزا قادرًا على الكشف عن موجاتٍ ثقاليةٍ ذات أطوالٍ موجيةٍ تعادل تقريبًا 18 مليون ميل (30 مليون كيلومتر)، ويعتقد العلماء أنّ مثل هذه الإشارات تنبع من اندماج الثقوب السوداء التي تتراوح كتلتها بين 10,000 و10 ملايين مرة كتلة الشمس.

بحسب علماء ليزا، فإنه سيكون قادرًا على الكشف عن الموجات الثقالية الناتجة عن عشرات الآلاف من أزواج الأقزام البيضاء؛ الأقزام البيضاء هي أنويةٌ نجميةٌ ميتةٌ باردةٌ وخافتةٌ بحجم الأرض خلفتها النجوم متوسطة الحجم بعد نفاد وقودها وتفسخ طبقاتها الخارجية؛ ستصبح شمسنا يومًا ما قزمًا أبيضَ، كما ستواجه 90% من النجوم الأخرى في درب التبانة نفس المصير.

في عام 2019، وجد نفس العلماء الذين يقفون وراء البحث الجديد أن يمكن لليزا وغيره من مراصد موجات الثقالية الفضائية اكتشاف كواكب خارجية عملاقة تدور حول الأقزام البيضاء المزدوجة داخل مجرتنا، والآن حُدِّد أنّ ليزا يمكنه أيضًا الكشف عن أنظمةٍ كوكبيةٍ مماثلةٍ لكوكبنا خارج مجرة درب التبانة، خاصةً داخل أكثر من 50 مجرةً تدور حول مجرتنا.

أشار الباحثون إلى أنه عندما يكون هناك قزمان أبيضان قريبان بما يكفي للاندماج في غضون آلاف السنين، ينبغي أن يولّد الزوج تيارًا مستمرًا من الموجات الثقالية التي تمتلك جميعها تقريبًا نفس التردد. خلال فترة عمل مرصد ليزا، التي قد تستمر لـ10 سنوات، يمكن للمرصد رصد هذه الموجات الثقالية وأي انحرافاتٍ صغيرةٍ أخرى، مثل تلك التي تنجم عن حقول جاذبية الكواكب العملاقة التي تدور حول هذه الأزواج.

في السابق، وجد العلماء أن بإمكان ليزا أن يكشف عمّا يصل إلى بضع مئات من الكواكب الخارجية مع كتلٍ مماثلةٍ أو أثقل من كوكب المشتري، شريطة أن تكون بعيدةً عن أقزامها البيضاء المزدوجة مسافةً أقل من 10 وحدات فلكية. (الوحدة الفلكية هي متوسط المسافة بين الأرض والشمس، والتي تساوي نحو 93 مليون ميل، أو 150 مليون كيلومتر).

في البحث الجديد، قدّر العلماء أنه بإمكان ليزا أن يكشف عمّا يصل إلى بضع مئات من الأقزام البيضاء المزدوجة في سحابة ماجلان الكبيرة، وهي إحدى أقرب المجرات لمجرة درب التبانة، وبالنسبة إلى ثنائي نظري كتلته الإجمالية تساوي نصف كتلة الشمس وتدور أقزامه البيضاء حول بعضها بعضًا على مسافة ألف ضعف المسافة بين عطارد والشمس تقريبًا، على سبيل المثال، حسبوا أنه يمكن لليزا البدء بالكشف عن كواكب خارجية ذات كتلةٍ أثقل بـ13 مرةً من كتلة المشتري بعد أربع سنوات من الرصد، وأنه سيكشف بالتأكيد عن مثل هذا العالم بعد 10 سنوات من الرصد.

تصور فني للأقمار الصناعية الخاصة بكاشف الموجات الثقالية الفضائي ليزا حقوق الصورة: ESA
تصور فني للأقمار الصناعية الخاصة بكاشف الموجات الثقالية الفضائي ليزا حقوق الصورة: ESA


قالت كاميلا دانييلسكي Camilla Danielski، عالمة فيزياء فلكية في كلية لندن الجامعية: "بفضل الموجات الثقالية، قد نصبح قادرين في النهاية على مراقبة هذه الأجرام البعيدة عن المجوعة الشمسية".

يمكن لمراصد الموجات الثقالية الفضائية في المستقبل، التي ستتمتع بـ10 أضعاف حساسية ليزا، مثل بعثة الفضاء أميغو AMIGO التي يتصورها العلماء الصينيون، أن تكتشف كوكبًا خارجيًا بأربع أضعاف كتلة المشتري يدور حول قزمين بيضاوين مزدوجين بعد 10 سنوات من الرصد.

يقول نيكولا تمانيني Nicola Tamanini، عالم الفيزياء الفلكية في معهد ماكس بلانك لفيزياء الموجات الثقالية في ألمانيا والمشارك في الدراسة: "دراستنا هي من ضمن الدراسات الأولى في هذا الأسلوب الجديد من الرصد. سوف تقدم الأبحاث المستقبلية صورةً أكثر تفصيلًا".

لا يزال هنالك الكثير من الغموض بشأن الكواكب المحيطة بمثل هذه الأقزام البيضاء المزدوجة، فيما يخص تكوينها وتطورها مثلًا. قال دانييلسكي إن الأبحاث المستقبلية قد تستكشف الكواكب التي تشكلت ليس فقط قبل أن تصبح النجوم أقزامًا بيضاء، ولكن بعد ذلك أيضًا، وقد تساعد عمليات رصد الموجات الثقالية في تسليط الضوء على هذه الأسئلة من خلال الكشف عن أنواع الكتل والمدارات التي تمتلكها هذه العوالم عادةً.

إمسح وإقرأ

المصادر

شارك

المساهمون


اترك تعليقاً () تعليقات